على الرغم من تأكيدات المراقبين بأنَّ ملف الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ليس على سلم أولويات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ إلا أنَّ إعلان الولايات المتحدة عزمها إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس من جديد، بعد إغلاقها أثناء فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، في إطار تكريس المفهوم "الإسرائيلي" للقدس؛ كعاصمة أبدية لدولة "إسرائيل"، يؤكد عودة القدس على طاولة المفاوضات؛ باعتبارها مدينة محتلة عام 1967؛ وفقًا لقرارات الدولية والقانون الدولي.
الخطوة الأمريكية، حظيت بترحيب فلسطيني، حيث أعرب رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتية، في 31 أغسطس الماضي، عن سعادته بالخطوة الأمريكية، بالقول: "ننظر إليها على أنّها السفارة الأمريكية المستقبلية في دولة فلسطينية"، كما جدّد التأكيد خلال لقائه وفد أمريكي على ضرورة الإسراع في تنفيذ الخطوة.
وفي المقابل وصفت الحكومة "الإسرائيلية، الخطوة الأمريكية " بالفكرة السيئة"، وأنَّ الأمر سيزعزع استقرارها؛ الأمر الذي لا تُريد الإدارة الأمريكية أنّ يحدث.
كما أكَّد المتحدث باسم الإدارة الأمريكية، رغم الرفض الإسرائيلي لقرار القنصلية، على نية واشنطن الوفاء بالتعهد الذي قدمه وزير الخارجية أنطوني بلينكين للفلسطينيين، بإعادة فتح القنصلية؛ الأمر الذي سيساهم في تسهيلات للفلسطينيين بالقدس.
أهمية رمزية وسياسية
من جهته، قال الخبير السياسي والكاتب الفلسطيني، عبد المجيد سويلم: "إنَّ الخطوة الأمريكية لها أهمية سياسية ورمزية"، لافتاً إلى ضرورة تعامل الفلسطينيين بإيجابية مع موقف إدارة بايدن من القدس، دون التخلي عن الموقف الواضح والصريح بأنَّ القدس الشرقية- إذا كنا ذاهبين لحل- أنها العاصمة دولة فلسطين.
وأضاف سويلم في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "باعتبارها جزء لا يتجزأ من الأراضي التي احتلت عام 1967؛ وبالتالي ينطبق عليها ما ينطبق على الأرض الفلسطينية وكذلك العربية المحتلة في الجولان القانون الدولي، وهذا هو السلاح الأمضى في يد الفلسطينيين لمواجهة المحاولات الإسرائيلية لتكريس مفهومها باعتبار القدس عاصمة أبدية لها".
وأشار إلى أنَّ الخطوة كبيرة جدًا؛ بالمقارنة مع الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة الرئيس دونالد ترمب، التي حاولت بطريقة أو بأخرى حسم مسألة القدس لصالح المفهوم "الإسرائيلي"، بمعنى أنّ تكون القدس تحت سيادة الاحتلال بالكامل
قضية القدس لم تُحسم بعد
وتابع: "إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، بالإضافة إلى "البعد الرمزي"، هو موقف أمريكي يقول إنَّ القدس لم تُحسم ولن تُحسم بهذه الطريقة، بل سيتم نقاش موضوع القدس في إطار ما تؤمن به الإدارة الأمريكية والتي أعلنت عنه والمتمثل في تجديد الإيمان بحل الدولتين، لكنّ الحل المتفاوض عليه وهو يُعتبر تعزيزاً للموقف الفلسطيني، حتى وإنّ لم تكن الإدارة الأمريكية تُفصح بالكامل عن نيتها تقديم حلول محددة حول حل الدولتين".
واستدرك: "هذه الخطوة تعني بكل بساطة أنَّ إسرائيل لا تستطيع وفق واقع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الحالية، أنّ تُقرر في مسألة القدس وكأنها انتهت أو كأن ما تم تكريسه في عهد ترمب ما زال المقياس والمعيار الوحيد للحل".
وبدأ التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في القدس عام 1844 عندما عين الرئيس الأمريكي جون تايلر أول قنصل للولايات المتحدة الأمريكية في القدس لتولي مسؤولية العلاقات الفلسطينية-الأمريكية.
ومباشرةً بعد افتتاح الولايات المتحدة الأمريكية سفارة لها في تل أبيب، نهاية الستينيات تم الفصل بين عمل السفارة والقنصلية الأمريكية العامة في القدس.
