الموت في غزة .. لا يعني توقف القلب عن النبض 

d39c9e10-186e-446a-8841-7a54b7cd8a9e.jfif
حجم الخط

غزة _ ضياء مسعود 

الموت في قطاع غزة، لا يعني أن يتوقف قلب الإنسان عن النبض، بل  قد يموت الإنسان حيًا بإصابةٍ بعد حرب، فالموت يلاحقنا، حتى في هذه التي يسمونها فترات تهدئة، يسرق ما تبقى في جيب أيامنا من فرح، ويطلب منا التأقلم قائلا : "أنت في غزة، وتحت احتلال، إذًا فلتستعد لتغرف الحزن حتى قعر الوعاء".

محمد شعبان، الطفل الذي فقد بصره بعد قصف طاله عائدًا من السوق بملابس العيد خلال عدوان مايو.

في ذلك اليوم، قررت والدة محمد (8 أعوام)، الهرب من زحمة التفكير بـالموت تحت نيران صواريخ إسرائيل، إلى حيث يمكن أن يجد ابنها الفرح، محدثتاً نفسها "عيد الفطر على الأبواب، ولعل النار تتوقف إلى ذلك الحين " ، ظنّت أنها قد تكسر حاجز الخوف في قلبه، وتخلق بعضًا من فرح وسط كل هذا الدمار.

وتحكي أمه مع تنهيدة عميقة : "في السوق، قصفت طائرات الاحتلال هدفًا،  فكنت انا ومحمد قريبان حد الموت لولا لطف الله، فقد أصيب محمد بعينيه".

ويقول والده : "انفجرت عينه اليسرى بشكلٍ كامل، ثم دخل في حالة نزيف، تم نقله إلى المستشفى لإسعافه، الحدث كان مؤلمًا وصادمًا ، مؤكدًا أن أول عمليةٍ خضع لها كانت لإيقاف النزيف، واستأصل الأطباء خلالها جزءًا من العين المتفجرة، وبقي فيها عدة شظايا، ما دفع الأطباء لتحويله إلى العلاج في المستشفيات المصرية".
ومع استمرار الحصار على قطاع غزة ما يقارب 15 عامًا، إجراءات السفر طويلة ومعقدة، وبعد طول انتظار تمكن الطفل من المغادرة لكن بدون أب أو أم، لإجراءاتٍ لم يصرح بها والده.

ويضيف والده : "عشرات الأيام، مكثها محمد في مصر يُعالج، الأطباء هناك قالوا: لا أمل في عودة الرؤية بالعين اليُسرى، نتيجة التهاب حاد في العصب البصري للعين، حيث تم حقنها بمضاد حيوي، ولم تستجب نهائيًا، فقط استطاعوا إيقاف الصديد حولها ".

لا يمر الوقت بالنسبة للطفل الذي يحنّ إلى الدوام في مدرسته مع أصدقائه بسهولة، تمامًا كما ليس هينًا عليه أنه لن يراهم بعد اليوم، كما لن يلعب كرة القدم، ولن يركب دراجته الهوائية، هذا كله أدى إلى تفاقم حالته النفسية، وصعّب على عائلته التعامل مع وضعه، عندما صار لزامًا عليه أن يتأقلم مع واقعه الجديد.

من الجدير ذكره، أن قطاع غزة فقد 65 طفلًا وطفلة، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير الذي شنته "إسرائيل" في العاشر من مايو/ آيار الماضي، في حين أصيب عشرات غيرهم، بجراح متفاوتة.

في غزّة، تتفاوت فواجع الإنسان، لكنها كلها تضربه بيد واحدة وبطرق مختلفة، 
تمامًا كموتٍ يمرّ فوق أجساد الفلسطينيين بجولة تصعيد أو في عدوانٍ كبير، تأتي الضربة ربما بصاروخٍ موجه من طائرة تترنح في سماء البلاد، أو بقذيفةٍ مدفعية أو بنيران بارجة بحرية، لا فرق، إنه قائمٌ على أية حال.

الموت في غزة .. لا يعني توقف القلب عن النبض 
الموت في غزة .. لا يعني توقف القلب عن النبض