الردع بين إسرائيل و"حزب الله".. متبادل

يوسي يهيوشع.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوسي يهوشع

 

 


مرت 15 سنة منذ حرب لبنان الثانية، وباتت ساحة المواجهة في الحدود الشمالية أكثر سخونة منذ 2006.
ستة حوادث إطلاق صواريخ - ثلاثة منها في الأسبوعين الأخيرين – حين أُطلق 19 صاروخاً، يوم الجمعة الماضي، نحو منطقة «هار دوف» في ظل أخذ «حزب الله» للمسؤولية، تطرح على الجيش الإسرائيلي معضلة العمل حيال «حزب الله»: هل تفكك دولة لبنان وحقيقة أن المنظمة تواجه تحديات من الداخل ستؤدي إلى المواجهة؟
نصر الله في خطابه، أول من أمس، بمناسبة الذكرى السنوية للحرب حاول إغلاق الحدث وتثبيت معادلة جديدة بموجبها سيرد على غارات سلاح الجو بشكل مشابه من «حزب الله»، ولكن ليس بالضرورة نحو هار دوف (مزارع شبعا).
هو، من ناحيته، عمل مثل إسرائيل، التي هاجمت منطقة مفتوحة وبالتالي أطلق نحو «هار دوف».
وحسب نصر الله، فإن إسرائيل مردوعة أكثر من أي وقت مضى بسبب «حارس الأسوار» وتعزز قوة محور المقاومة.
بالمقابل، قال الجيش الإسرائيلي: «أطلقوا النار إلى مناطق مفتوحة، «حزب الله» مردوع ولا يريد حرباً».
قبل ذلك حاول الجيش الإسرائيلي أن يبرّئ «حزب الله» - صاحب السيادة الحقيقي في لبنان – من النار التي نفذتها المنظمات الفلسطينية. لا يوجد شيء يحصل في هذه الجبهة ليس بمسؤولية وبإذن من نصر الله.
هذا تذكير ممتاز بأننا يجب أن نأخذ بشكل محدود الضمان هذه الأقوال أيضاً، وبالتأكيد التقديرات الاستخبارية، ولا سيما للجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.
رأينا هذا في «الجرف الصامد» حين قيل إن «حماس» مردوعة ولا تريد الحرب؛ ولاحقاً في جولات القتال في غزة؛ ومؤخراً عشية حملة «حارس الأسوار» حين كانت كل التقديرات الرسمية معاكسة لأداء «حماس» في يوم القدس.
حاول الجيش بكل سبيل، هذا الأسبوع، تقزيم النار التي نفذتها في وضح النهار المحافل الفلسطينية من لبنان، والادعاء بأن هؤلاء هم «نشطاء مارقون» عملوا على عاتقهم دون علم «حزب الله» أو إذنه.
وهؤلاء هم الضباط الذين رووا لنا أنه لا يوجد صاروخ يرتفع في لبنان دون إذن «حزب الله»، وبالتأكيد من المنطقة التي تحت سيطرته الكاملة.
وعندها جاءت النار إلى «هار دوف»، ومرة أخرى في وضح النهار. سبعة من الصواريخ اعترضتها «القبة الحديدية»، وعندها على الفور قالوا لنا إن «حزب الله» مردوع على أي حال، وإنه أطلق النار نحو أراضٍ مفتوحة.
وبالمناسبة، هذا قول لم يستطيبوا سماعه أبداً في مكتب رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، لأن بينيت يعرف الحقيقة: الردع في الشمال متبادل على الأقل، وقد عبر عن ذلك في سلسلة من المداولات في الكابينت. بعد ساعات قليلة من هذا القول رد «حزب الله» بطريقته حين نشر شريط إطلاق الصواريخ.
«حزب الله» مردوع بالفعل، ولهذا فقد أطلق النار إلى مناطق مفتوحة، ولكنه مردوع بالضبط مثل إسرائيل.
توجد أمثلة لا حصر لها من السنوات الأخيرة في مناوشات الجيش الإسرائيلي تجاهه، والتي سحب فيها الجيش مثلاً القوات خوفاً من أن تصاب أو مثّل حدثاً مع مصابين في حادثة الصاروخ المضاد للدروع قرب أفيقيم كي يظن «حزب الله» بأنه وقع لدينا جرحى فيغلق الحدث. نعم، من المعقول ألا يكون «حزب الله» يريد الحرب، ولكنه معني بتسخين الحدود كي يصرف الانتباه عن الضغط الدولي على إيران.
