ظاهراً، لا نملك أسباباً كثيرة لنكون متفائلين مع حلول السنة الجديدة. ثمة خطة مرتبة ومبيتة ولا أثر لها، تتحقق اليوم أمامنا. قبل سنتين، عندما انطلقت على الدرب، كان من الصعب أن نصدق هذا أو يحصل، ولكن حصل ويحصل: ما بدأ في التهجم على الشرطة، يواصل التهجم على النيابة العامة المرافقة، بل تهجم على النائب العام للدولة والنيابة بشكل عام، ووصل بهجومه إلى المستشار القانوني للحكومة، وانتقل بعد ذلك إلى جهاز القضاء، ولم يعد يعفي جيش الدفاع الإسرائيلي الآن.
يفعلون الآن بمقاتلي وضباط الجيش الإسرائيلي ما فعلوه للجميع: نزع الشرعية، ونشر الأنباء الملفقة، والتدحرج المنفلت العقال، والشقاق الداخلي. هذه خطوة واسعة، استراتيجية، تشمل كل السلطات: تقويض جارف لكل مؤسسات الدولة، ونشر نشاط لكل الفروع التي نجلس معاً عليها. تخريب مقصود للأقانيم التي تقف عليها الرسمية الإسرائيلية، والتي قاتل في سبيلها آباؤنا وأجدادنا.
بيبيون يأتون لإثارة الخواطر في الجنازة، فيضطر قائد المنطقة الجنوبية لإخراجهم منها برفقة أفراد شرطة الوحدة الخاصة “يسم”. مقاتلون يخرجون ضد الضباط، ومتظاهرون يهتفون بأن رئيس الوزراء خائن وينشرون إعلاناً يظهر فيه بيدين ملطختين بدماء المقاتل. الأرض تهتز. هذه الأنباء الملفقة يجب أن تتفجر. تحقيق الجيش الإسرائيلي نشر الآن. ولكن المبعوثين على حالهم، وهذا يتضمن نواباً محترمين ظاهراً، لا يخجلون من التخريب على مصداقية الجيش الإسرائيلي ونشر أكاذيب تامة تقول إن الضباط يبعثون بالجنود إلى حتفهم، وأن الجنود يتركون لمصيرهم من قبل قادتهم وغيرها وغيرها. الحقيقة تلوح فوق كل هذا الهراء، وهي واضحة: لم يصدر أمر من القيادة السياسية لتغيير السياسة على الجدار في غزة، بل العكس هو الصحيح: في الحادثة التي قتل فيها برئيل، أطلق قناصو الجيش الإسرائيلي 43 رصاصة وأصابوا 35 فلسطينياً، كان بينهم قتيلان. برئيل نفسه، هذا الذي “أعدم” على حد قول مراسل عسكري متحمس، أصاب خمسة فلسطينيين قبل أن يُقتل من مسدس من مسافة قصيرة.
وكأن هذه هي الحادثة الأولى التي يقتل فيها جندي، وكأنها المرة الأولى التي يرتكب فيها خطأ تكتيكي في الميدان يؤدي إلى فقدان حياة إنسان، وكأنه لم يختطف من تحت الأنف جنود، ولم ينفذ تأكيد قتل لمقاتلين سقطوا في ظروف صعبة في الماضي. وكأن سياسة “الاحتواء” بدأها الجيش أول أمس، وكأن العوائق والأسوار بنيت حول القطاع الأسبوع الماضي.
لن تجدوا في تاريخ الجيش الإسرائيلي معركة واحدة، واحدة!! لم تقع في أخطاء تكتيكية من هذا النوع. هكذا هو الحال في الحروب. جنود الجيش الإسرائيلي لا يغتالون ولا يعدمون. جنود الجيش الإسرائيلي يسقطون ذوداً عن الشعب والدولة. أرئيل حدارية شموئيلي، الرجل، بطل إسرائيل، سقط في المعركة. كل من يقول شيئاً آخر يكذب. هناك من يكذب ببراءة، وهناك من يرسلون للكذب ولمواصلة إذابة النسغ الذي يوحدنا هنا في شعب واحد.
