استمعتُ لخطاب، الرئيس الأميركي جو بايدن، لمناسبة مرور مائة عام على عقد المؤتمر السنوي لرابطة المعلمين الأميركيين في واشنطن، عددُ أعضاء الرابطة أكثر من ثلاثة ملايين معلم، معظمهم دعموا، جو بايدن في الانتخابات الأميركية الأخيرة.
إن زوجة الرئيس، جل بايدن عضوٌ بارز في مجلس الرابطة، باعتبارها معلمة، تحمل شهادة الدكتوراه، وتعمل حتى اليوم أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة، ديلاور، تؤدي عملها حتى اليوم عبر شبكة الإنترنت، بسبب جائحة الكورونا، سأقتطف بعض الجمل من خطاب، جو بايدن، يوم 3-7-2021 :
«أنتم أهم قطاع في أميركا، تصوغون أجيال المستقبل، تمنحونهم الأمل، تدفعونهم إلى التحليق في السماء، سأظل أذكرُ طفولتي في مدينة ديلاور، كيف تعلمت على أيديكم، كنتُ لا أستطيع التحدث بطلاقة، كنت أخاف القراءة بصوت عالٍ لأنني سأتلعثم، قال لي مدرسي يوماً: جوي أنت لطيف. لقد منحتموني الثقة، كل واحد فيكم قادرٌ على تسمية المعلم الأكثر تأثيرا في حياته، نحن في أميركا لا شيءَ مستحيلٌ عندنا، والسبب هو من نتعلم على أيديهم، هأنذا أُصبح اليومَ رئيساً لأميركا، مَن سيتفوق علينا في التعليم سوف يهزمنا، أنتم تستحقون الزيادة في مرتباتكم الشهرية، أكثر من مدحكم، رصدنا تسعة مليارات دولار، للمشايع التعليمية، ونعمل حالياً على زيادة المنحة الفيدرالية للمعلمين المتفوقين، والتدريب المهني، أدرك الآباءُ في ظل أزمة الكورونا حجم معاناتكم، وأنتم تقومون بتدريس أبنائهم.
زوجتي، جل، تعمل أربع ساعات في اليوم في التعليم الرقمي، إذا لم أدعمكم، فإنني أعتبر نفسي نائماً في الكونغرس، أنتم تحتاجون إلى الإنترنت السريع، والهواء النقي، والماء الصالح للشرب، هناك أربعمائة ألف مَدرسة في أميركا».
لم أقتطف الأقوال السابقة دعاية للرئيس الأميركي، بقدر ما أردتُ أن أستعيدَ مرة أخرى ملف التعليم، بخاصة منزلة المدرسين المسحوقين في كثير من دول العالم العربي ممن يُعانون من ضائقة الحياة، ومن النظام التعليمي بمكوناته الخمسة؛ المناهج المفروضة، الطالب، المدرس، الإدارة المدرسية، تصميم الأبنية والصفوف المدرسية!
من المعروف أن معظم معلمي الدول العربية يعانون من الفقر بسبب مرتباتهم الشهرية، ما يدفعهم إلى تحويل التعليم إلى مادة حشوية، صعبة، مُنفِّرة، لها طقوسٌ خاصة، تُقاس فقط بقدرة الطالب على الاستظهار والحفظ، وإعادة كتابة جمل الكتاب المدرسي حرفياً، وتقليد المدرس المكلف بوضع أسئلة الامتحانات كما يرغب تماماً، بحيث لا يكون الهدفُ من التعليم التوعية، والتلاقُح الفكري، وفتح الشهية لطلب الثقافات، وتهذيب العواطف، وكشف المواهب المخبوءة في عقول الأبناء! دائما أعود إلى تشبيه نظام التعليم الفاشل، بقطعة الإسفنج التي تُرغم على امتصاص المناهج بالضغط عليها بقوة، ثم تُفرغ هذه الإسفنجة على ورقة الامتحان بالضغط أيضا، لتعود قطعةُ الإسفنج في النهاية، بعد الامتحانات جافةً، خاوية من جديد!
أنتجت منظومة التعليم الحشوية، كوارث وطنية عديدة، اختصرتْ التعليم في غاية واحدة هي فقط الحصول على وظيفة حكومية، لذلك فإنني أسميتُ المدارسَ والمعاهد والجامعات في بلدان المعلمين المسحوقين، أسميتها دفيئات وحاضنات صناعية لإنتاج الموظفين الحكوميين غير الأكفاء!
سأظل أكرر ما حييت كفاءة الفلسطينيين ونجاحهم في إعداد المعلمين، وإعداد الأجيال المُثقَّفة والمُثقِّفة ممن أَثْرَوْا العقول، عندما كانوا المصدر الرئيس للدخل الفلسطيني القومي، في خمسينيات، وستينيات القرن الماضي، هؤلاء نشروا التنوير في معظم الدول العربية، وبنوا جيلاً واعياً مثقفاً، قاد مسيرة الإبداع في كل مجالات الحياة! أليس عيباً، أن نضع المعلم الفلسطيني في أدنى سُلم المرتبات، وهو أبرز مكوِّن نضالي ثقافي فلسطيني؟!