قراءة في مخرجات أحدث استطلاع للرأي

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

حمل البيان الصحافي، الصادر عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية حول نتائج استطلاع الرأي العام، الكثير من القضايا المهمة التي تتطلب التوقف أمامها بمسؤولية وعمق، لا سيما أنه جاء بعد تطورات عاصفة شهدتها الساحة الفلسطينية، منها قرار تأجيل الانتخابات التشريعية، وانفجار الوضع في القدس على خلفية قرار الاحتلال طرد أهالي حي الشيخ جراح ومصادرة بيوتهم لصالح المستوطنين، وما جرّ من تداعيات شعبية وحراكات في فلسطين التاريخية وصولاً إلى الفعل العسكري على جبهة قطاع غزة.
بشكل عام، الاستطلاع حافظ على درجة من المهنية والتَجَرُّد السياسي في قياس التغيير على مواقف الرأي العام، وفي الحقيقة لُمِسَت معالم التغيير على المزاج العام في الشارع، من خلال الحراكات على الأرض والمبادرات النوعية أو في الإعلام الاجتماعي والتظاهرات التضامنية.
ورغم الشكوك بمخرجات الاستطلاعات بشكل عام، خاصة ردود فعل المتضررين من نتائجها عادة واتهامها بعدم المهنية أو الاعتبارات المصلحية، فإنه بكل الأحوال ليس أكثر من مؤشر على اتجاهات الرأي العام في قضايا محددة يجب الاستفادة منها وليس نفيها أو أخذها كمسلّمات وحقائق دامغة.  
يبرهن الاستطلاع على صحة الانطباعات المتشكلة لدى الرأي العام حول الدوافع الحقيقية لقرار تأجيل الانتخابات، وينفي عن ادعاء السلطة التذرع بالقدس كسبب رئيسي للتأجيل، وهو الأمر الذي ثبت عملياً في الاشتباكات التي وقعت بين المقدسيين والاحتلال التي يعد نموذجاً مثالياً يُضاف إلى النموذج الذي قاومت به القدس فرض الكاميرات على بوابات المسجد الأقصى عام 2017، وهي المقاربة التي سيتم البناء عليها في معركة مشاركة المقدسيين في الانتخابات دون ربط المشاركة بالموافقة الإسرائيلية المسبقة، بل فرضها واقعياً بالاشتباك مع الاحتلال على حق المقدسيين في الانتخاب أمام أنظار العالم. وهو الأمر الذي يؤكده الاستطلاع بأكثرية 70% تفضِّل فرض الانتخابات في القدس الشرقية كأمر واقع وعدم انتظار الموافقة الإسرائيلية.
ويؤكد الاستطلاع على صعيد الانتخابات الرئاسية تراجع شعبية حركة فتح أمام حركة حماس بمسافة واضحة، ويؤكد فوز الأسير مروان البرغوثي في جميع الأحوال على جميع منافسيه من مختلف التيارات بما فيها من «فتح»، وفي حال ترشحه بمواجهة إسماعيل هنية فإنه سيحصل على 51% من الأصوات مقابل 42% لهنية. نتائج الاستطلاع برمتها توضح الرغبة الأكيدة لدى الجمهور الفلسطيني في التوجه نحو التغيير.
أما على صعيد انتخابات المجلس التشريعي، فقد أظهر الاستطلاع رغبة الفلسطينيين في الخروج من الثنائية القطبية، بعدم امتلاك أي قائمة الأغلبية التي تمكنها من تشكيل حكومة والحصول على ثقتها وحدها دون التحالف مع القوائم الأخرى. لقد أظهر الاستطلاع اقتصار فرص النجاح على تسع قوائم مرشحة من أصل 36 قائمة انتخابية مرشحة، وهو الأمر الذي كان متوقعاً لأسباب مختلفة تتعلق بالخصوصية الفلسطينية وطبيعة المرحلة، حيث حُرِم المواطنون من امتلاك الفرصة الكافية لتشكيل الأطر التنظيمية وتقديم قوائمهم للجمهور ونسج التحالفات، بسبب الانقسام وغياب الانتخابات الدورية وانخفاض سقف الحريات العامة.
