لماذا تجري الحكومات تعديلات على تشكيلاتها؟

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

ضج الشارع الفلسطيني خلال الأيام أو الأسابيع القليلة الماضية بالحديث عن احتمال إجراء تعديل وزاري على الحكومة الحالية، وبما أن الحديث عن تعديل، فهذا يعني أن الحكومة الحالية بغالبيتها وبرئيسها سوف تبقى وتستمر بأداء أعمالها وفق خططها الحالية، وأن هناك بعض الأسماء لحقائب محددة من المفترض تغييرها أو تعبئتها اذا كانت شاغرة، وبغض النظر عن بورصة الأسماء وتدخلات موازين القوى من هنا أو من هناك، إلا أن ما يهم المواطن والشارع وبالأخص هذه الأيام، هو الأداء والكفاءة والنتائج، والأهم طبيعة التغيير الذي سوف يحدثه التعديل الوزاري في حياة المواطن وأفراد عائلته ومجرى حياته اليومية.
هذا المواطن الذي أصبح الحصول على الراتب أو حتى معرفة موعد صرف الراتب وبالأخص لموظفي القطاع العام يعتبر من أهم أولوياته، والذي أصبح من أعم مطالباته التخفيف من المنغصات اليومية التي يواجهها، سواء بفعل القوى او العوامل الخارجية التي تحيط بنا من كل حدب وصوب، أو بسبب التصرفات أو الإجراءات البيروقراطية العلوية عندنا، والتي لا غنى عن التعامل معها، من أجل تسيير أموره العادية اليومية. وهي مطالبات تعتبر من المسلمات أو من أبسط حقوق الناس.
وحين الحديث عن التغيير في حياة الناس وعن التعديل الوزاري المرتقب، فمن المفترض الحديث عن مفاهيم القيادة والإدارة، حيث ترتبط القيادة وبشكل واضح بالتغيير وتحفيز التغيير وحشد الناس حول التغيير، وبالطبع التغيير الإيجابي، اي نحو الأفضل. ومن السهل المطالبة بالتغيير وحتى عرض ما يهدف له التغيير وما يجب توفره من مصادر وظروف وأموال وبشر، ولكن الأصعب، سواء في الاقتصاد أو في السياسة أو في التنمية، سواء أكانت تنمية زراعية او بشرية او في الأفضل التنمية المستدامة، الأصعب في عملية التغيير هو قيادة التغيير، أو إيجاد الشخص أو الأشخاص الذين ينتقلون بالتغيير من الموقع الحالي الى الموقع الآخر، وبنجاح، وهناك مساقات يتم تدريسها او علم متكامل فيما يتعلق بإدارة التغيير. ولإحداث التغيير وببساطة يتطلب وجودة قادة، أو قيادة وليس إدارة.
حيث هناك في الاقتصاد او في عالم الأعمال أو السياسة، المئات من المديرين الناجحين، الذين ينجحون في تحقيق المفترض تحقيقه، والذي يتوج في نهاية السنة او نصف السنة أو الفصل بنسبة الأرباح او مستوى العائد على الاستثمار أو نسبة الربح الى السهم، حين تكون الشركات يمتلكها حمَلة الأسهم، اي ان المدير الناجح يحافظ على وضع قائم، ويقوم بإدارات بأحسن صورة، اي يقوم باستعمال ما هو موجود من مصادر بشرية، ومن ميزانية، ومن أدوات وما يحيط بكل ذلك من بيئة وظروف عمل، ويعمل على تحقيق أفضل المخرجات، والتي في العادة تصب أو يتم تلخيصها بنسبة الربح او تحقيق الأهداف المتوخاة، وبالتالي يتم تصنيف المدير بالناجح.
وفي الواقع، يوجد القلة من القادة، او مَن يتصفون بصفات القيادة وأهمها التأثير والقدرة على إحداث التغيير والقدرة على الإقناع والاتصاف ببعد الرؤية، والقدرة على بث التفاؤل والطموح والأمل بالتغيير، وبالتالي قيادة الناس نحو تحقيق الهدف، ويمارسون هذه الصفات، حتى ولو لم يكونوا في موقع العمل او البيئة المحيطة بالعمل، وحين الحديث عن التغيير والإبداع، فيمكن تذكر كيف تمت قيادة شركات كبرى نحو التغيير المتواصل، مثل شركة «أبل» و «ميكروسوفت» في عالم التكنولوجيا مثلاً، وفي شركات الأدوية، التي باتت نوعية وطريقة وسرعة إنتاجها تتغير وبشكل سريع ومثير، وبالتالي إذا لم يوجد قادة يقودون هذا التغيير السريع وبنجاح، فإن هذه الشركات لن تبقى تنافس وتحتل مكاناً في السوق او تلاقي الإقبال عند المستهلك، الذي يتغير باستمرار، وما ينطبق على الاقتصاد ينطبق على السياسة والحكومات والوزراء وما يتبعهم.
