عدو الإنسان الأول

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

بقلم: عبد الغني سلامة

من هو عدو الإنسان الأول؟ والذي يحصد أكبر عدد من الضحايا؟ هل هو مفترس ما؟ الأسد؟ القرش؟ فرس النهر؟ الأفاعي؟ العناكب؟ هل يتمثل في الكوارث الطبيعية؟ زلازل؟ براكين؟ أعاصير؟ أم الكوارث البشرية كالحروب والصراعات؟ والقنابل النووية؟ هل هو الجوع؟ المرض؟ المخدرات؟ التدخين؟ حوادث السيارات؟ نيزك فضائي؟ فيروس؟ هل سنحصل على إجابة صادمة وغير متوقعة؟
لنبدأ بالحيوانات؛ قد نستغرب إذا عرفنا أنّ عدد ضحايا هجمات الفيلة والدببة والثيران والجواميس الإفريقية والضباع ولدغات العقارب والنحل والنمل والعناكب لا يتجاوز المائة سنوياً. أما ضحايا هجمات الذئاب فهم أقل من ضحايا قرون الغزلان، ومع ذلك الرقم متواضع جداً. ضحايا النمور بحدود الستين شخصاً، وفي الهند لم تتجاوز جميع هجماتها المائتين، أما الأسود فتهاجم نحو 600 شخص سنوياً، بينما أفراس النهر والتماسيح تقتل نحو 500 شخص سنوياً.. ومقابل هذه الأرقام المتواضعة أمعن الإنسان قتلا في هذه الحيوانات حتى بات معظمها مهدداً بالانقراض!
وحسب أفلام هوليود، والتي شيطنت أسماك القرش فإن كل من يقترب منها تهاجمه، وتمزقه إرباً، لذا يظن البعض أن القرش هو عدو الإنسان الأول، وفي الحقيقة لا تتجاوز أعداد هجماتها على الإنسان المائة سنوياً في كافة بحار العالم، يتوفى منهم نحو عشرة أشخاص فقط! لكن الإنسان يقتل في السنة الواحدة نحو مائة مليون سمكة قرش!
لنأتِ إلى الكوارث الطبيعية؛ في آخر 120 سنة وقعت كوارث طبيعية عديدة أودت بحياة الملايين، أشدها كانت فيضانات الصين عام 1931، قُتل فيها نحو أربعة ملايين إنسان. يليها زلزلال تانغشان في الصين أيضا عام 1976 وراح ضحيته نحو 800 ألف إنسان. أما اشد الأعاصير فتكاً فكان من نصيب بنغلادش عام 1970 وراح ضحيته نحو نصف مليون إنسان. ثم إعصار بورما سنة 2008 وراح ضحيته نحو 138 ألف إنسان. أما تسونامي المحيط الهندي سنة 2004 فراح ضحيته نحو 300 ألف إنسان. بالنسبة للبراكين فأشدها فتكاً كان بركان تامبورا في الأرخبيل الإندونيسي عام 1815، وراح ضحيته 92 ألف إنسان، بينما كانت أعداد ضحايا البراكين الأخرى في حدود العشرات فقط.
أما النيازك، فقد سقط آخر نيزك على مدينة تشيليابنسك الروسية سنة 2013، وأصاب نحو 1500 شخص دون وفيات. ومع ذلك يظل خطرها قائماً، لكن احتمالية ضرب نيزك ضخم للأرض ضعيف جداً.
بالنسبة للقنابل الذرية، فلم تُستخدم سوى مرتين على يد أميركا، حين هاجمت هيروشيما وناغازاكي وأدت لمقتل 220 ألف إنسان. ومع ذلك يظل السلاح النووي خطراً كبيراً قد يؤدي إلى فناء البشرية إذا ما نشبت حرب نووية عالمية.
أما المخدرات فبحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات، بلغ عدد المتعاطين لها حول العالم نحو 250 مليون شخص، يعاني نحو 35 مليوناً من تبعات الإدمان، يموت سنوياً أقل من ألف مدمن. أما التدخين فيتسبب بنحو 6 ملايين وفاة سنوياً بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية؛ والذي أشار أيضاً إلى وفاة نحو 1.2 مليون شخص سنوياً من جراء حوادث السير، وإصابة نحو 20 مليون إصابات مختلفة. مقابل نحو 300 شخص يتوفون سنوياً من جراء حوادث تحطم الطائرات!