وعليه، لم تتمكن 27 قائمة من اجتياز عتبة الحسم البالغة 1.5% من جهة، واجتازت خمس قوائم العتبة، بينما أفاد 36% من المستطلعين بأنهم سيصوتون لقائمة حركة حماس مقابل تصويت 19% لصالح قائمة حركة فتح. بينما حازت قائمة ناصر القدوة على تأييد 9% من المستَطْلعين وحصلت قائمة محمد دحلان على تأييد 3% منهم. أضف إلى ما سبق، سجَّل الاستطلاع المآخذ على أداء حركة فتح السياسي وعلى تمثيلها الفلسطينيين.
جاء الاستطلاع ليؤكد أن الفلسطينيين بعد 73 عاماً على النكبة 1948، لم يتمكنوا من التعايش والاندماج والذوبان في إطار الدولة العبرية وأن مشاعر العداء في تصاعد، خاصة في المدن المختلطة، القدس واللد وأم الفحم وغيرها، بسبب السياسة العنصرية الممنهجة والغلوّ في التطرف والاستعلاء والتحريض والتمييز الممارس من قبل دولة الاحتلال.
بالمحصلة، ما كشفه الاستطلاع بشكل رئيسي هو الرغبة الجامحة لدى الناس في إحداث تغيير جدي يطال البنى القائمة المترهلة كمنظمة التحرير ولجنتها التنفيذية، مثلما أكد أن الرأي العام تواق للخروج من عنق الزجاجة المسمى «أوسلو» بكل تفاصيله وتجلياته والذهاب لخيار فلسطيني أساسه المقاومة الشعبية والوطنية الجامعة لدولة الاحتلال العنصري الإجلائي بكل الطرق والوسائل المتاحة.
وعليه، وفي ضوء معطيات الاستطلاع الرئيسية، لا بد من وقفة جادة، خصوصاً من قبل الحزب الحاكم الذي يتولى مسؤولية قيادة المجتمع ومؤسساته والتحكم بها بأن يستخلص الدروس بشكل هادئ وأن يحلل ويناقش بعقل بارد من دون ردات فعل غير مدروسة أو إنكار للواقع، بل إعادة النظر في كثير من البنى والقضايا والمواقف التي تبين أنها تلحق الضرر به وبعلاقته مع الجماهير، مثلما تلحق الضرر بقضية الشعب الفلسطيني الذي لم يعد قابلاً بالمطلق أن تحشر قضيته في دهاليز وخيارات سياسية ومفاوضات عموماً عفى عليها الزمن وتجاوزتها الأحداث بمسافات واضحة.  
باختصار مطلوب الإجابة عن سؤال تعمق أزمة الثقة بين الشعب وقيادته السياسية ممثلة بمنظمة التحرير ولجنتها التنفيذية ومجلسها الوطني، مثلما مطلوب الوقوف أمام الأداء الدبلوماسي الذي تكشف أمام الرأي العام أنه جهاز غير قادر على الإيفاء بواجباته، وهذا لا يجوز السكوت عليه طالما أننا نؤمن بأن المعركة على الرأي العام وكسبه هي من المعارك المهمة مع دولة الاحتلال، وهذا ينطبق على الإعلام الرسمي الحكومي الذي تراجع بشكل ملحوظ وبات أشبه بإعلام حزبي نتيجة تغييب الرأي الآخر بشكل ملفت.
وأخيراً، فإن سؤال الانتخابات التي تم تأجيلها لا يمكن أن يؤجل إلى أجل غير مسمى، الأمر الذي يعني تحديد موعد جديد لانتخاب المجلس الوطني ومواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية، حيث بات التغيير واجباً واستحقاقاً لا يمكن تأجيله.