«الكيرن كييمت» يشتري أراضي فلسطينية خاصّة في الضفة الغربية: تفاصيل 4 صفقات سرية

حجم الخط

بقلم: هاجر شيزاف


جنّدت وزارة الدفاع الصندوق القومي لإسرائيل، "الكيرن كييمت"، من أجل شراء مئات الدونمات من الاراضي الخاصة للفلسطينيين في الضفة الغربية لصالح مستوطنين قاموا بفلاحتها في الوقت الذي لم يسمح فيه لأصحابها بدخولها. هذا ما يتبين من الوثائق التي وصلت "هآرتس". وباستثناء هذه الصفقة فإن تحقيقاً أجرته "هآرتس" يكشف تفاصيل صفقات سرية قامت بها الشركة المتفرعة عن "الكيرن كييمت"، "همنوتا"، لشراء اراض في الضفة الغربية في الوقت الذي أخفت فيه ذلك عن مجلس إدارة الصندوق القومي.
الوثائق، التي اطلعت على مضمونها "هآرتس"، تظهر عدداً من الصفقات التي عقدتها "همنوتا" في الأعوام 2018 و2019 والتي تشير الى شراء عقارات لصالح مستوطنين قاموا باقتحام هذه العقارات. وتشير ايضا الى عيوب مختلفة في إجراءات الشراء والوثائق، التي تحوم ظلال كثيفة من الشكوك حول مصداقيتها. حتى الآن تم الكشف عن تفاصيل هذه الصفقات في تقارير داخلية فقط.
إحدى الوثائق التي تتناول هذه الصفقات هي تقرير ياهف، الذي كتب في كانون الثاني من العام الماضي. يدور الحديث عن رأي خبير مفصل للمحامية دينا ياهف، التي استدعيت بطلب من "الكيرن كييمت" بعد أن تم نشر الصفقات المختلف عليها لشركة همنوتا في الضفة الغربية. وثيقة أخرى هي تقرير لامبرغر، الذي كتبه النائب السابق للمدعي العام في الدولة، يهوشع لامبرغر. في حين أن تقرير ياهف يتناول فحص الصفقات نفسها إلا أن تقرير لامبرغر، الذي كشفه المراسل رفيف دروكر، يتناول الصورة التي عقدت فيها الشركة الفرعية "همنوتا – يهودا والسامرة" الصفقات من وراء ظهر مجلس ادارة الصندوق.
ينص تقرير لامبرغر على أن عضوي مجلس ادارة متماهين من اليمين، ارنون فلمان وناحي ايال، تجاوزوا حدود صلاحيتهما عندما وضعا سياسة شراء في الضفة، واعطوا توجيهات للمهنيين بتجاوز الميزانية التي خصصت للشركة الأم، كما يبدو. وينص التقرير ايضا على أن عددا من المهنيين في "الكيرن كييمت"، الذين كان لهم دور في عملية الشراء، عملوا من خلال تضارب المصالح. "يمكن التقدير بأنه لو أن هذه العمليات تم تنفيذها بالشفافية المطلوبة والمناسبة أمام مؤسسات الكيرن كييمت وهمنوتا لكانت عمليات الشراء في يهودا والسامرة – بالتأكيد المبالغ والاماكن التي نفذت فيها – لم تخرج الى حيز التنفيذ". في "الكيرن كييمت" قالوا إن الامر يتعلق بمسودة، وإنه لم يتم أخذ رأي الجهات المذكورة فيها.
معاً يكمل تقرير ياهف ولامبرغر الصورة التي وصفت اجراء الصفقات في الضفة الغربية، والصورة التي عمل فيها مجلس ادارة الصندوق القومي والعاملون فيه والمتماهون مع اليمين من اجل شراء اراض في "المناطق"، وتورط جهات يمينية كمقدمي خدمات. قائمة جزئية تشمل عوفيد اراد، الذي كان في السابق في حركة اليمين "رغافيم"، والآن يشغل وظيفة مركز يهودا والسامرة في شركة "همنوتا"؛ والمحامي بوعز ارازي، المستشار القانوني لـ "رغافيم" وكاتب العدل في عدد من الصفقات؛ والمحامي آفي سيغل، الذي اعتاد على تمثيل جمعيات المستوطنين، لكن طريقه ايضا تقاطعت خلال سنوات مع "همنوتا". على سبيل المثال، فاز في مناقصة خارجية – هو والمحامية ياهف – لتمثيل الشركة في صفقاتها في الضفة الغربية.
حتى الآن لم يتم إجراء أي نقاش في مجلس ادارة الصندوق القومي حول هذه التقارير. ومؤخرا طلب اعضاء قوائم المعارضة في "الكيرن كييمت" أن يعرضوا عليهم تقريرا آخر، حسب رأيهم كتبه مكتب لمدققي حسابات وفحص التصرفات الاقتصادية حول الصفقات. وفي طلب لرئيس مجلس الادارة في نيسان الماضي كتبوا أن هذا التقرير لم يتم تسليمه لمجلس الأمناء أو الإدارة.
الوضع الحالي لصفقات "همنوتا" في الضفة مجمد، رغم أن الاموال المتعلقة بجزء منها تم خروجها من صندوق الشركة، باستثناء خطوات "تعتبر حيوية للحفاظ على مصالح الصندوق القومي"، حسب اقوال لجنة التدقيق الخارجية التي تم تعيينها في نيسان الماضي بناء على طلب من اعضاء قوائم المعارضة، والتي قدمت استنتاجاتها مؤخراً. وقد أوصت ايضاً باستكمال معالجة ست صفقات. وسبب تجميدها منذ البداية يكمن في حراس عتبة "الكيرن كييمت" والمراقب الداخلي، يورام شبيرو، والمستشار السابق نداف عشهال والمستشار القانوني الخاص يوسف ألون. هؤلاء عرفوا عن القضايا وأوقفوا تقدم الصفقات وبدأ التحقيق. مؤخراً، كما نشر في "هآرتس"، خطط رئيس "الكيرن كييمت"، ابراهام دفدفاني، لتقديم عمليات الشراء هذه لمصادقة ادارة الصندوق من اجل استكمالها. وكشفت "هآرتس" عن اربع صفقات، في أحدها حسب وثائق "الكيرن كييمت" هناك تورط لأعضاء من وزارة الدفاع، حتى الآن النقاش حول ذلك تم تأجيله في اعقاب ضغوط دولية ومحلية على الصندوق القومي لإسرائيل.

