قراءة لما يحدث قد لا تُعجب البعض وأرجو أن أكون مخطئا ً!

تنزيل (9).jpg
حجم الخط

بقلم: زياد أبو زياد

 

 

لم ينته طوفان الأقصى بعد ولا يستطيع أحد في هذه اللحظة أن يجزم كيف سينتهي، ولكني أستطيع أن ألخص رأيي بالقول "إني خائف".

 

استطاعت إسرائيل أن تتبنى سياسة إعلامية تتفهم عقلية الغرب وتعرف كيف يمكن أن تعزف له على الوتر الذي يروق له.

 

فقد بدأت تتحدث عن هجوم السبت 7/10 على أنه توأم 11/9، وهي تعرف ماذا يعني 11/9 بالنسبة للأمريكيين بشكل خاص وللغرب بشكل عام، وهي تعرف أيضا ً أن تفجيرات ذلك اليوم تمت على يد منظمة القاعدة، أو على الأقل هذا ما يقوله الإعلام، وتشبيه هجوم 7/10 بهجوم 11/9 يعني أن الخسائر متماثلة اذا أخذنا نسبة سكان البلدين بالاعتبار، وترمز الى أن الذي قام بهجوم 7/10 هو منظمة شبيهة بالقاعدة.

 

وبعد أن روجت لرواية القاعدة صعدت درجة أخرى فأخذت تتحدث عن قطع رؤوس أطفال واغتصاب نساء وانطلقت من ذلك القول الى تشبيه تصرفات مقاتلي حماس بمقاتلي داعش، وهي تعلم أن الذاكرة الجمعية الدولية مليئة بالصور والأرقام عن الممارسات الفظيعة لتنظيم داعش.

 

وبالتالي فإن تشبيه حماس بداعش هو أمر يستفز الرأي العام الغربي ويجعله يتماهى مع الضحية وهو في هذه الحالة إسرائيل. وقد بلع الكثيرون هذا الطعم وأخذوا يتحدثون عن "الجرائم الفظيعة" التي ارتكبها مقاتلو حماس، وكان الرئيس الأمريكي بايدن من أوائل من بلع الطعم وتبنى الرواية الإسرائيلية بالرغم من قول البيت الأبيض فيما بعد بأنه لم تتوفر الدلائل على ذلك.

 

ورغم قول البيت الأبيض بأنه لم تتوفر الأدلة على ذلك إلا أن وزير الخارجية الأمريكي ظل يصر على تبني رواية الاغتصاب وقتل الأولاد. وعلى المراقب أن لا يُفاجأ من ذلك لأن بلينكن حين ظهر في المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يوم الخميس قال بأنه جاء هنا كيهودي، وبالتالي فإنه أكد بدون أن يشعر بأنه منحازا ً ليهوديته وليس مراقبا ً نزيها يبحث عن الحقيقة.

 

والخطورة التي تكمن وراء تشبيه حماس بداعش هي أن كل من يتبنى هذا التشبيه يُضفي بشكل تلقائي الشرعية على كل ما تقوم به إسرائيل ضد حماس لأنها "داعش"!!! وهذا يعني إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لتفعل في غزة ما تشاء طالما أن حربها هي حرب ضد داعش! ومع ذلك فهذا لا يعني أن كل من اصطف وراء إسرائيل وأعلن دعمه المطلق لها في حربها ضد حماس ووصف ذلك بحقها في الدفاع عن نفسها، ليس كل هؤلاء بسب الداعشية وانما بعضهم يقف تقليديا ً الى جانب إسرائيل ظالمة أو مظلومة وعلى رأس هؤلاء دول أوروبية رئيسية إضافة للولايات المتحدة.

 

وبالمناسبة فإن عددا ً من الدول الأوروبية بادرت فورا ً الى ادانة الهجوم على إسرائيل وأعلنت دعمها المطلق لها في ردها على حماس واعتبرت ذلك حقا ً مشروعا ً للدفاع عن النفس ومن بين هذه الدول ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها.

 

والمؤسف أن هذه الدول تجاهلت تماما حقيقة أن الهجوم على إسرائيل لم يأت من فراغ وإنما من جزء من شعب يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من نصف قرن وأنه لو أن هذه الدولة طبقت مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة لاستطاعت منذ زمن طويل انهاء الاحتلال وبالتالي انهاء مأساة الشعب الفلسطيني وما كان مثل هذا الهجوم سيقع.

 

وبعيدا ً عن الانفعالات العاطفية والأناشيد الحماسية أقول بأن الهجوم الذي قامت به حماس يوم السبت 7/10 باستثناء الضربة المعنوية التي وجهها للجيش والشعب الإسرائيلي مما ألهب مشاعر الشعب المقهور وروى غليله، لم يقربنا قيد أنملة نحو تحرير فلسطين بل العكس لأنه لم يكن مدروس العواقب ولم يحقق شيئا للقضية الفلسطينية بل أعطى مادة لتشويه صورة النضال الفلسطيني بسبب ما نسب لهذا الهجوم من ممارسات ضد المدنيين بما في ذلك اختطاف أطفال وأمهات وعجوز تجاوزت الخامسة والثمانين الى غزة كرهائن ولم تقم حماس حتى الآن بدحض هذه الأكاذيب وهي قادرة على ذلك.

 

المشهد الآن يدعو للقلق والخوف. فالعمليات العسكرية التي تجري في القطاع تحت مسمى اقتلاع سلطان حماس قد تتطور تحت الغطاء الدولي المعطى لها الى اقتلاع الشعب الفلسطيني في غزة وإعادتها تحت الهيمنة الأمنية الإسرائيلية بعد تهجير نسبة كبيرة من سكانها الى خارج حدود القطاع. وهذا العمل في القطاع يتزامن مع خطة لتصفية السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ، وكانت أول بوادر هذه الخطة قيام الاتحاد الأوروبي بوقف المساعدات المالية عن السلطة والتي تبلغ حوالي 728 مليون يورو سنويا، وتبع ذلك قرار ألماني بوقف المساعدات التطويرية عن السلطة وإعادة النظر فيها.

 

هذه الإجراءات العقابية ضد رام الله تثير الدهشة لأن رام الله لم تكن جزءا ً من هجوم السبت ولأن مثل هذه الإجراءات ستؤدي الى تصفية وجود السلطة التي لا بديل لها سوى تكريس الضم والاستيطان، وافساح المجال أمام إسرائيل ومستوطنيها وجيشها لاستباحة الضفة والقدس بالكامل. وكل ذلك بالتوازي مع تصفية قطاع غزة وبسط الهيمنة الإسرائيلية عليه وبالتالي تحقيق حلم إسرائيل الكبرى على كامل التراب الفلسطيني "أرض إسرائيل الغربية"، في الوقت الذي ما زالت فيه هذه الدول تلتزم قولا ً بحل الدولتين، وتقتله فعلا. ناهيك عن أن بعض رؤساء بعض هذه الدول يتمادى في الإساءة اللفظية لشخص الرئيس عباس كأن يصف صمته على الهجوم بأنه مخزي أو مطالبته بإدانة الهجوم بصريح العبارة دون أية ديباجة لغوية وهو يعلم أن الرئيس عباس يواجه صعوبات داخلية تنبع أصلا ً من التزامه بالمفاوضات ورفضه لأي شكل من أشكال العنف، ومطالبته بمثل هذه التصريحات في هذا الوقت بالذات هي مطالبة بالانتحار السياسي. مؤامرة بدأت تتكشف أبعادها، والطريق الى جهنم معبدة بحسن النوايا