فيما يخص الحروب، وهي الجريمة الكبرى؛ في مجمل تاريخ الإنسان قُتل من جراء الحروب أكثر من 500 مليون إنسان، أغلب هذه الحروب وقعت في الأزمنة الماضية، مثلا بلغ عدد ضحايا غزوات التتار نحو 50 مليون قتيل، أما في الصين فبلغ عدد ضحايا التمردات والحروب الأهلية والدفاعية أكثر من مائة مليون قتيل، في حين أوقع غزو الأميركيتين نحو 34 مليون قتيل. في روسيا وأوروبا سقط نحو 25 مليون قتيل في الحروب الداخلية والدينية وبين بعضهم البعض. أما في العصر الحديث فكان عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى نحو 16 مليون قتيل، وفي الحرب العالمية الثانية نحو 60 مليون قتيل، بالإضافة لملايين آخرين قتلوا في حروب نشبت خلال القرن الماضي.
ولحسن الحظ، لم تعد الحروب كما كانت في السابق (وهذا التغيير بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين، وصار أوضح في العقدين الأخيرين)، فقد كان أحد أهم أسباب نشوب الحروب الصراع على السلطة (التمردات والانقلابات) اليوم يتم تداول السلطة عبر الانتخابات ودون قتيل واحد، كما أن القوانين الدولية، والنظام الدولي لم يعد يسمح لشعب بالاعتداء على آخر (مع استثناءات فاضحة لأميركا وإسرائيل).. لكن النتيجة الواضحة أن ضحايا الحروب مقارنة بالماضي أقل بكثير.
وحسب «نوح هراري» في كتابه «العاقل»؛ كان مجموع الوفيات في سنة 2002 في كافة أنحاء الكوكب 57 مليون إنسان، كان من بينهم 172.000 إنسان قُتلوا في الحروب، و 569.000 قُتلوا في جرائم العنف (ما مجموعه 741.000 ضحايا العنف البشري)، في المقابل انتحر 873.000 إنسان.. ما يعني أن الإنسان أكثر عرضة لقتل نفسه من أن يقتله إرهابي، أو جندي أو رجل عصابات.
وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية عن «الانتحار حول العالم في عام 2019». ووفقاً للتقديرات، في عام 2019 لقي أكثر من 700 ألف شخص حتفهم انتحاراً، أي ما يعادل وفاة واحدة من كل 100 وفاة! وهذا الرقم يتغير من سنة إلى أخرى.
ربما يكون الجوع أحد أخطر أعداء الإنسان؛ فمثلاً أودت المجاعات بحياة عشرات الملايين، وأغلبهم في الصين والهند وأفريقيا، خاصة في القرون الماضية، مع أن المجاعات الكبرى اختفت تقريباً، إلا أنه ما يزال نحو 20 ألف إنسان يموتون جوعاً كل يوم، أي بحدود السبعة ملايين إنسان سنوياً! وهو رقم مرعب بالتأكيد.
في كل الأحوال، سواء كانت الحروب، أم حوادث السيارات، أم جرائم القتل، أم حالات الانتحار هي المسؤولة عن أكبر عدد من الوفيات، يظل الإنسان هو العدو الأخطر على الإنسان، وعلى البيئة.
ولكن، بلغة الأرقام فإن الجوع هو الحاصد الأكبر لأرواح البشر.. وبلغة الأرقام أيضاً: أنفقت دول العالم نحو تريليوني دولار على الحروب والتسليح في 2019، واحتلّت أميركا صدارة حجم الإنفاق وفق معهد سيبري السويدي، فيما حلت السعودية في المرتبة الخامسة عالمياً قبل ألمانيا وفرنسا وبعد روسيا مباشرة. وهذا الرقم يفوق عشرين ضعفاً المبلغ اللازم للقضاء على مشكلة الجوع في العالم.