حراك إقليمي نشط: ما هي حدود التوقعات؟

اشرف-العجرمي.jpeg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

بدأنا نلمس في الآونة الأخيرة حراكاً إقليمياً نشطاً يشير إلى بداية تغيّر في المنطقة. وقد تم تدشين هذا الحراك بلقاء قمة عقد بين الرئيس محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في نهاية حزيران الماضي، عشية زيارة الملك للولايات المتحدة الأميركية ولقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن باعتباره أول زعيم عربي يلتقي بايدن. وكان هدف هذا اللقاء تنسيق المواقف الفلسطينية - الأردنية بخصوص ماذا نريد من الإدارة الأميركية الجديدة. تلاه لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس مع الرئيس أبو مازن في المقاطعة بُعيد زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت لواشنطن ولقاء القمة الأول الذي يعقده بينيت مع رئيس أميركي، وقد تناول اللقاء مع غانتس العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية من مختلف جوانبها. ثم حصل لقاء القمة الثلاثي في بداية هذا الشهر والذي ضم كلاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني والرئيس عباس. والذي يحتل أهمية بالغة خاصة فيما يتعلق بتوحيد المواقف العربية الرئيسية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، خاصة أن الرئيس السيسي يستعد لزيارة الولايات المتحدة، كما يستعد قبلها للقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيت في شرم الشيخ حيث دعي الأخير إلى مصر في زيارة هي الأولى من نوعها منذ العام 2010.
اللقاء الفلسطيني - الإسرائيلي أثار لغطاً كبيراً في الساحة الإسرائيلية بين مؤيدي رئيس الحكومة الذين يريدون التركيز فقط على الأمور الحياتية والتنسيق بين الجانبين، خاصة في المجال الأمني، وبين مؤيدي غانتس وقطاع واسع من الإسرائيليين الذين يريدون حدوث تغيير ملموس في العلاقة بين الجانبين بما في ذلك إمكانية فتح أفق سياسي على الرغم من قيود الائتلاف الحكومي. ولكن اللقاء بحد ذاته يعتبر تطوراً سياسياً بعد سنوات من الجمود ومحاولات إسرائيلية محمومة للمسّ بمكانة السلطة الفلسطينية وإضعافها. وربما يكون هذا اللقاء هو المحفز للقاء القمة الثلاثي وأيضاً للقاء الرئيس السيسي مع بينيت. فالقمة الثلاثية ركزت على أهمية عودة الملف الفلسطيني إلى مركز الاهتمام الدولي وضرورة البحث في دفع العملية السياسية. والعقبة الرئيسية هنا هي في الموقف الإسرائيلي. حيث ترغب القاهرة وعمّان في تعزيز الموقف الفلسطيني الرسمي وأيضاً معالجة القضايا والهموم الفلسطينية، ومنها الوضع المتوتر في قطاع غزة الذي يحتاج إلى هدنة طويلة الأمد وإعادة إعمار ورفع الحصار على وجه السرعة.
التحضيرات التي تجري بين إسرائيل ومصر للقاء القمة المرتقب في شرم الشيخ تشير إلى وجود خلافات حول الأجندة. ففي الوقت الذي تركز فيه إسرائيل على القضايا الثنائية، خاصة الأمن في سيناء، وموضوع قطاع غزة بما في ذلك محاولة السعي لإقناع مصر بتشديد الرقابة على المواد التي تدخل قطاع غزة عبر مصر، خاصة ما تقول إسرائيل: إنها مزدوجة الاستخدام، تريد مصر بحث الملف السياسي برمته، وتركز على أهمية تقوية السلطة الفلسطينية وتطوير العلاقات معها، والبحث في قضايا سياسية ربما تطرح مصر في إطارها خطة للتحرك السياسي، حتى وإن كانت الحكومة الإسرائيلية في غير وارد البحث عميقاً في هذا الملف الشائك الذي قد يفضي إلى سقوط الحكومة سريعاً.
في الواقع هناك معطيات جديدة للحراك في المنطقة تتعلق أساساً بدور كل من الأردن ومصر في الملف الأميركي بالتوافق مع إدارة الرئيس بايدن. فيبدو أن كلتا الدولتين ستلعب دوراً محورياً في جهود إعادة ترتيب الوضع في المنطقة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أم في قطاع غزة. وهذا يتطلب تطوير العلاقة مع الشقيقتين إلى المستوى الإستراتيجي الدائم وليس مجرد التنسيق الموسمي. والأمر الآخر المهم هو دعم الولايات المتحدة لهذا الدور المصري والأردني، وقبول إسرائيل المبدئي له حتى لو كانت هناك خلافات حول مستوى البحث في القضية السياسية، خاصة في ظل رفض رئيس الحكومة بينيت لقاء الرئيس عباس.
وحتى لا نصاب بخيبة أمل من الحراك الإقليمي، لا بد من الواقعية في النظر إلى مخرجاته وما يمكن أن يفضي إليه. فليس وارداً على الأقل في هذه المرحلة حدوث اختراق سياسي حقيقي في أي ملف من ملفات الصراع. الشيء الذي سيتم التركيز عليه أكثر من الأمور الأخرى هو تعزيز وضع السلطة الوطنية وتقويتها في مقابل إضعاف حركة "حماس"، وتحسين شروط الحياة الاقتصادية للمواطنين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة شريطة الحفاظ على الأمن. فكل ما تم الاتفاق عليه مع الإسرائيليين لا يتعدى هذا الهدف، والنقاش حول الوضع في غزة يندرج في نفس الإطار.
وحتى نستفيد من هذا الحراك الإقليمي إلى أقصى درجة ممكنة ينبغي التخطيط جيداً لهذا التطور، وألا تقتصر مطالبنا وهمومنا على ما تسمح به الأوضاع الإسرائيلية في ظل حكومة بينيت – لابيد. فالتفكير الفلسطيني من المفروض أن يركز على أهمية تعزيز مؤسسات دولة فلسطين وسيطرتها على أوسع مناطق فيها، ولا شك أن مناطق (ج) هي العنوان لهذا التوجه. كما يتوجب كذلك ألا نقع في فخ معادلة تقوية السلطة على حساب "حماس"، فالأخيرة جزء مهم من النسيج الفلسطيني والمطلوب البحث في دمجها في الإطار الوطني الجامع على قاعدة الوحدة الوطنية الكاملة. فلا مستقبل لفلسطين دون استعادة غزة، وهذا لا يتم دون التوافق مع "حماس".