حزب المعارضة الرئيس، الأكبر في الكنيست، يبث الفوضى. الحركة الوطنية – الليبرالية فقدت الجناح الليبرالي منذ زمن بعيد، وقامت الآن على القضية الوطنية. لم يسبق في تاريخ دولة إسرائيل أن حزب المعارضة الرئيس لا يعترف بشرعية حكومة نالت ثقة الكنيست حسب النظام والقانون. حزب منذ قليل عرض على نفتالي بينيت أن يكون رئيس وزراء أول في التناوب، يدعي الآن بأن وجود رئيس وزراء أول في التناوب هو فعل خدعة، وغش، وسرقة حكم وعقل. إضافة إلى ذلك: هؤلاء الفوضويون يعملون ضد قرارات هم أنفسهم بلوروها، ضد مشاريع قوانين هم وضعوها، وضد إصلاحات خُطط لها في عهدهم.
الذروة هي تمديد أمر الطوارئ في موضوع لم شمل العائلات الفلسطينية في إسرائيل. فالبيبيون يصرخون في الأسابيع الأخيرة على القصور العظيم الذي طرأ في إطاره ارتفاع كبير لطلب الفلسطينيين لم شمل العائلات في إسرائيل، منذ سقط مشروع القانون لتمديد أمر الساعة الذي يمنع ذلك. وكأنهم ليسوا هم أنفسهم، أي نواب الليكود، من عرقلوا تمديد أمر الساعة. الابن الذي قتل أبويه يشكو اليتم، والعالم يسكت.
وبعد كل ما قيل أعلاه، لا يوجد ما يدعو إلى الاكتئاب. قد نتخذ التفاؤل الحذر. الأسوأ، على ما يبدو، بات خلفنا. خطوة واحدة كانت تفصل بين إسرائيل والانزلاق إلى التفكك التام، ولكن حصلت معجزة ونجونا في اللحظة الأخيرة. الصراع ضد الموجة الرابعة من كورونا يعطي ثماره، والأعياد ستمر بلا إغلاق، وسنة التعليم بدأت كما كان مخططاً لها، والتطعيم الثالث ينقذ الحياة، والأغلبية الساحقة من الإسرائيليين يعربون عن الثقة به. هذا ليس كل شيء: إذا لم يحصل شيء مفاجئ، فسيكون لإسرائيل ميزانية دولة بعد شهرين. نعم نعم، ميزانية حقيقية مع إصلاحيات، مع خطط حكومية، مع إضافات مهمة للصحة، والرفاه، والناجين من الكارثة، ميزانية غير كاملة الأوصاف تتضمن عللاً، وفيها نواقص، ولكنها ميزانية. من يصدق أننا سنحظى بهذا في حياتنا.
ولكن البشرى الأهم والأكثر تفاؤلاً برأيي، هي قيام الحكومة الحالية. لا أدرى بعد ماذا ستكون عليه نهايتها، ليس لدي فكرة كم من الوقت ستبقى، من الصعب التخمين أين تقاد الدولة، ولكن سأكتفي بالقليل: من كان يتنبأ أن نفتالي بينيت، وجدعون ساعر، وأفيغدور ليبرمان، وآييلت شكيد، وزئيف الكين ورفاقهم سيجلسون في حكومة واحدة مع ميراف ميخائيلي، ونيتسان هوروفيتس، وتمار زندبرغ، وابتسام مراعنة، كان سيؤخذ بالنظر في سواء العقل. أضيفوا إلى هذا “راعم” منصور عباس، حينئذ ستكتشفون آخرة رائعة، غير متوقعة، لا يمكن فهمها.
هذه الحكومة لا تحتاج لاختراع الدولاب من جديد، ولن تصنع السلام، ولنصلّ ألا تضطر إلى الخروج إلى حرب. ولن تجند الحريديم ولن تحل مشاكل الوضع الراهن العتيقة. ولكنها تثبت، حالياً على الأقل، بأن الخصوم الأيديولوجيين المريرين قادرون على أن يتخلوا عن جزء من تطلعاتهم من أجل الدولة. نعم، حالياً هذا ينجح. هذا رائع، هذا يبعث الأمل، هذا يبدد سحب الروح الشريرة التي تواصل الحوم في داخلنا.
في السنة القادمة ينبغي عمل كل شيء كي تنجح هذه الرؤيا، وكي يتغلب المشترك على المفرق. لا، لا أعرف ماذا سيحصل. نعم، أعرف ما آمل أن يحصل، آمل أن نتوقف عن تفكيك الإطار الذي يجمعنا هنا معاً، ونبدأ ببنائه من جديد. اليوم، لأول مرة منذ زمن بعيد يبدو هذا على الأقل ممكناً. سنة طيبة.