إسرائيل و»حماس» على شفا مواجهة جديدة

حجم الخط

بقلم: تل ليف رام


مرّ نحو شهرين على انتهاء حملة "حارس الأسوار" في قطاع غزة. من يريد أن يصف بسطور قليلة لا لبس فيها الوضع في القطاع ويجمل نتائج الحملة سيجد على ما يبدو صعوبة في ايجاد الأجوبة. غزة مشكلة معقدة، وعلى الأقل في هذه المرحلة يبدو أن الحملة الأخيرة هي مجرد جملة صغيرة. ففي الأسبوع الماضي أيضا واصلت قيادة المنطقة الجنوبية اجمال الحملة الاخيرة، واستخلاص الدروس، والتخطيط للمعركة القادمة التي باتت على الأعتاب.
بعد الحملة الأخيرة، كان الجيش مطالبا بخطط جديدة، وقريبا بعد مرحلة جمع الاهداف وانعاش الانظمة القتالية، ستعلن قيادة المنطقة الجنوبية عن الاستعداد للدرجة "أ"، التي هي عمليا أعلى مستوى من الحملة الأخيرة، وتتضمن أيضا خططا لاعمال برية للكتائب المناورة.
غزة، كالمعتاد، لا يفترض أن تكون في مركز الاهتمام من ناحية دولة إسرائيل. فهي بالتأكيد ليست التهديد المركزي ولا التهديد الأخطر، ولا حتى في الساحة الفلسطينية. من اصل اعتبارات عديدة في القيادة في إسرائيل كانوا يفضلون ازالة الإشغال المركزي لقطاع غزة عن جدول الاعمال، ولكن مثلما هو الحال دوما، تقريبا، فإن امكانية التصعيد في القطاع هي الاكثر اهمية وفورية. من ناحية جهاز الأمن، يجب ان يكون التركيز على إيران – برنامجها النووي واذرعها الاخطبوطية التي تطلقها في ارجاء الشرق الاوسط. مسألة دراماتيكية اخرى ترتبط بجارنا من الشمال. اقترح وزير الدفاع، بيني غانتس، هذا الاسبوع، مساعدة إنسانية للبنان. ولكن لا يوجد اي احتمال لمثل هذه الخطوة، حتى لو كان هناك عنوان للحكم، اليوم، في لبنان، وبالتأكيد ليس في الفوضى السلطوية الحالية. في الوضع اللبناني المضطرب فإن صاحب الكلمة هو من يمسك بالقوة العسكرية. ومن ناحية إسرائيل فإن الخطر الفوري هو ان يعمق "حزب الله" وإيران سيطرتهما في لبنان أكثر فأكثر. كما أن جهاز الأمن ملزم بأن يأخذ بالحسبان الإمكانية المعقولة دوما في الشرق الاوسط: في حالة احتدام آخر في الوضع الداخلي من شأن "حزب الله" ان يوجه صمامات الضغط باتجاه إسرائيل. اضافة الى هاتين المسألتين، تتجه العيون الإسرائيلية ايضا الى الساحة الفلسطينية والى شرقي القدس. في هذه الاثناء يبدو أن الحل الوسط لـ"افيتار"، والذي تحقق، الاسبوع الماضي، أنزل قليلا مستوى التوتر في المنطقة. في الاشهر الاخيرة وان كان ثمة ارتفاع في حجوم "الارهاب" إلا أن الحقيقة هي ان القصة المركزية هي فلسطينية داخلية، وهذا ما يقلق إسرائيل حقا. فالسلطة الفلسطينية توجد في وضع سلطوي صعب على نحو خاص، حيث إن الاحتجاجات على موت نزار بنات اثناء الاعتقال تشعل المنطقة.
