بدأت الجامعات والكليات والمعاهد المختلفة، حملات مركزة لاستقطاب من اجتاز امتحان التوجيهي قبل أيام، ويتضح من المستوى المتدني لمعدلات القبول التي تعلن عنها مؤسسات التعليم العالي في بلادنا، مدى التنافس الحاد لاستقطاب الطلاب، وفقط من أجل الاستحواذ على اكبر عدد ممكن من الطلبة، وبالتالي على أقساط التعليم التي تجبيها منهم، والتي يدفعونها بغض النظر عن نوعية أو جودة التعليم، أو طبيعة التخصص الذي يحتاجه سوق العمل عندنا.
وأصبح واضحاً أنه رغم التراجع في مستوى ونوعية التعليم العالي عندنا، ورغم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، فإن الأقساط ترتفع بشكل منتظم ومتواصل، وأصبح من غير المألوف بدء السنة الدراسية الجديدة في الجامعات الفلسطينية بدون حدوث إشكال، أو عدم تفاهم على دفع الأقساط، وفي أحيان عديدة يتم تعطيل الدراسة، وحتى تحدث مواجهات بين الطلبة وإدارات الجامعات ويتم إغلاقها.
ورغم تفاوت حدة المشكلة من موقع لآخر، إلا أن أزمة الأقساط الجامعية ما زالت تراوح مكانها، رغم الاجتهادات المختلفة، وصناديق الإقراض والمنح، واللجان والمجالس، ولم تجد الجامعات التي مازالت تصرح بأنها تعاني من عجز مالي، أي حلول لأزمة الأقساط أو لارتفاعها السنوي، مع العلم ان أقساط الطلبة تشكل حوالي 80% من إيرادات ميزانيات الجامعات الفلسطينية، بينما تشكل رواتب العاملين حوالي 75% من النفقات، ويشكل الدعم الحكومي للجامعات حوالي 8% من الإيرادات والجزء الآخر من الإيرادات، إما تبرعات أو نتيجة استثمارات أو خدمات تقوم بها الجامعات.
ومن الواضح سواء من خلال عرض وجهات النظر المختلفة أو من خلال النقاش، أن ارتفاع الأقساط بحجة تغطية العجز المالي في الجامعات، ليس حديثاً أو وليد السنة الحالية، بل هو عجز دائم منذ بداية التسعينات، وبالتالي فإن أسبابه متراكمة، ورغم أن البعض انتقد الحكومة، إما لضآلة الدعم المخصص أصلاً للجامعات أو لعدم إيصال هذا الدعم بالكامل خلال السنة، إلا أن موضوع رفع الأقساط أو نسبة من الأقساط ما زال يتسم بالحساسية والمعارضة، وخاصة من قبل الطلبة وربما من قطاعات أخرى من المجتمع، التي تعتقد بوجوب عدم حرمان أو إعاقة تعليم أي طالب كفؤ أو يستحق التعليم، لأسباب مادية.
ومعروف أن مؤسسات التعليم العالي في العالم إما أن تكون جامعات حكومية، أو تتبع "الولاية" كما في الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي الحكومة مسؤولة عنها، ومن ضمن ذلك المسؤولية المالية وبعضها موجود في بلادنا، وهي الكليات او الجامعات الحكومية التي تتبع وزارة التعليم العالي مباشرة، وإما أن تكون جامعات خاصة للربح كما بعضها موجود في بلادنا، حيث تم إنشاؤها من قبل مستثمرين لتحقيق الربح.
هذا بالإضافة الى جامعات ليست للربح وليست حكومية وتشرف عليها مجالس أمناء تقوم برسم سياساتها وتأمين احتياجاتها والتزاماتها، ومنها المالية، وغالبية الجامعات في بلادنا تتبع هذا النوع، وبالتالي فإنه، من المتعارف عليه ان مجالس الأمناء هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تأمين احتياجاتها وسد العجز المالي الذي تعاني منه. وفي الولايات المتحدة، تقوم الجامعات غير الحكومية التي تشرف عليها مجالس أمناء بإنشاء أذرع استثمارية، إما بشكل مباشر أو من خلال التعاون مع القطاع الخاص، وذلك للاستثمار من خلال استغلال الطاقات البشرية أو الأبحاث أو الاختراعات أو حتى استثمار مالي مباشر، بحيث تشكل عائدات الاستثمار سنداً ودعماً للجامعة في الأزمات ولتغطية العجز المالي إن حدث، ومعروف أن قيمة الصندوق الاستثماري لجامعة "هارفارد" الأميركية مثلاً، تتعدى الـ 25 مليار دولار.
وفي خضم الارتفاع المتواصل في تكاليف التعليم العالي في بلادنا، أليس بالأحرى بالجامعات أن تضع خططاً إستراتيجية للاستثمار وإنشاء صناديق استثمارية خاصة بها تحقق عائداً مالياً يساهم في سد عجزها المالي؟ أو ليس بالأحرى كذلك بناء علاقات وروابط مع القطاع الخاص تحقق فائدة مشتركة للطرفين؟ أو ليس بالأحرى ترشيد النفقات وحتى إغلاق تخصصات أصبح وجودها عبئاً مالياً واجتماعياً، وأصبحت نسب البطالة من خريجيها تزيد على الـ 80%.
وهناك العديد من الخطوات الأخرى ومنها إنشاء الوقفيات وتأجير مرافق وغيرها، بحيث تساهم في حل أو تخفيف العجز المالي، وبالتالي عدم إلقاء تبعات مالية تعاني منها مؤسسات التعليم العالي عندنا، على عاتق وكاهل الطلبة، من خلال إرهاقهم وإرهاق ذويهم، برفع الأقساط، والتنافس المسعور على استقطاب أكبر عدد مهم، بغض النظر عن نوعية وجودة التعليم، والأهم التغاضي عن حاجة سوق العمل، وبالتالي المساهمة في تزايد شبح البطالة وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية وحتى السياسية الوخيمة.