نحتفي بفوز ناديا حبش برئاسة نقابة المهندسين، ليس لأنها أول امرأة تتولى رئاسة نقابة المهندسين في فلسطين، فبرأيي جنس النقيب ليس مدعاة للاحتفال، وهو تنميط مُريب في ترويج الانجازات، بل بما يمكن أن يحققه النقيب المُنتخب وأي فكر يحمل معه .. ولأن ناديا أثبتت أنها كانت ولا زالت قادرة على الانجاز، وتحمل فكراً حراً نسوياً فهذا يدعو للاحتفاء بشكل مبدئي.
حالها كالمئات أو الآلاف من النسويات الفلسطينيات، تخوض معركة على جبهتين الأولى ضد الاحتلال و الثانية ضد النظام الأبوي الديكتاتوري ومفرزاته من رأس السلطة الحاكمة إلى القاعدة الأوسع من أفراد المجتمع، والمطلب واحد التحرر وتحقيق العدالة الاجتماعية ، حالها في ذلك حالنا جميعاً كنسويات في هذا السياق الفلسطيني الأكثر تعقيداً يصفعنا فيه الاحتلال ثم السلطة ثم الوصمة المجتمعية، لكننا لا ننهزم ..
ناديا والكثيرات من العزيزات لسن نساء عاديات، لم يمشين " الحيط الحيط" ويقلن " يارب الستر" خضن من المعارك الوطنية والمجتمعية ما يغني سيرتهن الذاتية في عقولنا وأرواحنا، في حين أننا كنسويات شابات نبحث عن تلك النماذج حتى لا نفقد الأمل في كفاحنا المستمر منذ عقود و إلى ما بعد الآن، فتأتي هذه السيدة لتتولى رئاسة نقابة المهندسين، بعد أن تعرضت مؤخراً للاعتداء في مظاهرات ضد مقتل نزار بنات وسابقاً لعقوبات من الاحتلال لدورها في الحفاظ على التراث المعماري الفلسطيني.
في تلك المظاهرات خرج كل حُر يؤمن أن الانسان قيمة عليا و أن لا سبيل لدينا للنجاه سوى الاحتكام لاحترام حقوق الانسان وكرامته وحقه الأصيل في الحياة، وأن لا نكون مزدوجي الفكر فنطالب المحتل بذلك و ننكفيء على انتهاك مطالبنا الذاتية داخلياً.
في تلك المظاهرات، كان بعض الأمل أن هذه دولة مدنية وأن ما يتم المطالبة به هو الحد الأدنى والأصيل لاحترام الانسان الفلسطيني، لكن تعرض المتظاهرون لعدد من الانتهاكات لا حصر لها و الجميع على علم بها، أبرزها ما طال المتظاهرات من محاولات تشويههن بشكل شخصي، ووصمهن مجتمعياً بالمشاغبات و المخربات و مزعزعات السلم الأهلى و صاحبات الاجندات الخارجية، وبعد كل هذا تنهض ناديا وزميلاتها !
هذا هو الانتصار الحقيقي، وهذا هو ما يجدر الاحتفال به، اعادة الاعتبار للنماذج النسوية وكفاحهن على المستوى الداخلي، وتصديرهن لنا نحن النسويات الشابات السائرات على ذات الطريق، واعادة الاعتبار لمفهوم التحرر الذي نسعى اليه، فهو أوسع من أن يكون تحرراً من الاحتلال فقط .. هو تحررٌ من كل أنواع الظلم والقهر والقيد والعنف أياً كان فاعله .. وهو الرغبة في العيش بكرامة وحرية لا ينتقص منها أحد بالقول أو الفعل.
ليس سهلاً على النساء أن يخضن هذه المعركة، فهن غالباً ما يخضنها وحيدات، معركة بجبهتين عريضتين من شتى أنواع الترهيب المادي والمعنوي، ولكنهن قادرات على المتابعة واكتساب شرعية التمثيل ، ما حدث هو مؤشر مهم على ما يمكن أن يكون عليه القبول المجتمعي لدور النسويات المؤمنات بكفاحهن ومطالبهن، ما يمكن أن تكونه النسوية في مناصب قيادية عليا، خاصة وأن المناصب حالياً تكاد تخلو منهن كماً وكيفاً، ليس عجزاً وإنما رغبة في اقصاءهن و تفرد شريحة محددة من الوجوه الذكورية – حتى وإن كُن نساءً- بهذه الأدوار واحتكارها.
فوز ناديا، مؤشرٌ على أن التغيير سيحدث يوماً، والتغيير كعادته بطيء، ومتعب، لكن استمرار الحراكات المجتمعية بكافة أوجهها ومطالبها ضد الفساد و الديكتاتورية أمر لا مواربة فيه، وأن النهج الحقوقي ونداء العدالة الاجتماعية هو قاعدتنا المشتركة، وهذا جوهر كفاحنا النسوي، فمحاولات الوصم و التشويه والاعتقال و التعذيب والقتل لمدافعي ومدافعات حقوق الانسان لن تنطوي على شعب يعلم من هو ظالمه وقاتله الحقيقي، وما يمنعه عن المحاسبة هو غياب الأدوات لا أكثر، وإلى أن يتم تمكيننا جميعاً بالأدوات الديمقراطية دون مراوغة وأبرزها الانتخابات العامة و انتخابات النقابات وأبرزها الصحفيين والمحامين ، حينها سيحين موعد المساءلة والمحاسبة الشعبية الأوسع على الاطلاق، أما ناديا التي أيقظت فينا بصيصاً من الأمل، سنظل نراقب مراحل تمكينها مع امنياتنا بأن لا يتم الالتفاف على هذا الاستحقاق.