الصفقة الاولى: حقل نخيل في غور الأردن
في شمال غور الأردن، قرب مستوطنة الحمرا، يمتد ألف دونم، وعلى جزء منها توجد حقول نخيل مخصص للتصدير. اصحاب الاراضي فلسطينيون منعوا منذ خمسين سنة من الدخول اليها؛ لأنها مغلقة بأمر عسكري، وتوجد خلف الجدار الفاصل. ولكن خلال عشرات السنين لم تكن هذه المنطقة مغلقة تماما. فقد تم فتحها بصورة غير رسمية امام مستوطنين، قاموا بفلاحتها وزرعوا الحقول.
في العام 2017 رفضت محكمة العدل العليا التماسا قدمه عدد من ورثة الاراضي ضد منعهم من الوصول الى اراضيهم، ونقلها لاستخدام المستوطنين. بعد سنة قدموا التماسا آخر، هذه المرة ضد الامر العسكري الذي منعهم من الوصول الى اراضيهم من البداية. تناقش المحكمة العليا هذا الالتماس في الوقت الحالي. وحسب عدد من وثائق "الكيرن كييمت" فانه في السنوات الاخيرة وعلى خلفية الالتماس الثاني وبناء على طلب من وزارة الدفاع، عملت "همنوتا" على مساعدة من يجلسون في الكرياه (مقر وزارة الدفاع في تل ابيب) امام الادعاءات التي طرحت في الالتماس، وشراء الاراضي. "لاخراجهم من هذه الورطة"، وصف المصدر الذي كان مطلعا على الصفقة في الوقت الحقيقي. ادعت وزارة الدفاع ردا على طلب "هآرتس" بأنها لم تكن شريكة في أي صفقة من صفقات الاراضي المذكورة في المقال.
حسب تقرير ياهف فان أعضاء "همنوتا" اطلقوا على الصفقة "انقاذ اراضي غور الاردن". هذه المقاربة، "انقاذ الأراضي"، تم طرحها حسب رأيهم ايضا في المراسلات مع المساعد السابق لوزير الدفاع لشؤون الاستيطان، كوبي اليراز. وهو منصب رئيسي في وزارة الدفاع بالنسبة للمستوطنين، الذي يتم شغله في السنوات الاخيرة من قبل رجالهم.
هكذا، في الوقت الذي معروف فيه للطرفين أنه تم تقديم التماس في بداية العام 2018، وقعت "همنوتا" في آب من نفس السنة، بالسر، على اتفاق لشراء الارض على مراحل. وحسب تقرير لامبرغر فانه خلافا لصفقات اخرى تم فحصها، في هذه الحالة كان رئيس الكيرن كييمت في حينه، داني عطار، يعرف عن وجود الصفقة. ورغم ذلك، كتب في التقرير، اختار عدم ابلاغ مجلس امناء الصندوق أو مجلس الادارة، الذي تشارك في عضويته جهات من اليسار مثل أعضاء من "ميرتس".
يوجد الكثير من الورثة الفلسطينيين لهذه الاراضي، ولم يكن من مثلهم في المحكمة العليا يعرف أبدا بأن "همنوتا"، حسب تقرير ياهف، تفاوضت مع بائع فلسطيني على اتفاق لشراء كل الارض على مراحل؛ ولم يكن يعرف أنه تم التوقيع على اتفاق تعهد فيه البائع بأنه هو صاحب الارض أو أنه يمكنه الحصول على الحقوق عليها، أو أنه حتى ذلك الحين اشترت "همنوتا" 311 دونما من بين الـ 1000 دونم مقابل 21.8 مليون شيقل (تم تحويلها الى حساب ائتمان وتم الافراج عنها للبائع). تمويل صفقات "همنوتا" في الضفة، المذكورة في المقال، تأتي من ميزانية خصصت في الاصل للشراء في منطقة "القدس وضواحيها". ولكن ذراع "همنوتا" قادتها الى الضفة الغربية وغور الاردن، وايضا الى حقول النخيل هذه.