وفي العادة وكما نعرف أو نقرأ ونسمع، تقوم الحكومات في العالم بتعديل أو بتغيير وزاري وذلك من أجل الأفضل، سواء أكان على صعيد الممارسة والعمل أو من خلال النظر الى النتائج، أي أنها تعمل على تغيير وزير لم تثبت كفاءته أو لم يقم بما هو مطلوب وبالتالي فشل في عمله، أو أنه لا يستطيع تحمل الأعباء الملقاة عليه وبالتالي يحتاج الى التغيير، أو انه تصرف أو قام بأعمال غير مقبولة للحكومة وللناس.
أو أن الحكومة تهدف الى تبني رؤى وخطط جديدة وبالتالي تحتاج الى دماء وأفكار ووجوه جديدة، أو أن أولويات الحكومة قد تغيرت وبالتالي هناك الحاجة الى تغيير، أو أن هناك عدم تناغم أو تعاون أو تشارك في عمل الحكومة من قبل البعض وبالتالي هناك حاجة الى التغيير، وبالتالي وحين الحديث عن التعديل الحكومي المرتقب في بلادنا، فالسؤال الذي طرحه وما زال يتحدث عنه المواطن العادي، هو هل هذه الأسباب أو بعضها تشكل دافعاً لذلك.
والتعديل المرتقب، إن تم، فإنه من المفترض أو من المتوقع، ومن خلال التعديل في الأسماء أو في الأشخاص، ان يؤدي الى تشكل فريق عمل متجانس أو ملتف حول برنامج واضح، ويعمل بالتناغم مع قائد الفريق، ويتفق معه حول الرؤيا والمهمات والأهداف المفترض تحقيقها، ويقوم بالعمل ضمن خطة محددة بالوقت وبالمصادر وبالميزانية، خطة مرسوم لها الأهداف بشكل واقعي عقلاني، ويمكن قياس مدى تحقيقها خلال فترة زمنية معينة، ويأخذ بعين الاعتبار محدودية الإمكانيات والتحديات والعقبات التي من المتوقع حدوثها، عندنا أو بسبب التغيرات في المنطقة من حولنا وفي العالم، ويأخذ كذلك نقاط القوة التي نملك.
وهذا التعديل الوزاري، من المفترض أن يقوم بتعديل الأولويات، بحيث تتناسب مع احتياجات الناس الحالية والمستقبلية، وكذلك يأخذ بعين الاعتبار الأحداث والمتغيرات التي حدثت خلال الفترة الماضية على الأرض، سواء أكان ذلك في غزة أو في الضفة ومنها القدس، ويركز على الأولويات التي تعمل على تحقيق تنمية مستدامة او بعيدة المدى، سواء أكانت تنمية بشرية او اقتصادية، وفي قطاعات عديدة، نحن في حاجة للعمل فيها، والتي يحتاجها المواطن والناس.
والتعديل المتوقع من المفترض أن يعالج قضايا أصبحت شائكة أو مستعصية مثل البطالة، وقضايا الفقر، وقضايا يومية أخرى تتعلق بسلامة الطعام والدواء وحماية المستهلك وشحة المياه والازدحام على الطرق، وتراكم النفايات وما الى ذلك من أمور يلمسها او يشاهدها الإنسان الفلسطيني ويأمل ان يتم تغييرها أو التعامل معها، وهذا ما يأمله او يتوقعه من التعديل القادم إن حدث.
والتعديل القادم من المفترض ان يكون كذلك تعديلاً في فلسفة العمل، من حيث عمل الفريق الواحد، ومن حيث التركيز على النتائج والإنجازات على الأرض، ومن حيث زيادة أو تفعيل التواصل مع الناس وتفهم قضاياهم ومشاكلهم، وبـأن تكون قنوات التواصل مع المواطن ومع الإعلام واضحة وصريحة، وتعكس الحقائق بدون مبالغة أو بدون وعود كبيرة، وبأن تستند خطة العمل على تحقيق أهداف واقعية ومرتبطة بفترة زمنية محددة، وبأن يتم قياس ما يتم تحقيقه على الأرض، من خلال مؤشرات تركز على النتائج وليس على الأفعال والبيانات، أو إرضاء موازين القوى.