خوف إسرائيل من المدرسة الفلسطينية

حجم الخط

بقلم أنطوان شلحت 

 

عنوان هذا المقال مُستوحى من تقرير جديد صدر عن جمعية ريجافيم، الإسرائيلية، والتي تُعرّف نفسها بأنها حركة جماهيرية، تهدف إلى الحفاظ على “الأرض والثروات القومية”، وإلى منع “السيطرة غير القانونية” على أراضي الدولة، عبر ضمان “سيادة القانون” الإسرائيلي، وتقوم بذلك من خلال العمل في البرلمان، ونشر تقارير وأبحاث ورفع طلبات التماس إلى المحاكم لعرقلة عمليات بناء فلسطينية في مناطق C التي تشكل ما نسبته 61% من مساحة الضفة الغربية، ولا تزال خاضعة من الناحيتين، الإدارية والأمنية، إلى سلطة دولة الاحتلال، وفقًا لاتفاقيات أوسلو.

يدّعي التقرير أن العمل، منذ عام 2009، يجري في تلك المناطق من الضفة الغربية، على تحقيق مقاربةٍ تبناها آنذاك رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، سلام فيّاض، وترمي إلى التعجيل بنهاية الاحتلال، ويُعيد إلى الأذهان فقرةً من إحدى مقابلات فيّاض إلى وسائل إعلام أجنبية قال فيها: “قرّرنا أن نمسك بزمام المبادرة، وأن نعجّل بنهاية الاحتلال، من خلال الحقائق على الأرض، وهو ما ينسجم مع رؤيتنا الذاهبة إلى أن إقامة الدولة أمر لا يمكن تجاهله”. وبموجب التقرير، من أبرز ملامح تحقيق تلك المقاربة إقامة شبكة من المدارس الفلسطينية على ما تسمّى “أراضي الدولة” التي تحاول إسرائيل إبقاءها تحت سيطرتها، وذلك وفقًا لاعتباراتٍ جيو استراتيجية تعود بالنفع على الجانب الفلسطيني في المدى البعيد. وبلغ عدد هذه المدارس حتى موعد صدور التقرير مائة مدرسة. ومن بين ما تهدف إليه هذه العملية إيجاد تواصلٍ جغرافي بين مناطق C ومناطق B في الضفة. وتخضع هذه الأخيرة من الناحيتين، الإدارية والأمنية، إلى السلطة الفلسطينية، بغية تيسير السبيل نحو إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة.

ويصل التقرير الذي جاء في 64 صفحة إلى أن دولة الاحتلال لا تمتلك خطة كاملة ومدروسة لمواجهة عمليات بناء المدارس هذه، وكبح المرامي الواقفة خلفها، ما يفتح المجال أمام المستوطنين أنفسهم لـ”إطلاق مبادراتٍ تحتكم إلى منظورهم المخصوص”، بعيدًا عن التخطيط الدولتيّ. ومن أبرز هذه “المبادرات” يمكن أن نذكر ما تعرف باسم “عمليات تدفيع الثمن”، وهي جرائم ترتكبها عصابات المستوطنين، بحجّة أنها ردّ على “أعمال عنف فلسطينية”، أو سياسات حكومية إسرائيلية تُعتبر معاديةً للاستيطان في الأراضي المحتلة، والهدف الحقيقي من ورائها يبقى أبعد من تكبيد الفلسطينيين أضرارًا اقتصادية، وهو بثّ رعبٍ غير مُحدّد، وشعور من عدم الأمن والأمان. وبطبيعة الحال، لا يُعرّج التقرير على حقيقة أن هذه الجرائم تبلورت بالأساس في عقول ممثلين رسميين لدولة الاحتلال في أراضي 1967 وهي لا تنفكّ تنمّ عن تمثّل عميق مع ثوابت تعامل هذه الدولة مع الشعب الفلسطيني على قاعدة المطابقة.

في هذا الصدد، لا بُدّ من أن نرى مرة أخرى أن المعركة على الأرض، من وجهة النظر الإسرائيلية، ما زالت تبدو متعدّدة المستويات. ولئن كان المستوى الماديّ منها، المتمثل بتنفيذ مزيد من أعمال نهب الجغرافيا، واضحًا على نحو جليّ، فإن المستوى المتعلق بالوعي ليس ضبابيًا بتاتًا، حيث يمكن القول إن تطلعات هذه المنظمة واضحة: استمرار التذكير بأن المعركة هي على الأرض. ولذا، هي تحرص على تكرار استعادة مقولة ديفيد بن غوريون إن “البلد يُحتل ولا يُعطى”، إلى درجة التلويح بها حتى في وجه أشخاصٍ مثل بنيامين نتنياهو ونفتالي بينت، وهي معركةٌ يجب أن تُخاض، ليس بدافع الخشية مما يوصف بأنه “ضياع الأرض” فحسب، إنما أيضًا في سبيل جني كل الفوائد المترتبة على هذه الأرض. وفي مجرّد التحذير من مغبّة المدرسة الفلسطينية ما ينطوي على مخافة التنشئة الاجتماعية، فمن الأمور النافلة إنه كانت للحركة الصهيونية، وفيما بعد لمؤسسات الكيان الذي أقامته، صولات وجولات كثيرة في كل ما يتصل بالغايات المشتهاة لتلك التنشئة، سواء فيما يختصّ بالأجيال الإسرائيلية، أو حتى بأجيال الفلسطينيين الذين بقيت أجزاء منهم على أرضها.