بين يدي مبادرة الإصلاح، تكليفاً وتأليفاً وتفويضاً

حجم الخط

بقلم عريب الرنتاوي

 

 

 

الأردنيون، لا تنقصهم القناعة بجدوى الإصلاح، ما ينقصهم هو الاقتناع بجديته...عشرون عاماً من الحديث عن الإصلاح، تخللتها أربع مبادرات كبرى، أي بمعدل مبادرة واحدة كل خمس سنوات، أُجهضت جميعها، وظلت أفكارها ومراميها حبراً على ورق.
سيجد القائمون على «المبادرة الإصلاحية الجديدة» التي يبدو أنها ستُبصر النور في غضون الأيام القليلة القادمة، صعوبة فائقة في إقناع الرأي العام، بجدوى محاولتهم وجديتها، وكان الله في عون أي من أعضاء «اللجنة العتيدة» المولجة بمهمة هذا حجمها، إن هو أخذ على عاتقه مهمة الترويج شعبياً، للفكرة والمبادرة.
على أن شروطاً ثلاثة، إن توفرت للمبادرة / اللجنة، قد تسهم في تيسير المهمة، وتذليل بعض العقبات التي تحول دون ابتلاع الأردنيين للفكرة وهضمها:
أولها: أن يستبطن كتاب التكليف للجنة ورئيسها، مراجعة أقرب إلى النقد الذاتي، عن فشل التجارب السابقة، ومحاولة تفسير أسبابه، أقله من باب البرهنة على أن هذه المرة مختلفة، والأهم من هذا وذاك، إبداء الالتزام القاطع، بأخذ المقترحات والتوصيات على محمل الجد، وتحويلها إلى تشريعات وسياسات وإجراءات...لا حاجة للأردنيين بمزيدٍ من اللجان والمبادرات الحوارية، الأردنيون اليوم، بحاجة لـ «حوار ملزم» في نتائجه ومخرجاته.
ثانيها؛ العناية على نحو فائق، بدقة اختيار رئيس اللجنة وأعضائها، فأي إساءة للاختيار، سيترتب عليها تعميق «اليأس» من تجاربنا الحوارية والإصلاحية... بخلاف ذلك، ستصرف اللجنة، أكثر من نصف وقتها وطاقتها، في الدفاع عن هوية أعضائها ورئيسها وتبرير اختيارهم...هنا نفتح قوسين لنقول: إن الأردن حافل بالطاقات الكامنة والمتوثبة، وليس من اللائق به وأبنائه أبداً، المضي إلى ما لا نهاية، في سلوك الطريق ذاته، وانتظار الوصول إلى نهايات «مختلفة»...واللجنة لكي تكون ذات طابع «تمثيلي» ما أمكن، يتعين أن تضم في صفوفها شخصيات ممثلة لمختلف الأطياف والمرجعيات والحساسيات، من دون إقصاء أو استثناء، وضمان ألا تكون نسخة ثانية، عن المجالس النيابية أو عن مجالس الأعيان.
ثالثها؛ حال الأردنيين اليوم، لا يمكن استنهاضه واستنقاذه، بمبادرات مترددة وخجولة ومرتجفة... الأردنيون كانوا عرضة لصدمات من العيار الثقيل خلال السنوات الماضية، وبالأخص في الأشهر القليلة الفائتة...»العلاج بالصدمة»، طريقة معروفة لاستدراك المريض قبل انتقاله للرفيق الأعلى، ولاستنقاذ المجتمعات قبل انزلاقها إلى قعر الهاوية...والمبادرة الإصلاحية التي يمكن لها أن تُحدث فرقاً، هي تلك التي تنطلق من هذه الفرضية...لن يشعر الأردنيون بالفارق، إن انتهينا إلى تعديلات طفيفة على قانون الانتخاب أو قانون الأحزاب، المطلوب خطوة بحجم إلغاء الأحكام العرفية واستئناف الحياة الحزبية والبرلمانية بعد «هبّة نيسان» في العام 1989...أقل من ذلك، ستتكرس القناعة لدى المواطنين، بأن الدولة لم تستخلص بعد، دروس الأحداث الأخيرة، وأنها ما زالت أسيرة للنظرية البائسة: «كلفة الإصلاح أعلى من كلفة الإحجام عنه».
إن جاءت المبادرة، تكليفاً وتكويناً ونتائج، بمستوى الطموح، فإن الخطوة التالية، المطلوبة من دون إبطاء، هي دعوة مجلس النواب لجلسة استثنائية، يقر فيها أولى حزم التشريعات الناظمة للعمل، على أن يُحلّ فور انتهائه من إقرارها، والدعوة مباشرة لانتخابات مبكرة، حرة ونزيهة، قولاً وفعلاً، هذه المرة، من دون أي شكل من أشكال التدخل في تشكيل إرادة الناخبين: أمنياً كان أم مالياً، تنبثق في نهايتها حكومة برلمانية، فإن تعذر ذلك، فلا أقل من حكومة منسجمة مع «المزاج الانتخابي العام» كما تكشفت عنه صناديق الاقتراع.
عندها، وعندها فقط، يمكن الاطمئنان إلى أن الأردن، قد وضِعَ على سكة استئناف مساره الإصلاحي، أقله في جانبه السياسي، الذي يتعين أن يسبق ويتقدم، على مساري الإصلاح الإداري والاقتصادي، وأن يرافقهما... عندها، وعندها فقط، يمكن أن نبدأ رحلة الصعود من الهاوية، وأن نوقف مسلسل الانفجارات المتلاحقة، ما كبر منها وما صغر.