_خبر_كتب: نبيل عمرو
لا يعيب الفلسطينيين أن يناوروا، بل إن العمل السياسي أساساً هو سلسلة مناورات تنجح المتقنة منها، وتتحول المرتجلة إلى عكسها، ونظراً لقوة العدالة في قضيتنا، وضعف الأوراق المادية التي نمتلكها وفق موازين القوى، فقد لجأنا إلى المناورة طيلة سنوات كفاحنا الوطني الطويلة والمؤلمة، ناورنا طويلاً لنحتفظ بوجودنا على الساحات العربية، وناورنا كثيراً للدخول في المعادلات السياسية التي كانت موصدة في وجهنا على مدى عقود طويلة، وناورنا على العرب ومع العرب لتفادي اتخاذ مواقف مكلفة وباهظة الثمن.
إلا أن لجوءنا للمناورة بهذا القدر، حتى أضحت سمة من سمات عملنا السياسي، لم يعد يصلح كثيراً في هذا الزمن، بل إنه يؤدي إذا ما أغرقنا أنفسنا فيه إلى أخطر ما تتعرض له أي قيادة سياسية، حين لا تحقق المناورة أهدافها، وأعني بذلك تآكل المصداقية حد فقدان الثقة، وفي واقعنا الفلسطيني، فإن الثقة والمصداقية هما الرصيد الأهم في العلاقة مع الجماهير، إذ بدونهما لا أمل أن يكون لنا عمق جماهيري في أي مستوى. لا أريد أن أغوص في إيراد قرائن عملية على ما أقول، فهي كثيرة ومعروفة تماماً لدى الناس، الذين تابعوا حكاياتنا مع المفاوضات والانتخابات والمصالحة والاستيطان.... إلى آخر العناويين الكثيرة في هذا المجال، إلا أن التوقف عند قرارات المجلس المركزي الأخير التي ومنذ أن صدرت وربما إلى ما لا نهاية، والاجتهادات في تحليلها وتفسيرها، متباينة إن لم أقل متناقضة، من قبل الذين اتخذوها وصفقوا حتى إلتهبت أكفهم من شدة الحماسة، فهنالك من وصفها بالتوصية، وهنالك من اعتبرها قرارات ولكنها غير ملزمة، وهنالك من قال إن تنفيذها مؤجل إلى ما بعد ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وهنالك من قال إنها نفذت بالفعل منذ اللحظة التي صدرت فيها، وهذه الطريقة في التعاطي مع قرارات يفترض أن تكون هامة إن لم أقل مصيرية، من شأنها أن تؤدي إلى نتيجتين مأساويتين، الأولى فقدان المصداقية أو ما تبقى منها عند الجمهور، أو بتعبير أدق عند القلة التي ما تزال تتابع هذا النوع من القرارات، والثانية تنصيب الناطق الإسرائيلي ليكون صاحب القول الفصل في هذا الشأن، فبعد هذه الفوضى والتصريحات المتناقضة من جانبنا، حسم الإسرائيليون الأمر بكلمة واحدة.... أن التنسيق ما يزال مستمراً.
إن أمراً حيويا ومهماً كهذا لا يجوز أن يتم التعاطي معه بهذه الصورة من الارتجال والتناقض، لا قبل اتخاذ القرار ولا بعد إعلانه، وفي أي مؤسسة تحترم دورها وجمهورها، يفترض أن يكون قد سبق إعلان القرار نقاش معمق حول مزاياه وأعبائه، ذلك أن قراراً كهذا وإن كان مطلبا للأغلبية بفعل سوء تقديم حكاية التنسيق الأمني من الأساس، إلا أنه لابد وأن يرتب على الفلسطينيين أعباءً إضافية يتضاعف تأثيرها السلبي، حين يُفاجئ الناس بها وحين لا توضع ترتيبات مسبقة للتقليل من أذاها. إن المجلس المركزي الذي أُعلن القرار باسمه، لم يناقش هذا الجانب لا قبل انعقاد المجلس ولا أثنائه، وإذا كان من حق أي مؤسسة قيادية أن تتخذ القرارات المفترض أنها لمصلحة الشعب والقضية، فليس من حق هذه المؤسسة ألا تدرس آثار القرار وأن تضع الحلول التي تخفف من سلبياته وتضاعف من ايجابياته. إن هذا الأمر الحيوي بالذات، لم يحدث لا على صعيد مؤسسة المجلس ولا على أي صعيد آخر، وهنا يصدق القول "إن لم تكن المناورة متقنة فالمضمون الوحيد أن تكون نتائجها عكسية".