في وثيقة اطلعت "هآرتس" على مضمونها يوجد وصف للقاء جرى في اواخر العام 2019 بمشاركة عدد من كبار "همنوتا"، من بينهم مسؤول "يهودا" و"السامرة" في الشركة، عوفيد أراد. حسب الوثيقة فانه في ختام اللقاء تمت الاشارة الى أن هناك خوفا من أنه اذا لم يتم تنفيذ المرحلة الثانية من صفقة النخيل، التي كان يمكن أن تكون 200 دونم، "هذا سيصل الى وسائل الإعلام".
في لقاء آخر جرى في ايلول 2019 بين ممثلي "همنوتا" وممثلي وزارة الدفاع، والتي ذكرت في تقرير ياهف، افادت الشركة بأنها اشترت الـ 311 دونما من الحقول. وزير الدفاع في حينه كان بنيامين نتنياهو، ومساعده لشؤون الاستيطان كان آفي روءا، الذي كان في السابق رئيس مجلس "يشع". ممثلو الوزارة من ناحيتهم نقلوا رسالة واضحة وصفت في تقرير ياهف بخصوص الحاجة الى شراء اكبر قدر ممكن من الدونمات من اجل المساعدة في الالتماس: "كلما تقدمت الصفقة وشملت نسبة اعلى، يكون في ذلك ما من شأنه أن يساعد ايضا في ادارة المحاكمة الجارية". الهدف، حسب التقرير، هو التوصل الى شراء ما لا يقل عن نصف مساحة الأرض، 500 دونم. همنوتا طلبت تعاون سلطة الأراضي في عملية التسجيل. وهذا ما حدث مثلما تفصل ياهف.
بشكل عام، عندما يتم تنفيذ صفقة عقارات تسجل في مكتب التسجيل المحلي "إشارة تحذير" في الطابو. المغزى هو ابلاغ الجمهور بأن هذا العقار يوجد قيد عملية شراء. ولكن في صفقة النخيل فإن الإجراء لم يتم بالضبط بهذا الشكل. صحيح أن ملاحظات تحذير سجلت في "اجراء خاص"، حسب أقوال ياهف، لكنها لم تحول الى مكتب التسجيل المحلي، بل الى الخزينة. هذا اجراء وصف بأنه "شاذ" في تقرير ياهف، ومبرر ذلك هو "الخوف على أرواح الناس والحفاظ على هوية البائعين". أصحاب الأرض الذين يعضهم يدير النضال عليها في المحكمة العليا، يمكنهم التفكير ايضا بمبرر آخر، مبرر يتحدث عنه مصدر آخر كان مطلعا على ما يجري. "المستوطنون ليسوا طرفا في الصفقة"، قال المصدر، "لكن الصفقة بالطبع هي فعليا من اجلهم".
في الأسابيع الأخيرة قدمت لأعضاء مجلس أمناء "الكيرن كييمت" وثيقة استنتاجات تمت صياغتها من قبل لجنة تدقيق خارجية، تم تعيينها في أعقاب طلب من أعضاء مجلس الأمناء، الذين طلبوا منع التصويت على سياسة الشراء في الضفة الغربية. في الوثيقة كتب أنه صحيح حتى ذلك الحين ستستكمل إجراءات تسجيل الجزء الذي تم شراؤه في السابق، لكن لن يتم الدفع قدما بشراء دونمات أخرى كما نص على ذلك اتفاق الاطار. في موازاة ذلك، كتب، الفلسطيني الذي وقع على اتفاق الاطار مع "همنوتا" قدم ضدها دعوى بمبلغ 90 مليون شيقل.

عن "هآرتس"