وتعمل القنصلية الأمريكية في القدس بصورة منفصلة عن السفارة الأمريكية؛ إذ ترفع تقاريرها مباشرة إلى وزارة الخارجية الأمريكية دون الحاجة للمرور من خلال السفارة، كما هو الحال في القنصليات الأخرى في العالم.
وأدى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بإنهاء حقبة من التاريخ بدأت عمليا في عام 1844 للتوقف في 2019.
تكريس لمفهوم الشرعية الدولية بشأن القدس
وبشأن إمكانية البناء على الخطوة الأمريكية بشأن القدس، قال سويلم: "إنّه يُمكن البناء على هذه الخطوة، ولكن ليس بمعزل عما يمكن أنّ نُقدم عليه من خطوات على صعيد توحيد الحالة الفلسطينية وحشد الدعم العربي للموقف الفلسطيني، والحركة الدبلوماسية النشطة الفعالة مع المجتمع الدولي".
وأردف: "إذا كانت المسألة تتعلق بالمبدأ، نستطيع البناء عليها؛ لأنّه في نهاية المطاف يُكرس مفهوم الشرعية الدولية والقانون الدولي؛ ولكنّ الأهم أنّ يكون الوضع الفلسطيني قابلاً للضغط والتطور والاشتباك الفعال مع المجتمع الدولي ومتماسكًا مع المجتمع الدولي وقادر على حشد الطاقات على المستوى الإقليمي والدولي".
وعن سُبل تعزيز الحراك الدبلوماسي في المنطقة للخطوة الأمريكية بالقدس، قال سويلم: "إنَّ هناك حراك محموم في المنطقة لم يكن ليأتي لولا أنّ الإدارة الأمريكية بدأت تشير إلى مراكز صنع القرار في المنطقة بمسار سياسي يجب التمهيد له ومن بينه تحسين الأوضاع الاقتصادية ودعم السلطة الفلسطينية وتعزيز مكانتها ودورها".
وأكمل حديثه: "إنَّ الإدارة الأمريكية تعمل على جبهتين، الأولى بدأنا نلاحظها من خلال لقاء الرئيس محمود عباس مع غانتس ببعض المؤشرات على صعيد غزّة، والكثير من الخطوات التي تعتبر بكل المقاييس بداية تخفيف الحصار عن غزّة وإنّ كنا نطمح إلى الكثير منه بعد ذلك".
واستطرد: "الواضح المسار الاقتصادي، أنَّ هناك حراك سياسي حقيقي، وإيحاء أمريكي لكل الأطراف بتعزيز هذه الصورة"، مُشيراً إلى أنَّ الإدارة الأمريكية بدأت تُشير إلى مصادر القرار في المنطقة؛ خصوصًا الشقيقتين الكبرى والصغرى مصر والأردن.
وقال: "أعتقد أنَّ الرئيس أبو مازن سيذهب إلى الأمم المتحدة مُسلحًا بموقف عربي قاعدته الصلبة الأردن ومصر والعالم العربي، ولا أستبعد أنّ يتم عقد قمم مصغرة ومتوسطة وكبيرة ومصغرة من أجل تبني موقف عربي واحد يذهب للإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي بموقف موحد".
وعي القيادة لمطب الحل السياسي
وعن تعزيز الإدارة الأمريكية الحل الاقتصادي على حساب السياسي للصراع الإسرائيلي العربي، أوضح سويلم، أنَّ هذه المسالة لن تمر على القيادة الفلسطينية الواعية، ولن تقع في مطب الحل الاقتصادي على حساب السياسي.
واعتقد أنَّ الوعي الفلسطيني والعربي ينصب على عدم إبقاء الحل في الإطار الاقتصادي، وضرورة أنّ يكون هناك أفق سياسي واضح لهذه الخطوات.
وفي سؤاله عن كيفية إصلاح الإدارة الأمريكية الضرر الذي أحدثه الإدارة السابقة في القدس، قال سويلم: "يتم ذلك ولكن ليس بصورة علنية وواضحة وببيان رسمي، حيث إنَّ المسألة ستتركز على إنهاء المفهوم الإسرائيلي بشأن القدس، فعليًا وواقعياً".
وختم سويلم حديثه، بالقول: "إنَّ الإدارة الأمريكية ستصلح الضرر من خلال تبني سياسة تُعارض هذا التوجه الذي أقدم عليه ترامب واستخدمه نتنياهو بذكاء شديد؛ لتسويق نفسه ومحاولة تجاوز الحقوق الوطنية وتطبيع العلاقات مع العالم العربي على حساب الفلسطينيين وقضاياهم وحقوقهم".