(أوسلو) تجربة سياسية تقطعت بها السبل قبل أن تثمر، فقد كشفت سريعاً عن الخلل البنيوي في تركيبة مجتمعنا الفلسطيني، وعن الفروق الجوهرية بين نمط العيش في الأرض المحتلة وبين من عاشوا في الشتات، ودللت بوضوح على حجم الانقسام في المواقف والبرامج الوطنية، فالانقسام لم يكن وليد أوسلو؛ بل تعبير آخر عن تناقض المشاريع.
حملت (أوسلو) أملاً لجيلٍ كاملٍ من الشباب الفلسطيني الخارج لتوّه من تجربة انتفاضة الحجارة التي أنهكته، وحاولت تقديم مشروع الكيانية التي سبقته بعشرين عاماً، وتحديداً الدورة (12) للمجلس الوطني، لكنها أخفقت في الكشف عن وسائل ضغطٍ مناسبةٍ لإجبار الاحتلال على تنفيذ التزاماته.
(أوسلو) تذكرنا بمساراتٍ ثلاثةٍ بُنيت عليها: إطار سياسي لحلٍ دائمٍ يتواءم مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالصراع، ونموذج اقتصادي غير متحرر من قيود الاحتلال، ومسار أمني يمهّد للتعايش بين دولتين لشعبين، ومع مرور الوقت، وتشكّل طبقة سياسية فلسطينية ابتهجت بالامتيازات وتعزيز المصالح الشخصية وتطوير نموذج حكم بوليسي، قُتل المسار السياسي، وتعززت التبعية لاقتصاد الاحتلال، وبقي المسار الأمني، وفق مبدأ (الأمن مقابل المقاصة)، بديلاً عن مبدأ (الأرض مقابل السلام).
بعد كل هذه السنوات، تطرق ذكرى (أوسلو) بابنا ونحن نعيش انقساماً وطنياً وفصائلياً غير مسبوق، ويكافح غالبية شعبنا من أجل لقمة عيشٍ مغمسةٍ بمرارة الاشتراطات السياسية، ويتجول ساستنا في العواصم بمنطق التسول السياسي والمالي، وينعدم الأفق أمام شبابنا الذي لم يعد يفكّر في شيء أكثر من تفكيره بالهجرة.
البديل عن كل هذا الذي نحياه من وجع، هو أن نستعيد روح الكفاح عبر بوابة الوحدة، وأن يتركز جهدنا في برنامجٍ يجمعنا، وأن ننخرط في بناء نموذجٍ لإدارة الحكم أساسه النزاهة والشفافية وفصل السلطات وتكريس سيادة القانون، لعلنا بعد كل هذا نغادر مربع العجز والهوان وننطلق نحو مستقبلٍ قد يعيد لنا حلماً قتلناه بأيدينا قبل أن تجهز عليه سهام الأعداء.