للمرة الأولى مٌنذ العاشر من مايو/ أيار الماضي، يُعلن الاحتلال عن ما يُسمى بـ"تسهيلات إسرائيلية تدريجية" لسكان قطاع غزّة، عقب منعه إدخال المواد الخام ووقف حركة التصدير وكافة أشكال تنقل الأفراد بمن فيهم حالات الإسعاف ومرضى السرطان عبر حاجز بيت حانون/ إيرز، وذلك ضمن سياسية العقاب الجماعي المخالفة لكافة القرارات والقوانيين الدولية بعد العدوان الأخير الذي استمر 11 يومًا وأدى لسقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى، إضافةً إلى تدمير آلاف المنشآت الحيوية والأبراج والبيوت السكنية للمدنيين.
وتتضمن ما تُسمى بالتسهيلات التي من المقرر بدء العمل بها يوم غدٍ الأحد، حيث أوضحت وزارة الشؤون المدينة الفلسطينية أنّه سيتم السماح بخروج 50 من كبار التجار ورجال الأعمال من حملة بطاقات bmc يومياً عبر حاجز "إيرز" شمال قطاع غزة، ويشترط في حملة بطاقة bmc أنّ يكونوا تلقوا لقاح فيروس كورونا، أو متعافي وأجرى فحصاً خلال 72 ساعة.
كما سيتم المساح أيضاً بالسفر إلى الخارج عبر معبر اللنبي، بالإضافة إلى السماح بتقديم تصاريح زيارة لحضور أفراح قرابة أولى فقط لمن اخذ تطعيم، أو تعافى وأجرى فحص خلال الـ 72 ساعة الأخيرة.
وأشارت الشؤون المدينة الفلسطينية، إلى أنّ الاحتلال سيسمح خلال التسهيلات الجديدة بإدخال الأصناف الخاصة بالمشاريع الدولية والتي تشمل الغذاء والدواء والصحة وماله علاقة بصيد الأسماك والأجهزة الكهربائية والأسمدة الزراعية عبر معبر كرم أبو سالم، بالإضافة إلى الموافقة على تصدير الخردة وجلود الأبقار من قطاع غزة للخارج.
استحقاقات على الاحتلال وليست "تسهيلات"
الكاتب والمحلل السياسي، هاني حبيب، رأى أنّها ليست "تسهيلات" لسكان قطاع غزّة، وإنّما استحقاقات يفرضها القانون الدولي على الدولة التي تحتل شعبًا آخر، حيث يتوجب عليها توفير له كل مقومات الحياه وبالتالي مصطلح "تسهيلات" هو مصطلح "إسرائيلي ينبغي عدم التعامل معه".
وأضاف حبيب في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّ ما تُسمى تسهيلات "إسرائيلية" هي إشارة من دولة الاحتلال إلى أنّها هي التي تُقرر متى تشاء أنّ تنزع هذه "التسهيلات" أو تُبقيها أو تزيدها؛ وبالتالي هي المقررة في حياة الفلسطينيين".
وأردف: "هذه الإجراءات الإسرائيلية مرتبطة أشد الارتباط بالملفات الأخرى سواءً لتثبيت وقف إطلاق النار والتوصل إلى تهدئة أو ملف إعادة الإعمار"، مُشيرًا إلى أنّ جميع هذه الملفات مرتبطة ارتباطًا مباشرة بما تسميته "إسرائيل" ضرورة التوصل إلى صفقة تبادل أسرى.
وفي رده على سؤال حول تلبية ما تُسمى "تسهيلات إسرائيلية" احتياجات غزّة بعد العدوان الأخير، قال حبيب: "إنّ إسرائيل هي التي تقرر بهذا الشأن وبهذه المحاولة تُريد أنّ تُشير بشكل ضمني أو مباشر إلى أنّ هذه التسهيلات كانت متوفرة لقطاع غزة قبل الحرب الرابعة".
