كيلومتر واحد بين المحتل والواقع تحت الاحتلال

D5D4500B-C595-4612-96D2-1123890D91AD-e1602421607257.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

” المؤكد هو أن المسافة القصيرة بين المبنيين تمثل عجز ممثلي الواقعين تحت الاحتلال في المطالبة وفي تحقيق حقوقهم “.

في ظهيرة يوم الاحد سارت مجموعة صغيرة من الاشخاص في شارع نابلس الذي يقع شرق مدينة البيرة. وقد تم الالتقاء قرب الهيئة الفلسطينية للشؤون المدنية. الهدف هو الادارة المدنية الاسرائيلية التي تقع في زاوية مبنى عسكري كبير يمتد على اراضي البيرة. حوالي كيلومتر واحد فقط يفصل بين المبنيين. من الرصيف الذي يقع تحت هيئة الشؤون المدنية يظهر بشكل جيد المبنى العسكري المسور، الذي هو خلية هامة في آلية السيطرة الاسرائيلية على حياة الفلسطينيين. مهمة هيئة الشؤون المدنية هي التوسط بين المواطن الفلسطيني والحاكم الاسرائيلي، وتمثيل مصالح السكان الواقعين تحت الاحتلال. المسافة القصيرة جدا تجسد التكافل غير المتماثل بينهما. 

المشاركون في المسيرة، من بينهم اطفال، وقفوا في الساحة التي توجد خارج المبنى العسكري وهتفوا بالعبرية “نحن نريد شهادة”. وقد حملوا لافتات بالعبرية ملخصها “من حقي لم شمل عائلتي”. هم نشطاء الحركة الشعبية الجديدة التي تضم نساء (في معظمهن فلسطينيات الاصل) تواجدن لسنوات طويلة في الضفة الغربية واسرائيل ترفض اعطاءهن مكانة مقيم. هذه هي المرة الثانية منذ أن اتحدوا قبل سبعة اشهر، ولم يكتفوا بالاعتصام الاحتجاجي امام الهيئة الفلسطينية، بل ساروا نحو مركز القوة الاسرائيلي. دائما كانوا يعرفون أن اسرائيل هي التي تسيطر على سجل السكان الفلسطيني وتحدد المصائر. ولكن في المسيرة نحو الادارة المدنية هم ايضا قالوا إن المؤسسة الفلسطينية التي كان يجب أن تمثلهم لدى المحتل وتوقعوا أن تناضل من اجل تحقيق حقوقهم، خيبت آمالهم. 

للمرة الاولى، في نهاية شهر حزيران، وجه جندي عصبي بندقيته وبالصراخ منع المشاركين في المسيرة من الاقتراب كي لا يتم اطلاق النار عليهم. في هذا الاسبوع وقفت سيارة عسكرية في زاوية حقل الاشواك والجنود الذين نزلوا منها نظروا باسترخاء الى المتظاهرين. متظاهران اقتربا من السور الاسمنتي الذي يحيط بالمبنى. فوقه وعلى الدرج وقف شخصان. جرى حوار. هما عادا ركضا الى اصدقائهم وقالا: ضابط الادارة المدنية طلب أن نعطيه قائمة بأسماء كل الموجودين هنا، والذين طلبوا في السابق لم الشمل.

في مبنى الادارة المدنية يتم تركيز وتطبيق برامج السيطرة على اكبر قدر من اراضي الفلسطينيين، وبرامج توسيع المستوطنات وهدم انابيب المياه للفلسطينيين. هناك يتجسد التكافل بين الجيش والمستوطنين، في طواقم ولقاءات عمل ولجان. الى هناك يصل تذمر المستوطنين بسبب الصعوبة التي يواجهونها بدون المزيد من اراضي ومياه الفلسطينيين، ويدفع الموظفين والمراقبين الى تخطيط المزيد من الاعيب السيطرة والسلب. 

الى لجان الاستئناف التي تلتقي في المبنى يأتي فلسطينيون يحاولون وقف اعمال السرقة، ويطالبون بالوصول الى اراضيهم المفلوحة أو من اجل مد انبوب مياه. في هذه اللجان يجلس ضباط يمثلون انفسهم كاشخاص يهتمون بالسكان الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، وكأنه لا يوجد أي تناقض بينهم، ورجال قانون عسكريين يعرفون كيف يقتبسون ويستلون كل بند يسمح بالسرقة والسيطرة. هناك يتم احصاء جزء من الاموال التي يمول بها الفلسطينيون نشاطات المحتل بواسطة غرامات ورسوم. هناك يتم تركيز المعطيات عن أي دخول وخروج لكل شخص فلسطيني مهم، بما في ذلك الرئيس محمود عباس، من الجيوب الفلسطينية. وهناك يصادقون أو يرفضون طلبات لتصاريح مختلفة مهمة جدا للحياة.

بعد أن قدم المتظاهرون أول أمس اسماءهم لضابط الادارة المدنية اظهروا تخوفهم بصورة ساخرة: في الليل ستلف السيارات العسكرية على بيوتنا وسيجمعوننا واحدا واحدا ويقومون بترحيلنا. فورا هدأوا انفسهم: هم اصلا يعرفون كل شيء عن كل واحد منا. ولكن حسب أحد المتظاهرين، فان موظف في الادارة المدنية وعده “عندما طلبنا منكم الاسماء فهذا لم يكن عبثا ولم يكن عمل ارتجالي لضابط صغير”. الايام ستتحدث عن ذلك. والمؤكد هو أن المسافة القصيرة بين المبنيين تمثل عجز ممثلي الواقعين تحت الاحتلال في المطالبة وفي تحقيق حقوقهم.