في الاول من أكتوبر لهذا العام ، أثار الشبان الفلسطينيون موجة احتجاج وغضب ضد الاحتلال داخل الأراضي المحتلة ، رفضا منهم للإجراءات الاسرائيلية التي اعتبروها ظلماً يقع عليهم ورفضاً للاستيطان الذي يأكل في جسد وطنهم .
وأيضاً لا يمكننا الحديث عن الانتفاضة دون ربطها بالأحداث السابقة من حرق المستوطنين للطفل محمد أبو خضير وعائلة دوابشة ، والاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى وقرار تقسيمه زمانيا ومكانيا ، وانسداد الأفق أمام الطرف الفلسطيني والإسرائيلي في المفاوضات .
خرجت جميع الفصائل والشخصيات الفلسطينية لتؤيد وتدعم هذه الحالة ، ولكن دون تبني واضح وحقيقي لها ، فجميع التصريحات السياسية كانت خجولة ولم ترقي لحجم المشهد الفلسطيني كما يراها المحللين ، ومن جهة أخر أعتبر البعض هذا الخجل والتكاسل السبب الرئيسي فيه الانقسام الفلسطيني وعدم قدرة الفصائل على لعب دور فعال في الانتفاضة الفلسطينية لأنها لا تمتلك رؤية موحدة ومنهم من أعتبرها ميزة الانتفاضة الحالية .
تزيد وتيرة الانتفاضة لحين وتهدأ لحين أخر ، تميزت الانتفاضة بثورة السكاكين وعمليات الطعن المستمرة للشبان الفلسطينيين كسلاح عفوي وحيد بين أيديهم لمواجهة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح ، بالإضافة لاستخدام الحجارة السلاح القديم الحديث في ايدي الشبان والفتيات ، وهذا ما اعتبره المحللون دليل على بقائها شعبية وسلمية بحتة .
ولكن تساؤلات كثيرة تطرح نفسها على المشهد ، فهل تستمر الانتفاضة ؟ ، ومن الذي يستطيع السيطرة عليها أو التحدث باسمها ؟ ، من المستفيد من الوضع القائم ؟ ، وهل تحتاج لمهندس حقيقي لرسم مسارها ؟ ، وكيف يمكن استشراق مستقبلها ؟ ، هل يتبلور اتفاق جديد أم مجرد تفاهمات لإنهائها ؟ وكيف هو المشهد الفلسطيني والإسرائيلي في التعامل معها وسط تحركات "كيري" في المنطقة ؟ ، جميع هذه الأسئلة وأكثر طرحتها "وكالة خبر" على ، أ. هاني حبيب "الكتاب والمحلل الفلسطيني" و أ. توفيق أبو شومر "المختص بالشأن الإسرائيلي" .
المحلل والكاتب الفلسطيني ، أ. هاني حبيب الذي أعتبر ان استشراق مستقبل هذه الهبة على المستوي البعيد صعب للغاية ، والسبب في ذلك مدي الإحباط الذي يسيطر على "أ. حبيب" في أداء الطرف الفلسطيني ومدي قدرته على استثمار الهبة سياسياً .
الفصائل الفلسطينية والإنتفاضة
السؤال الأكثر تداولاً في الحديث عن الانتفاضة ، هو الفصائل الفلسطينية ودورها وموقفها الحقيقي مما يدور على الساحة الفلسطينية ، فماذا قال ، أ .حبيب عن ذلك ، " لربما تتميز الانتفاضة الفلسطينية الثالثة عن سابقاتها من الانتفاضات ، أنها عفوية من الدرجة الاولي وبقرار فردي ، أي ان المواطن الفلسطيني هو من يقرر استمرارها ، لذلك ليس هناك طرف فلسطيني قادر على توقيف الانتفاضة ، أنها عبارة عن هبات مستمرة تهدئ حين وتعلو حيناً أخر ، وهذه حالة تميزها ، لان مقدماتها كانت تختلف عن الانتفاضات السابقة " .
مشكلتين تواجه الانتفاضة
المحلل حبيب ، يري أن هناك مشكلتين أمام الانتفاضة وهما ، الاولي تكمن فيما لو أقدمت الفصائل على عسكرتها ، لكي تشير ان لها دورا فيها ، أو احتواءها من قبل الفصائل بشكل أو بأخر ، ولكن بكل الاحوال مطلوب أن يكون هناك تدخل من قبل الفصائل لتنظيمها ودعمها ، وليس لاحتوائها أو عسكرتها ، ولكن هذا الخيار صعب في الوضع الحالي لذلك من الافضل البقاء على هذا الحال" .
المشكلة الثانية من وجهة نظر المحلل ، أن الانتفاضة مازالت مستمرة دون ان يكون هناك هدف واضح لها من قبل الفصائل صاحبة الخبرة والتاريخ النضالي ، فهي من شأنها ان تضع هدفا واقعيا ولكن يجب أن لا يكون مبالغ فيه ، ونتذكر بان الانتفاضة الثانية وضع لها هدف الحرية والاستقلال ولم تنجح ، لأنه ببساطة ليس هناك انتفاضة ستحرر فلسطين ولكن تهيأ لذلك و باستثمار فلسطيني ".
وخلال حديثه لخبر حول هذه المطالب ، قال ، من الصعب الوصول لهذا الهدف لان هناك أفراد مختلفين ، فصائل غير متفقة ، ليس هناك طرف يمكن الحديث معه ، أقصد الفصائل لأنها ليست طرف وليست صاحبة قرار ، ومن الصعب الالتقاء مع كل فرد فلسطيني سيقدم على المشاركة الفردية في الانتفاضة" .
