إسرائيل وإيران .. هل المواجهة حتميّة ..؟

انطوان-شلحت.jpeg
حجم الخط

بقلم أنطوان شلحت 

 

 عاد الانشغال بالملف النووي الإيراني إلى صدارة جدول الأعمال في إسرائيل في ظل مُستجدّات كثيرة، يظل في مقدمها تبدّل الحكم، بتزامن ما، في كل من الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، وما أتاحه تبدّل الإدارة الأميركية من إمكان العودة إلى الاتفاق مع إيران والذي أبرم العام 2015 وعارضته إسرائيل ومارست ضغطاً كبيراً على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من أجل الانسحاب منه من جهة، ولركل مسار المفاوضات والعودة إلى نظام فرض العقوبات على نظام طهران، من جهة أخرى.

غير أن الانشغال بالملف الإيراني من ناحية إسرائيل هذه المرة يأتي أيضاً على خلفية تقارير متطابقة تشير إلى أن إيران حققت تقدماً كبيراً في مشروعها النووي إلى ناحية الاقتراب من أن تصبح دولة عتبة نووية، وعندها فإن المسافة بينها وبين امتلاك قنبلة نووية تُمسي قصيرة جداً. كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، قبل أيام، نقلاً عن تقرير لخبراء ثقة، أن إيران أصبحت قادرة خلال فترة شهر واحد تقريباً على امتلاك ما يكفي من المواد لتزويد سلاح نووي واحد بالوقود. ووفقاً للتقرير نفسه، بإمكان إيران إنتاج وقود السلاح الثاني في أقل من ثلاثة أشهر، ووقود السلاح الثالث في أقل من خمسة أشهر. ولكن بالرغم من ذلك فإن تصنيع رأس حربي حقيقي، أي رأس يمكن أن يصلح للتركيب على صاروخ إيراني، سيستغرق وقتاً أطول بكثير. ولا بُدّ من أن نشير إلى أن مثل هذه التقديرات صدرت أيضاً في الماضي عن كل من وزيري الدفاع والخارجية الإسرائيليين بيني غانتس ويائير لبيد، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وكذلك عن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي.

من المُلاحظ أنه حتى بين الذين يتحفظون من مسلك الحُكم الإسرائيلي السابق حيال الولايات المتحدة، والقصد المسلك الذي اتسم بقدر من التحدّي والخروج علناً ضد سياستها الخارجية، وبين الذين يؤيدون هذا المسلك ويحثّون عليه، ثمة قاسم مشترك بأن إسرائيل لا يمكنها في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني أن تقبل بما تقبل به الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال هناك بين الخبراء الإسرائيليين الأمنيين من يعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تتعايش مع إيران كدولة عتبة نووية بينما إسرائيل لا يمكنها ذلك لأسباب شتى، أهمها أن ذلك يعني اقترابها من امتلاك سلاح نووي، كما أن من شأن أمر كهذا أن يسرّع سباق التسلّح النووي في منطقة الشرق الأوسط، ما قد يؤثر في خلخلة صورة إسرائيل القويّة، كدولة تنفرد بامتلاك مثل هذا السلاح.

وطبعاً يندر أن تعثر بين مختلف ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي على من يعترض على التقييم بأن إيران تتعاظم من يوم إلى آخر كتهديد مركزي للأمن القومي الإسرائيلي، وأنه إلى جانب مشروعها النووي فهي تصعّد، من خلال من يُنعتون بأنهم “فروعها” في لبنان وسورية والعراق واليمن وكذلك قطاع غزة، التهديد الباليستي، وخصوصاً للبنية التحتية المدنية والاستراتيجية لإسرائيل. وهو تهديد متنوع ويتضمن عشرات آلاف الصواريخ، وثمة سعي لإنتاج صواريخ ذات قدرة إصابة دقيقة، وطائرات مُسيرة من دون طيار مسلحة وغيرها.

