وحده النظام السوري من بين خمسة أنظمة عربية سعت دول إقليمية، بدعم وتأييد من النظام العالمي الجديد، لإسقاطها منذ نحو خمس سنوات، لم يسقط، كما كان حال كل من أنظمة العقيد معمر القذافي، حسني مبارك، زين العابدين بن علي، علي عبد الله صالح، ومن قبلهم نظام صدام حسين. ورغم أن هنالك عوامل داخلية وإقليمية عديدة، مكنت نظام بشار الأسد من الصمود، رغم انه فقد السيطرة على أكثر من نصف مساحة سورية، ورغم الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة التي منيت بها البلاد، إلا انه يمكن القول بأن الحرب في سورية ومع الدعم الإقليمي المباشر والدولي من وراء الكواليس، وعلى الجانبين، قد طالت كثيرا، لدرجة أظهرت بأن الهدف الأقرب للعقل منها وهو تفتيت البلاد، أكثر من إسقاط النظام، على أي حال، يمكن القول دون مواربة بأن الدعم اللوجستي العسكري، الذي تلقاه الأسد دون زملائه من رؤوس الأنظمة المذكورة سابقا، وبالتحديد من إيران وحزب الله، إضافة للدعم السياسي الروسي هو الذي مكنه من البقاء، وعدم التعرض لمصير من سبقه من رؤوس الأنظمة العربية، سالفة الذكر. وحيث أن حلف الناتو تدخل عسكريا وبشكل مباشر في ليبيا، ما مكنه من إسقاط ومن ثم قتل القذافي شخصيا، لأن روسيا التي لم تتدخل "لموازنة" حلف القوة في ليبيا، لكن الأمر اختلف في سورية، وبعد أن نجحت روسيا سياسيا في صد الهجوم السياسي للغرب، بهدف إسقاط بشار الأسد، حدث تحول في ميزان القوة، بعد دخول قوات الغرب بحجة محاربة داعش، وقد بات ذلك ملحوظا، خاصة بعد أن توصلت واشنطن للاتفاق مع إيران حول ملف برنامجها النووي. يبدو أن ذلك الاتفاق، قد فتح الباب، "لتحييد" إيران في تدخلها بسورية، أو هكذا ظن الغرب، ذلك أن روسيا وبعد نحو عامين من التدخل العسكري الغربي في سورية، عبر مدخل محاربة داعش، بدأت في التدخل العسكري لصالح النظام السوري، ما عزز من قوته ميدانيا، ومن قدرته على تحقيق تقدم عسكري في حربه مع أعدائه المتعددين. فليس صدفة أن يتم، على الفور والتو، توجيه ضربة لروسيا، بتفجير الطائرة المدنية المقلعة من شرم الشيخ، وإعلان "داعش" مسؤوليتها عن التفجير، رغم أن داعش لم تقم بمثل هذا الأمر تجاه الولايات المتحدة، التي تقوم بقصف مواقعها وقواتها، بعد أن تقدمت باتجاه بغداد، ومناطق سيطرة "الحكومة الشيعية" كذلك حين تقدمت باتجاه مناطق الأكراد، حلفاء الغرب، في المنطقة. التقارير تشير إلى أن أكثر من 80 % من حقول النفط والغاز السوري، تحت سيطرة داعش، وهذا لم يعن شيئا للغرب، الذي يبدو انه "يدير" لعبة داعش، وفق أهدافه المتمثلة بتفتيت الدول العربية المركزية ( سورية، العراق، ومصر )، وذلك بوضع الفواصل بين طوائفها وإثنياتها، تمهيدا لإقامة نظام طائفي إقليمي، أساسه إنشاء الدولة الطائفية في المنطقة. صحيح أن هناك "تباينات" بين الدول الحليفة تاريخيا وفعليا للغرب، فيما يخص هذه الملفات الإقليمية، حتى أن هذه التباينات لا تظهر فقط بين دول الخليج وتركيا، فيما يخص مستوى الطموح التركي في المنطقة، ولا بين تركيا وإسرائيل، الذي ظهر حول غزة، ووصل ذروته في واقعة مرمرة، لكن سرعان ما يتم طي ملفات هذه التباينات، التي ظهرت حتى بين دول الخليج الثلاث التي تدعم ملفات فتح الدول المركزية المذكورة، وظهرت فيما يبدو حول مستوى طموح كل دولة للسيطرة الإقليمية، والتي ستتضح بعد "النجاح" في الإسقاط التام للأنظمة ومن ثم إقامة الدولة الطائفية، فقد ظهر التباين بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى، فيما يخص الموقف من الإخوان وإسقاط نظامهم، بعد أن وصل للحكم بعد مبارك، لكن هذا التباين، لم يؤثر على دعم الدول الثلاث ومعها تركيا، للجماعات السياسية المعارضة للأسد في سورية. أراد الغرب كما يبدو أن يظهر لروسيا التي هزمته في أكثر من ملف ( أوكرانيا على سبيل المثال )، امتعاضه الجدي من تدخلها العسكري في سورية لصالح الأسد، لذا فان موسكو لم تصدق إعلان "داعش" مسؤوليتها عن وضع القنبلة تحت مقعد احد ركاب طائرتها المنكوبة في سماء سيناء، ولذا وضعت موسكو جائزة مالية قدرها 50 مليون دولار لمن يقدم لها معلومات بالخصوص، وهكذا جاء إسقاط الطائرة العسكرية الروسية من قبل الأتراك، ليزيد من نار الغضب الروسي اشتعالا، لدرجة أن هدد الرئيس فلاديمير بوتين بالانتقام من الرئيس التركي أردوغان، معتبرا أن إسقاط الأتراك للطائرة الحربية الروسية بمثابة إعلان للحرب. يبدو أن ملامح الصراع القادم في المنطقة ارتباطاً بمصادر إنتاج ومن ثم تسويق الغاز الطبيعي قد بدأت جدياً، وفي السياق يتم استدعاء مظاهر الكراهية والصراع القديم، حيث كان الصراع في الشرق بين روسيا وتركيا له جذور على زعامة الشرق (حرب القرم بين عامي 1853 _ 1856)، في الوقت الذي يبدو فيه أن واشنطن تنسحب تدريجيا وبهدوء، لتبقي على نار التنافس مستعرة بين دول المنطقة المركزية، على ارض سورية بالتحديد، والتي تذكر كيف أن التدخل في كوريا (1950 _ 1953) أدى لتقسيمها ومن ثم إعلان الحرب الباردة بين الشرق والغرب، لكنه هذه المرة ينشأ بين دول المنطقة: روسيا وتركيا، إيران وإسرائيل، في الوقت الذي تتم فيه وراثة العرب أحياء بسبب من انهيار مكانة دولهم المركزية.