هل تحتاج الانتفاضة لمهندس وكيف سيكون شكله ؟
أعتبر أ. هاني ، أن أي انتفاضة ليست بحاجة لمهندس ، فهذه اختراعات الفصائل لتؤكد تبينها لها ، كل فصيل يقول ان فلان او علان مهندس الانتفاضة ، هذه مناكفات فصائلية لا أكثر ، هذه الانتفاضة يهندسها شبان وفتيات الانتفاضة فقط ".
"وفي هذا الصدد دعني أقول ، أن الاطفال الفلسطينيين اندفعوا للمشاركة وأعتقد أن كل طرف فلسطيني له مصلحة في استمرارها عليه ان يكف عن تشجيع الأطفال لأننا بحاجة لهم في المستقبل ، واستثمار قدراتهم لإنتاج شباب واعي ومثقف وقادر في المرحلة المقبلة ، من الخطر تشجيع الاطفال" .
استثمار الانتفاضة سياسياً
حبيب يتحدث ، "استثمار الانتفاضة يأتي بشكل تلقائي ، الانتفاضة جعلت الطرف الاسرائيلي مرتبك ولا يستطيع وضع حلولا وهذه مصلحة فلسطينية ، ثانيا ان هذه الانتفاضة وضعت القضية على الخارطة من جديد ، فهي جوهر حل لأي مشكلة أو أزمة في هذا العالم ، سواء اللاجئين أو الارهاب " ، "لا اعتقد ان هناك مجال للتفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية لأنه ليس هناك طرف فلسطيني واضح يسيطر على الانتفاضة ، "كيري" مع من سيتحدث ؟! ، مع السلطة ؟! ، هي ليست طرف أو مع فصيل ليس له علاقة فيها .
في ظل غموض المشهد الفلسطيني .. الحل ؟!
يقول المحلل ، " استمرار الوضع القائم كما هو ، الى ان يتم تحديد هدف وإمكانية الوصول إليه ، استشراق المستقبل البعيد صعب للغاية ، ولكن القريب هو استمرارها بشكل هبات متتالية" .
المشهد الإسرائيلي وكيفية تعامله مع الانتفاضة
المختص في الشأن الإسرائيلي أ. توفيق أبو شومر ، يري أن هذا السؤال يعتبر سر إسرائيلي خاص بأجهزة الموساد والشاباك الإسرائيلي ، ولا يوجد محلل يستطيع الكشف عن هذا اللغز لديهم ، لا يمكنهم أن يبوحوا بذلك ، ولكن من خلال متابعتي المستمرة للمشهد هناك ، أستطيع القول ، " الاسرائيليون يقولون هذا الحدث موجود ولكن سؤالهم الدائم ، كيف يمكن ان نستغل أو نسيطر علي الانتفاضة ؟! " .
" الإجراءات التي يأخذوها تعتبر استثمارا لهذا الحدث ، وهم بارعون في ذلك ، وفي ركوب الهبة ، اسرائيل استفادت من هذه الانتفاضة ، للأسف الشديد استطاعوا ذلك ، في البداية كان هناك رعب لديهم ولكن الان هناك تعايش واضح ، فالمجتمع الاسرائيلي عاد لطبيعته ، يذهبون للعمل ، يمارسون حياتهم باعتيادية ، وانتقلوا للطور الثالث وهو ركوب الموجة وكيف ان يجعلوها مسلحة والدليل على ذلك ، اطلاق النار وأحيانا هم من يرتكبون ذلك ، ليكون لهم مبرر لتنفيذ اجراءاتهم كإحضار ألوية في الجيش في بعض المناطق ، اليوم نتنياهو اعطي أمر لجيشه ان يعمل ليل نهار" .
أين هي الفصائل الفلسطينية من المشهد الإسرائيلي
قال غاضباً ، " أرجوك لا تحدثني في ذلك ، الفصائل على الهامش ، من يقود الهبة مواقع التواصل "الفيسبوك وتويتر" ، وان قررت الفصائل دخول الانتفاضة ستنتهي ، لن يعد هناك هبة ، أنهم حالياً يحاولوا الدخول ولكن هذه المحاولات هي إفشال لها ، لأنه ليس هناك تنسيق بينهم ، حماس لا ترغب في التنسيق مع فتح والعكس أيضاً ".
إلى متي سيستمر هذا المشهد بهذا الغموض ؟
يجيب أ. شومر ، " هذا المشهد الغامض سيبقي ، لان الذي يمكن ان يحكم شيء عليه أن يكون انسان المنظم ، هل نحن منظمون ؟ ، هل نحن موحدون ؟ ، بالتأكيد لا ، أخشي أن تصبح هذه الهبة في خزينة الهبات التي لم نستثمرها ، العشوائية هي الصفة الغالبة حتى الان ".
ويزيد سخط أ. أبو شومر على الفصائل ، حتى قال أنه لا يوجد فصيل كفء لقيادة الهبة ، لأنه لو سيطرت عليها حركة فتح ستفسدها حركة حماس والعكس أيضاً ".
الحل من وجهة نظر إسرائيلية ؟
يختم أبو شومر حديثه في هذا السياق قائلا ، " "دائماً من يتحكم في البداية والنهاية الاكثر قدرة على التنظيم ومن يستطيع تيسير الهبة هو من يملكها ، السلطة وحماس لا تملكها ، وأيضاً إسرائيل لا تملكها ولكن ربما تمتلك بعض الخيوط ، لا يمكن ان تتوقع نهايتها الى بالنظر لما حولها ، العرب هل يشجع الانتفاضة ؟ ، لا يشجع ، أذن الان الوضع الراهن سيساعد نتنياهو في صناعة الحل الذي تريده اسرائيل ، للأسف المستفيد الوحيد اسرائيل نحن متفرجين لا أكثر " .