عودة الروح

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

اينما ولّيتَ في البلد تجد مبادرات وحملات والكل يريد أن يملأ الفراغ الحكومي والرسمي وحتى السياسي، وتكون المصيبة أعظم أن ترى مجموعة من المواطنين يبادرون لمعالجة قضايا هي بالأساس عمل حكومي، وبات الأمر يبدو طبيعياً ولا يتحرج منه أحد في ضوء غياب أي دفع رسمي أو حكومي أو كلاهما عن دورهم عن مكانتهم عن مسؤولياتهم.
الضغط لإنهاء الانقسام وإعادة اللحمة للوطن وقضية القدس مهمة شعبية، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتشجيع المنتجات الفلسطينية ومقاومة الاستيطان وجدار الفصل والعزل وقضايا الأسرى والأسيرات باتت مسؤولية ومهمة شعبية، وتفعيل صندوق «استدامة» ايضاً كذلك لأن البنوك تحجم عن التعامل معها، وماذا بقي من العمل الرسمي الفلسطيني؟ هل هو فقط قص شريط هنا وهناك وبرتوكولات المشاركة في مؤتمر هنا وهناك؟ وحتى هذه تراجعت ولم تعد بارزة لأنها مؤشر على فعل على الارض وهو ليس قائماً.
في المبادرات الشعبية على اتساعها بات الحضور الرسمي صعب المنال من منطلق «نحن أصحاب الفرح» تماماً نحن ندعوكم لأنكم كذلك، ولكن تعالوا وقولوا كلمتكم عن سبل تشجيع المنتجات الفلسطينية، عن متبقيات المبيدات في الخضار وهل من متابعة، عن الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام، فقطاع الشباب يسأل السؤال الصعب «ما هو موقف الحكومة من مقاطعة المنتجات الإسرائيلية؟ ولماذا نحن من يطوف على التجار والموزعين والاسر والمستهلك ونوزع نشرات التوعية، والحكومة ما هو دورها؟» اساتذة الجامعات يطرحون السؤال الصعب «ممكن نسمع موقف حكومي واضح بخصوص الشأن الاقتصادي والمالي وسبل الانعاش»؟ السؤال المالي «صندوق استدامة وموقف البنوك من الصندوق والترويج له».
القدس أم القضايا، دعونا نرى ما هو الموقف الفعلي بعيداً عن جهد القوى الشعبية وما تبقى من مؤسسات بالكاد تغطي زي فريق كرة القدم لديها، اين نقف رسمياً من قضية القدس، هل «صدعنا رأس العالم بالقدس ونشرنا اوراق موقفنا؟» «هل استنفرنا طاقة الجاليات الفلسطينية في العالم بدلاً من ان نغرقهم بإشكاليات هم في غنى عنه مع هذه السفارة أو مع إسقاط مسؤول للجالية هنا وهناك؟» «هل استطعنا الاستفادة القصوى من قامات فلسطينية أكاديمية وثقافية وعلمية وطبية في العالم لتكون عوناً للقدس وضد الاستيطان ضمن رسالة موحدة ودون الانتقاص من موقفهم الفكري وحرية رأيهم؟».
الناس من خلال المبادرات يناقشون ويبدعون ولكنهم يشعرون بالفجوة العميقة التي تفصلهم عن جهات الاختصاص، سواء الوزارات أو البلديات أو النقابات أو مجالس الخدمات وغيرها، حتى أن اعلام تلك المؤسسات كلها ورغم ما انفق عليه من تطوير وتأهيل، إلا أننا نقرأ أخبار علاقات عامة ليس إلا، والمسؤول لا يقيم وزناً للأمر عدا اختيار صورته التي يراها الأنسب.
جدولة ضخ المياه للمشتركين مشكلة مستعصية في الصيف، والجواب يكون: الاحتلال يقلل كميات المياه ويسبب أزمة، الا يوجد خطاب آخر تطرحه سلطة المياه الفلسطينية وتقول أننا نعمل من أجل المطالبة بزيادة حصتنا المائية نتيجة لازدياد عدد السكان واحتياجنا لضِعف الكمية السابقة، لماذا نحول كل القضايا التي تتعلق بالاحتلال الى طوشة داخلية نتيجة لغياب الخطاب الذي يجب ان يصل المشتركين، فيهب الناس ليضغطوا على مصالح المياه في مدنهم وقراهم.
هل يعقل أننا لا نستطيع جعل المواصفات والمقاييس عوائق غير جمركية نعطل من خلالها وصول المنتجات الإسرائيلية الى سوقنا، ألم يكن بالامكان منع البطاطا الإسرائيلية من إغراق السوق الفلسطيني وضرب المزارع من خلال ضرب الاسعار جراء الإغراق؟ وغداً الشمام والبطيخ، وبعد غد غيره وغيره.
المسألة المهمة أن الكثير اليوم يريد استغلال الوضع القائم أسوأ استغلال، وهذا الأمر سهل جداً وممكن، ولكن آثاره كارثية علينا بحيث يتنطح احدهم ليطرح نفسه مخلّصاً في ملف هنا وهناك، وطبعاً «خلي الميدان لحميدان»، والكارثة عندما يكون حميدان هنا لا يمتلك فكرة ولا رؤية ويجد فراغاً فيطرح نفسه بديلاً، وبات يخرج علينا فلان بلبوس انه يبغي الخير وهو ليس كذلك، ولا ابرئ أي جهة رسمية ولا أي بلدية ولا جمعية ولا شركة كهرباء ولا مرفق مياه، كون أدائهم جميعاً قاد لهذا الوضع.
وهنا لا أعمم ولا أعتبر كل من طرح رأياً مخطئاً أو له مأرب، بالعكس هناك أشخاص وتجمعات نقدرها حق التقدير حتى لو اختلفنا معهم أو اختلفوا مع آخرين، فهذا أمر مكفول ندافع عنه باستماته، لأننا خرجنا من عباءة التعصب الايدولوجي والفصائلي والمكاني والعشائري، فعندما يطرح مفكر وأكاديمي طروحات للنقاش ويضع بصمته فيها فهذه هي الايجابية، ولا نخاف على الموضوع قيد الطرح لأنهم يطرحون وجهة نظر مسنودة وليس موضوع ردح وسب وتوزيع شهادات الوطنية.
وبتنا اليوم بحاجة للحكماء والعقلاء ببعد وطني فلسطيني، ليس الا لأننا على شفير الهاوية ودون طرح تصور متكامل من عيار (مجلس تشريعي انتقالي يهيئ لإجراء الانتخابات) من عيار ( توحيد أدوات النضال الشعبي الفلسطيني وتحديد دور وموقع الأطراف كافة) من عيار ( عدم تحويل كل القضايا الى قضايا شعبية ) من عيار (الرهان على الشباب والصبايا كفئة عمرية عريضة لا يجوز أن يظل شكلياً بل جوهرياً وأساسياً).