تقليص الصراع وغانتس في رام الله: الشعوب مثل الدول عبيد لمصالحها ….

d982a2b34f22b4d0cdf1829bbc828c9b.jpg
حجم الخط

بقلم: د. دلال صائب عريقات


سوف نتناول بعض ما تم الاعلان عنه تحت مسمى خطوات بناء الثقة ونرى تداعياتها على المشروع الوطني، الخطوات التي تم الاعلان عنها تشمل:-
أولاً: ملف لم الشمل: تم النقاش مع الحكومة الاسرائيلية على منح خمسة آلاف لم شمل للعائلات الفلسطينية. هذا ملف حساس وهام جداً بالنسبة لعشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين المقيمين داخل فلسطين وخارجها ممن يحلمون بالتوطين، وهذا يعتبر أهم إنجاز بالنسبة لهم، ولكن علينا كفلسطينيين ألا نغفل أن هذه ورقة ضغط أخرى تملكها اسرائيل، الوضع الطبيعي أن تملك الدولة الفلسطينية كامل الحق في توطين وتجنيس مواطنيها المقيمين على الأرض، إسرائيل حريصة جداً على عدم الحديث عن حق العودة وعدم التطرق له، نتمنى ان تكون هذه خطوة ضمن خطة عمل لا تتغاضى عن حق أكثر من ٦ ملايين فلسطيني بالعودة والتوطين.

ثانياً: بالنسبة لإعادة نصف الأموال العالقة، تم الحديث مع الحكومه الاسرائيلية على إعادة نصف مليار شيكل من أموال الفلسطينيين المحتجزة كدفعة أولى. لقد حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط قبل أيام من أن السلطة الفلسطينية تواجه انهيارًا اقتصاديًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى قرار إسرائيل اقتطاع أموال من عائدات الضرائب التي تحولها إلى السلطة الفلسطينية. لاحقاً أعلن غانتس أن إسرائيل وافقت على إقراض السلطة الفلسطينية 500 مليون شيكل (156 مليون دولار). وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه بعد اندلاع وباء الكورونا بوقت قصير، وعدت إسرائيل أيضًا بمساعدة السلطة الفلسطينية من خلال منحها منحة قدرها 800 مليون شيكل، لكنها لم تفعل ذلك أبدًا. الدبلوماسية القسرية تطبق بامتياز، فمن ناحية تقتطع إسرائيل الأموال من التحويلات الضريبية الفلسطينية بسبب الضغط الشعبي على مدفوعات السلطة الفلسطينية للأسرى الفلسطينيين، ومن ناحية أخرى، تضطر إلى تقديم المنح والقروض لمنع انهيار السلطة الفلسطينية. مرة أخرى لا نقلل من أهمية استرداد هذا الجزء من الأموال، ولكن علينا ألا نغفل أن الأساس أن هذه الاموال هي حقوق للفلسطينيين وليست منحا تقدمها دولة الاحتلال. لقد نصت الاتفاقيات الموقعة على إعادة هذه الأموال للفلسطينيين بعد جبايتها، ولكن إسرائيل تستغل هذا الملف كورقة للضغط.
ثالثاً: فيما يتعلق بملف مناطق “ج”، الدبلوماسية القسرية تطبق بامتياز أيضاً في هذا الجانب، نسمع عن نية اسرائيل السماح للفلسطينين ببناء 3500 بيت في مناطق “ج” ويحاول بينيت تقديم هذا الطرح كخطوة في اتجاه بناء الثقة، ولكن بذات الوقت يقوم بترخيص٢٢٠٠ وحدة استيطانية جديدة. من غير المقبول ان يساوي العالم بين حق شرعي فلسطيني للبناء في مناطق “ج”، وبين سياسة استعمارية كولونيالية تخالف القانون ومرجعيات محادثات السلام وقرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن ٢٣٣٤…. وجب التذكير هنا بصدور أمر عسكري رقم ١٧٩٧ في أيار ٢٠١٨، يسمح بهدم أي مبنى فلسطيني يقام في مناطق “ج” خلال ٩٦ ساعة من إنشائه، أتساءل هل تم نقض هذا الأمر العسكري ؟! بالتأكيد لا، إذاً إسرائيل تراوغ وتحاول الالتفاف والدوران حول الحقائق المُرّة المفروضة على الأرض وتقديم هكذا مقترحات لتظهر أمام العالم والوسيط الامريكي بأنها تقدم خطوات لبناء الثقة تمهيداً للتسوية السياسية، وفي الواقع هي مستمرة في سياسة التهويد والضم.
وتم الإعلان عن تفاهمات مع الحكومة الاسرائيلية لتعديل عدة بنود من اتفاق باريس الاقتصادي خدمة للتاجر والمواطن الفلسطيني والاتفاق على توفير خدمة 4G للانترنت قريباً.
لا نقلل من شأن هذه التفاهمات، ولكن رئيس الحكومة نفتالي بينيت واضح وضوح الشمس انه لا يملك نية لمسار سياسي ولا رؤية لحل الدولتين. لا نقلل من أهمية خطوات بناء الثقة فهي مهمة جداً خاصة على المستوى الانساني وضرورة تحسين اوضاع الناس المعيشية المدنية الاقتصادية والاجتماعية ولكن الموقف الاسرائيلي بات واضحاً تحت مظلة “تقليص الصراع”، وعليه تسعى الحكومة الاسرائيلية لتحسين الاوضاع المعيشية للمواطن الفلسطيني مما يتطلب تنسيقا أمنيا وثيقا وخطوات تخفف من المشاكل الاقتصادية التي تعانيها السلطة لضمان استدامتها.
هناك مجموعة نقاط لا نستطيع المرور عنها