ان تعزز قوة "حماس" في الشارع الفلسطيني في الضفة وفي شرقي القدس بعد حملة "حارس الاسوار" والاحتجاج الحاد ضد السلطة الفلسطينية من شأنهما أن يؤثرا ايضا على الاستقرار الأمني لإسرائيل. إذا انهارت السلطة الفلسطينية ستكون لذلك تداعيات، حيث إن قصة التوتر في شرقي القدس لا توجد بعد خلفنا.
نظام قتالي
مسألة الأسرى والمفقودين وحكم "حماس" في غزة هي قيود وموانع مركزية للتقدم في مسيرة التسوية. لسنوات سارت إسرائيل بين القطرات من اجل منع التصعيد التالي الذي بات يقف على الاعتاب. ناورت إسرائيل كل الوقت بين الاستعداد للحرب، ومحاولات تقليص تعاظم القوى العسكرية لـ"حماس" واستقرار الوضع الاقتصادي في القطاع من خلال خطوات اقتصادية واسعة، وكذا في السنة الاخيرة ايضا كانت على جدول الاعمال مشاريع كبرى مثل أحواض السمك امام شواطئ غزة واعادة بناء المنطقة الصناعية "كارني". كل هذا توقف، الآن، وبعد الحملة تطرح إسرائيل بشكل مباشر شروطا جديدة – قديمة للتقدم في هذه المواضيع في حل مسألة الاسرى والمفقودين، الموضوع الذي في هذه المرحلة ليس فيه أي تقدم.
مبدئيا، لا تعارض إسرائيل تحويل المال القطري الى القطاع، ولكنها تعارض عمل ذلك بالآلية القديمة، المتمثلة بحقائب الدولارات عديمة الرقابة.
وقد وافقت الامم المتحدة قبل نحو شهر على بسط رعايتها على العملية عبر بنوك السلطة الفلسطينية ومن هناك الى غزة، ولكن قطر و"حماس" عارضتا ذلك. في هذه الأثناء يبدو أن القطريين يلينون، ولكن "حماس" لا تزال ترفض الحل الوسط. السؤال الكبير هو اذا كان تغيير آلية تحويل الاموال سيغير حقا الجوهر، وبالفعل ستتدفق المبالغ الى الموظفين والى المحتاجين ام ان هذا مجرد تغيير شكلي فقط. من المعقول الافتراض بأن حل تحويل الاموال الى قطاع غزة سيبرد التوتر قليلاً، ويقلل الاحتمال المعقول للتصعيد الامني في الاسابيع القريبة القادمة. في إسرائيل كما أسلفنا اتخذ بعد الحملة الاخيرة قرار بعدم العودة الى الواقع السابق، وألا تكون تسوية عميقة دون صفقة أسرى ومفقودين. وبالتوازي يرد الجيش الإسرائيلي بشكل مختلف على كل فعل "ارهابي" يأتي من القطاع، بدءاً بالبالونات، مروراً بزرع العبوات على الجدار، وانتهاء بإطلاق صاروخ نحو إسرائيل. اختبار القيادة الإسرائيلية وجهاز الأمن سيكون في الثبات على مدى الزمن في سياسة الرد. فعلى مدى سنوات طويلة بنت إسرائيل لنفسها معادلة هدوء مع "حماس"، يتحقق برغبة شديدة. والتخوف من التصعيد والرغبة في الهدوء وفي الاستقرار الأمني اديا الى التجلد والاحتواء. في الأسابيع الأخيرة تشير إسرائيل في ردود فعلها على اطلاق البالونات الحارقة إلى انها تعتزم تغيير الطريقة. هذا لا يعني انه لا يوجد تفكير وان القفازات نزعت تماما، إذ في القيادة السياسية والعسكرية أيضا غير معنيين بحملة أخرى، ولكن يوجد استعداد لاخذ مخاطر وتشديد الضغط على قيادة "حماس" في محاولة للوصول الى إنجازات تضمن الهدوء والاستقرار الأمني على مدى سنوات طويلة.