وحتى لو تقول المعلومات الاستخبارية إنه لا يريد الحرب، فإن مهمتنا هي أن نتساءل حول مستوى جاهزية الجيش الإسرائيلي لمثل هذه الحرب.
كتبنا هنا كثيراً عن انعدام الجاهزية للتصدي لـ 150 ألف صاروخ لـ «حزب الله»، حين علمتنا حملة «حارس الأسوار» بأن المعركة التالية ستكون متعددة الجبهات.
بطانية الجيش الإسرائيلي قصيرة. ومن أجل إبعاد هذه المعركة يجب تعزيز الردع. وحقيقة أنه لم يكن رد على الإطلاق على مثل هذه النار إلى «هار دوف» (نار قذائف الجيش الإسرائيلي إلى أرض مفتوحة هو نوع من البيان للصحف) تمس بالردع وتقرب أكثر فأكثر إمكانية الحرب حين يفهم العدو كم نخاف منه هنا. أما ترك مثل هذا الحدث دون تدفيع ثمن فيشجع العدو على مواصلة العمل.
تستعد قيادة المنطقة الشمالية في السنتين الأخيرتين بالضبط لحالات كهذه: لأيام قتالية مع «حزب الله».
ليس حرباً بل نوع من المناوشات الجوية التي تستمر لساعات حتى أيام قلائل. يُحظر على الجيش الإسرائيلي أن يبث بأنه مردوع عن هذا. ففي موعد ما ستستأنف نار «مارقة» كهذه أو تلك من لبنان، ويحتمل جداً ألا يلعب الحظ معنا مرة أخرى، مثلما حصل في المرات الأخيرة في سقوطات الصواريخ قرب كريات شمونة فتقع إصابات لا سمح الله. فهل عندها أيضا سيكون الرد احتوائياً؟
السياسة الهجومية بالذات تجاه «حماس» في غزة، والتي تغيرت منذ حملة «حارس الأسوار»، تدل على أنه يمكن أن يكون الحال خلاف ذلك: الإبقاء على الردع والدخول في مفاوضات للتسوية في الوقت ذاته. وحسب تلك السياسة التي اقترحها رئيس الأركان، أفيف كوخافي، من الآن فصاعداً يهاجم الجيش الإسرائيلي من الجو على بالون حارق.
وفي صالح نفتالي بينيت يقال إنه تبناها ولم يتراجع في هذه الأثناء. ولديه تحديات غير بسيطة في الأمن تجاه إيران النووية التي تواصل التموضع في سورية وتسليح «حزب الله». وهذا هو السياق الصحيح لرؤية الأحداث في الشمال.
في هذه اللحظة فإن المعضلة التي يقف أمامها أصحاب القرار هي الآتية: لبنان يتفكك، أحداث النار ستستمر، وإذا لم تتقرر شارة ثمن فإنها ستتفاقم وستجر إسرائيل إلى حرب شاملة غير مرغوب فيها. من جهة من يريد أن يمتنع عنها ينبغي أن يعمل بقوة أيضاً في المناوشات المحلية إذا ما نشأت، حين تكون صغيرة.
الجيش الإسرائيلي قادر على «حزب الله» حتى لو كانت الأثمان في الجبهة الداخلية أليمة، وإذا ما بُث شيء آخر فإن هذا سيؤثر على كل المنطقة.
المنظمة في مشكلة داخلية صعبة، وقد رأينا هذا في المناوشات مع الدروز.
وفي الخطاب الداخلي في لبنان أيضاً يتعرض للنقد في أنه يورط الدولة بسبب مصالح إيرانية.
وبالفعل كان واضحاً، أول من أمس، في الخطاب أن نصر الله في حالة ضغط كبير من الحادثة التي ضرب فيها الدروز رجاله، وحاول أن يشرح لهم أنه اختار نقطة النار فقط لسبب عملياتي كي يطلقها إلى أراضٍ مفتوحة في إسرائيل.
بالمقابل يدعي المعارضون أنه في الوقت الذي تمارس فيه الدول الغربية الضغط على إيران بسبب الهجوم على سفينة ميرسر ستريت في خليج عُمان يجب استغلال ذلك، وليس صحيحاً اجتذاب الاهتمام العالمي إلى أيام قتالية في لبنان، وبالتوازي محاولة استنفاد كل المزايا من الضغط الداخلي في لبنان ضد «حزب الله». الأيام ستقول أي نهج هو الأصح.

عن «يديعوت»