وتابع: "وبالتالي إسرائيل تُريد أنّ تقول إنّ هذه الحرب لم يكن لها ضرورة، لأنّه عندما نُطالب بما كان متوفرًا لقطاع غزّة، سواءً في معبر كرم أبو سالم أو مساحة الصيد أو في كافة المجالات الأخيرة، فهي محاولة من دولة الاحتلال للقول إنّها حققت إنجازًا على الجانب الفلسطيني من خلال تحكمها في الوضع بغزّة من خلال هذه الإجراءات ذات الطبيعة الاقتصادية".
مطالب "إنسانية تُلغي جوهر القضية "السياسي"
ونوّه إلى أنّ هذه المطالب ذات الطبيعة التي تُسمى إنسانية واقتصادية، تُلغي جوهر القضية "السياسي"، مُردفاص: "الشعب الفلسطيني ليس مجرد حالة إنسانية أو مشاكل اقتصادية؛ حيث تتعلق المسألة بوجود احتلال يفرض شروطه وبالتالي طبيعية سياسية بالدرجة الأولى".
أما عن كيفية تعاطي الفصائل الفلسطينية مع ما تُسمى بـ"تسهيلات إسرائيلية"، بيّن حبيب، أنّ الفصائل الفلسطينية في حالة انتظار أنّ تُوفر الوساطات خصوصًا المصرية وكذلك القطرية ظروفًا أفضل يتم من خلالها تلبية احتياجات غزّة ذات الطبيعة الإنسانية والاقتصادية مقابل التوصل إلى تهدئة.
واستدرك: "نحن في قطاع غزّة بحاجة لفترة طويلة من الهدوء حتى نُعيد بناء بنيتنا التحتية ونُعيد الوضع الاقتصادي بما يُمكن معه شد أزر الأهالي والمواطنين الذين تعرضوا لكثير من الخسائر والتضحيات خلال الحرب الأخيرة".
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، حسام الدجني، أنّ هذه "التسهيلات الإسرائيلية" جاءت ضمن إطار جهود الوسطاء؛ للضغط على حكومة الاحتلال للالتزام بالتفاهمات، وفي إطار رغبة كل الأطراف في انزلاق الأمور نحو مواجهة جديدة.
وقال حبيب في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لكنّ هذه التسهيلات غير كافية رغم أهميتها؛ لأنّ شعبنا الذي قدَّم أروع التضحيات في معركة سيف القدس يُريد إنهاء الاحتلال ورفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزّة".
الانقسام يمنع الثمرة السياسية
وبالحديث عن طبيعة ردود فعل الفصائل على هذه " التسهيلات"، أوضح الدجني، أنّها "ستكون نظرة ارتياح حتى وإنّ كانت ستخرج بعض البيانات بأنّها غير كافية؛ ولكن في حالة تنفيذ هذه التسهيلات على أرض الواقع، يعني أنّ شبح المواجهة قد يبتعد قليلاً في ظل استمرار المضي في تقديم هذه التسهيلات".
أما عن إعطاء "التسهيلات" صبغة إنسانية لطبيعة الصراع مع الاحتلال، رغم أنّ جوهر القضية "سياسي"، قال الدجني: "إنّه في ظل حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني لا نستطيع أنّ نقطف أيّ ثمرة سياسية من معركة "سيف القدس" كما حصل في حرب 2014".
وأضاف: "بالتالي ما يتحقق بعض التسهيلات التي انبثقت عن مسيرات العودة، وهذا هو السقف الذي يعمل المجتمع الدولي والاحتلال من أجل ترسيخه".
وختم الدجني حديثه، بالقول: "إنّ الخطوة الأساس والحقيقة التي ربما ينتظرها المواطن هو ترتيب البيت الفلسطيني، بناءً على نتائج انتخابات فلسطينية يتم فيها بناء نظام سياسي ديمقراطي تعددي"، لافتًا إلى أنّ هذا الأمر هو الذي سيجلب الثمرة السياسية نتيجة أيّ تجربة نضالية سواءً كانت عسكرية أو شعبية.