قصة الانتقال من الطبيعي إلى الهجين

حجم الخط

بقلم نبيل عمرو 

 

 في زمن المنفى، تبلور نظام سياسي فلسطيني اطاره منظمة التحرير، وبصرف النظر عن ما يقال عنها من قبل خصومها الفلسطينيين، الا انها تمكنت من تحقيق انجازات سياسية خلاصتها دخول الفلسطينيين الى المعادلات الاقليمية والدولية من خلال اعتراف الجميع بصدقية وفاعلية تمثيلها وقيادتها وقدرتها على مواكبة المتغيرات الدولية والتفاعل معها.

واذا ما اعدنا قراءة برامج المجالس الوطنية المتعاقبة، فاننا نلمس بوضوح تكيف المنظمة مع ما هو ممكن اقليميا ودوليا، ما كان يسمى في حينه «بالتنازلات»، وولد مصطلح الارض مقابل السلام الذي أُعلن كقرار برلماني.

صمد نظام منظمة التحرير، امام تدخلات من جهات متعددة وخرجت سالمة من معارك دامية، ان افقدتها جغرافيات عربية بالغة الاهمية الا انها كانت تحظى بتعويض سياسي، دافعه الاساسي حاجة العالم والاقليم لطرف فلسطيني تتوفر فيه جاهزية لقبول حلول واقعية للقضية المزمنة، فضلا عن ان العالم الذي اقلقه توجه الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها فتح، نحو القيام بعمليات عنف خارجية، تتعدى حدود وطنهم المحتل، فقرر احتواء الحالة الفلسطينية باغراءات مجزية فاستبدل المسدسات التي تختطف الطائرات بمكاتب تمثيلية متفاوتة الرسمية، وكانت المقايضة في مصلحة الحضور السياسي لمنظمة التحرير على مستوى العالم.

واصل نظام منظمة التحرير عمله من خلال تكامل ثلاث حلقات توفر الشرعية والفاعلية، اولها العمق الشعبي وثانيها الانجاز وثالثها الاعتراف الدولي، فذهبت الى الامم المتحدة تحت شعار غصن الزيتون بيد والبندقية باليد الاخرى، وبين هذا وذاك فتحت حوارات علنية وسرية مع الخصوم الاساسيين وكانوا آنذاك امريكا واسرائيل، ودون الغرق في الوقائع والتفاصيل تم استدعائها الى مدريد ثم واشنطن ثم اوسلو.

كانت عملية اوسلو وقوامها التخلي عن المحرم الاكبر الذي هو الاعتراف الصريح والموثق بحق اسرائيل في الوجود، بمثابة اختبار حاسم لقدرة النظام السياسي الفلسطيني على مواصلة دوره في الحياة الفلسطينية من كل نواحيها، فقد نجح النظام في ادخال الحالة الفلسطينية الى مرحلة جديدة دون معارضات داخلية فعالة، فمن لم يوافق على اتجاه اوسلو اكتفى باعلان موقف، الا ان الجميع انخرط في وظائف السلطة المستجدة، واعني بالجميع فصائل منظمة التحرير ذلك في الفترة التي كان فيها الاسلام السياسي يعد نفسه لدخول معركة التنافس على النفوذ غير ان هذا النجاح حمل في داخله بذور فشل لنظام المنظمة ذلك بفعل الانتقال من نظام متكرس الى نظام هجين، ازدادت مسؤولياته كثيرا حين تحولت من ادارة ثورة ومؤسسة كفاحية الى ادارة حياة الملايين، وصار لدى الفلسطينيين نظامين لم تحسن قيادة التجربة ايجاد صيغة تكاملية بينهما، فذابت المنظمة في الاطار الجديد، ومع احتفاظها بصفة الممثل الشرعي الوحيد، الا ان طغيان نفوذ السلطة حولها الى مجرد تراث رمزي، يصلح لأن يضع توقيعه على اوراق التسويات التي بدأتها حين كانت في اوج قوتها وخسرتها حين انتقلت القوة الفعلية للسلطة.

خسارة النظام السياسي الفلسطيني بوضعه الراهن تبدو مزدوجة، فلا نظام المنظمة المتلاشي يمتلك صدقية التمثيل الفعلي، ولا نظام السلطة المكبلة والمحاصرة بالواقع لديه القدرة على ملء فراغ غياب وتلاشي الاول.

واقع الحال الان.. يحتم ولادة نظام سياسي جديد، اوشك الفلسطينيون على وضع اقدامهم على طريقه المعقول ان لم اقل الصحيح، حين قرروا تجديد النظام بانتخابات ثلاثية تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، وضمانة هذا النظام الجديد ان تتبلور حالة توازن وتكامل بين مكوناته او حلقاته الثلاث، وقد يقول قائل وما الجديد في هذا.. وجوابي.. الجديد هو تكريس حتمية دور صندوق الاقتراع في كل مكونات النظام السياسي، وحين ينجح الفلسطينيون في بلورة ذلك يكونوا قد اعفوا انفسهم من سلبيات الجمود والتشبث والارتجال، واستبدال المؤسسة الحديثة بتظاهرات الشوارع واستبدال ادعاء النفوذ من قبل القوى المتصارعة بتحديدات ادق ينتجها البرلمان المنتخب الذي سيجسد الاحجام الحقيقية للقوى ما يفرز عمليا شراكة وطنية عادلة فرضها الشعب وليس ما يسمى بتوافقات الغرف المغلقة.

ربما يكون هذا هو المخرج الذي ان لم يوفر حلا لكل المشاكل فميزته ان لا مشكلة يمكن ان تحل من دونه.