  • بدلاً من البدء بإنهاء الاحتلال والنقاش في ملفات الوضع النهائي من مياه ولاجئين وأسرى وحدود، ها نحن نشهد الخوض والتشتت في تفاصيل تتعلق بمصالح يومية إنسانية على حساب المصالح الوطنية والتحررية.
  • وفقًا للقانون الإسرائيلي وقرارات الحكومة الاسرائيلية، فإن أي مصادقة او ترويج للبناء في المستوطنات يتطلب موافقة مسبقة ممن يطلق عليه وزير الدفاع، اي وزير الجيش وهو بيني غانتس، الذي توجه الى رام الله على رأس إجراءات بناء الثقة، غانتس الذي يقود الجانب الاسرائيلي في ملف خطوات الثقة هو نفس الشخص الذي يُصادق على بناء المستوطنات.
  • الحكومة الاسرائيلية واضحة في سعيها للحفاظ على التنسيق الأمني وتمكين السلطة اقتصادياً. صراحة المواقف الاسرائيلية لا سابق لها، واضحين جداً لا للدولة الفلسطينية، فقط تحسين أوضاع، وصراحة موقف حول استمرار المشروع الكولونيالي الاستيطاني التدريجي.
  • لا نقلل من أهمية تناول الملفات من جانب مدني، اقتصادي وانساني ولكن المسار السياسي يجب أن يكون الأساس، وإلا فهذا يهدد المشروع الوطني.
  • وجب التنويه أنه عندما توقفت المفاوضات قبل عشرة أعوام تقريباً، كان الخلاف على عدد الأسرى المنوي إطلاق سراحهم، وهي الدفعة الرابعة التي لم يلتزم نتنياهو بتنفيذ إطلاق سراحها، اليوم سقف التوقعات لم يبدأ عند النقطة التي انتهينا عندها.
  • كل هذه الخطوات والتفاصيل المتعلقة ببناء الثقة تدرج تحت مُسمى حاجات وليس حقوق وهذه حقيقة يجب ألا نقلل من أهميتها، الإرباك والخلط بين مصطلحي الحقوق والاحتياجات مرفوض!

لقد كان دخول منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام على أساس حل الدوليتين على حدود ١٩٦٧ بمثابة تنازل وليس موقف، وها نحن اليوم نشهد عدم قبول إسرائيل بكل هذه التنازلات بينما يقف العالم أجمع مُتفرجاً مُنشداً لحل الدولتين.
بينما يحلم الفلسطينيون بإنهاء الاحتلال وتحقيق الدولة المستقلة ووقف الاستيطان ورفع الحصار عن غزة وتحرير الأسرى والإفراج عن جثامين الشهداء المحتجزة، تسعى الحكومة الاسرائيلية لحماية أمنها واستدامة الوضع الراهن وتمكين المشروع الكولونيالي الاستيطاني من خلال تحسين الوضع المعيشي الانساني، وتغليب المصالح على المبادىء، والشعوب تماماً مثل الدول عبيد لمصالحها، هذه هي رؤية “تقليص الصراع”.

  • دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.