طالما أصرت إسرائيل على الشروط التي وضعتها بعد الحملة الأخيرة، فإن احتمال التصعيد يتزايد، ولكن هذا بالضبط هو الموضوع الذي يتعين ان يكون هناك استعداد له من اجل تغيير الوضع. دون ثبات على مدى الزمن، لن يكون تغيير طويل المدى وعميق. وعلى الطريق اليه يجب أن نكون مستعدين لعدة جولات تصعيد أخرى في القطاع.
الى جانب النظام القتالي الذي تم استعدادا للحملة التالية، عرض، هذا الأسبوع تحقيق للحملة السابقة والدروس منها على قائد المنطقة الجنوبية، اللواء اليعازر طوليدانو. ركز أحد الفصول المركزية على مسألة التصدي لموضوع الصواريخ لدى منظمات "الإرهاب" في القطاع، والذي كان احدى نقاط الضعف في الحملة الأخيرة. 200 صفحة كتبت في هذا الفصل، الذي يتضمن نقدا ذاتيا ودروسا مهمة. مسؤولون كبار في الجيش يعتقدون انه في غضون بضعة اشهر، في ضوء التقدم الاستخباري والتكنولوجي، سيكون الجيش الإسرائيلي في مكان افضل بكثير مما كان في "حارس الأسوار".
تجدر الإشارة الى أنه في الحملة الاخيرة، التي عرفت منذ بدايتها بأتها محدودة في نطاقها، قرر الجيش الإسرائيلي بشكل واع تفعيل أدوات وخطط أعدها لساعة حرب شاملة، وذلك انطلاقا من فكرة وغاية تعميق الضربة لـ"حماس". ضربة برق – خطة الخداع والإصابة لـ"الميترو"، شبكة الانفاق الدفاعية لـ"حماس"؛ عملية حيال مجالات اطلاق الصواريخ لـ"حماس"؛ وخطة واسعة لقتل كبار مسؤولي "حماس" بعد العثور عليهم تحت الأرض.
ضربة برق لم يخطط لتنفيذها في بداية الحملة. من ناحية إسرائيل، كانت تصفية قائد لواء غزة وكبار مسؤولي البحث والتطوير في إطار الخطة الإضافية يمكن أن تكون نقطة جيدة للانهاء. ومع ان ليس كل المسؤولين الذين خططت إسرائيل لتصفيتهم قتلوا بالفعل، فإن النتائج على الأرض كانت بالتأكيد جيدة. ولكن كانت لـ"حماس" خطط أخرى، واستمرت المعركة. في قيادة المنطقة الجنوبية أوصوا هيئة الأركان العامة بتنفيذ ضربة برق حتى بثمن نجاح جزئي حيال أهداف الخطة الاصلية في صورتها الكاملة.
تعنى التحقيقات العملياتية أيضا بمسألة تفعيل أدوات حربية في معركة محدودة في غزة، وهل كان صحيحا ان تفعل مثلا خطة ضربة برق وعدم ابقائها للمعركة التالية. يدور الحديث عن موضوع يوجد حوله جدال داخل الجيش وعلى ما يبدو ستكون هناك مواقف مختلفة ومتنوعة في هذا الموضوع حتى بعد التحقيقات.
الحملة التالية مخطط لها كاستمرار لنقطة الانتهاء للحملة الأخيرة. يعد الجيش الإسرائيلي للحملة التالية الخيار البري أيضا. فالانخفاض في نتاج الحملة بقدر ما تستمر مقارنة بالايام الأولى يستوجب اعداد خيار بري ذي مصداقية، يقوم على أساس اجتياحات لوائية لعمق القطاع.
المعركة البرية منذ الآن، هي اوبيرا أخرى تنطوي على تحديات كبيرة للجيش. عدد المدنيين القتلى في غزة سيكون اكبر دراماتيكيا مقابل الحملة الأخيرة، وسيتعين على قادة الميدان ان يديروا التوتر المركب الذي بين العدوانية والسعي الى الاشتباك، وبين الامتناع قدر الإمكان عن المس بغير المشاركين.

عن "معاريف"