إن الصورة العامة المرتسمة حتى الآن في هذا الصدد تشي بما يلي:

أولاً، ما زالت ماثلة في الأذهان تردّدات أصداء تصريحات رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي كوخافي خلال مشاركته في المؤتمر السنوي لـ”معهد أبحاث الأمن القومي” الذي عقد في جامعة تل أبيب في أواخر كانون الثاني الفائت، وذكر فيها أنه أصدر تعليمات إلى الجيش الإسرائيلي بإعداد بعض الخطط العملانية لمواجهة ما وصفه بأنه امتلاك إيران كمية من اليورانيوم المخصب تخرق ما هو مسموح به، وتطويرها أجهزة طرد مركزي تتيح لها إمكان تطوير قنبلة نووية في غضون عدة أشهر بل وحتى عدة أسابيع، وشدّد على أنه يجري العمل من أجل إعدادها بسرعة. واعتبر كوخافي أن أي رفع للضغوط الأميركية المفروضة على إيران سيسمح لها بتطوير قنبلة، وأن أي عودة إلى الاتفاق النووي ستكون بمثابة خطأ فادح.

ثانياً، تتصادى مع هذه التردّدات تقديرات إسرائيلية، لا سيّما من جانب جهات معدودة على أنصار الحُكم السابق، تقول إنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن عجز إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إزاء سيطرة حركة “طالبان” على أفغانستان يضع علامة سؤال كبيرة على أدائها في مقابل إيران الآن. وهذه الجهات نفسها تشير إلى أنه طبقاً للتقارير التي تُنشر في وسائل الإعلام، تستعد إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت ستعتمد هذا المسار فعلياً، ولا سيما إزاء حقيقة وجود حكومة إسرائيلية جديدة تطمح إلى تعزيز التنسيق مع إدارة بايدن.

لا بُدّ من أن نشير أيضاً إلى أن وضع علامة استفهام حول أداء واشنطن في مقابل إيران لا يقتصر على أنصار الحُكم السابق، ففضلاً عن هؤلاء هناك الكثير من المصادر الإسرائيلية التي تؤكد أنه من تحليل أقوال الرئيس الأميركي ووزير خارجيته ومستشاره لشؤون الأمن القومي، يمكن فهم أن الطريق لكي تشمر الولايات المتحدة عن ساعدها بصورة نشطة ضد إيران ما زالت طويلة، لكون سلّم أولوياتها الاستراتيجي مختلفاً، ويقف في رأسه حالياً مواجهة فيروس كورونا والوضع الاقتصادي والصين.

يبقى السؤال المطروح: هل ستقوم إسرائيل بعملية عسكرية ضد إيران في ظل وجود حكومة تسعى للتنسيق مع الإدارة الأميركية، ومن الصعب أن تدير لها ظهر المجن؟ وثمة من يلمّح إلى أنه في حال شنّ مثل هذه العملية هناك احتمال كبير بأن تكون حازت على ضوء أخضر أميركي، في ضوء عودة العلاقات بين الدولتين إلى مجراها الطبيعي.

وللعلم أخيراً، كوخافي طلب تحضير خطط عملانية لمواجهة إيران في مطلع العام الحالي، ولكن في واقع الأمر، ومثلما تؤكد أوراق “معهد أبحاث الأمن القومي”، فإنه اعتباراً من العام 2009 جرى تعزيز قدرات إسرائيل وجهوزيتها لشنّ هجوم عسكري ضد إيران، كما جرى إطلاق جهد دبلوماسي كثيف في المحافل الدولية.

ومنذ ذلك الحين، تقوم الاستراتيجيا الإسرائيلية على ثلاث ركائز هي، وفقاً للمعهد نفسه:

أولاً، الإجراءات السرية، وذلك استمراراً للاستراتيجيا السابقة التي اعتمدت على الاستخدام المتطوّر للقدرات الاستخباراتية، بدرجة أقل بكثير مما على الركيزتَيْن الدبلوماسية والعسكرية.

ثانياً، جهد دبلوماسي مستقل عاقد العزم، جعل إسرائيل في موقع متطرّف مقارنة بموقف القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.

ثالثاً، خيار عسكري مستقل ملموس، الغاية منه ردع تقدّم المشروع النووي الإيراني وتشكيل رافعة للدفع قدماً بالجهود الدبلوماسية، أو اتخاذ قرار بضربة تنفّذ بسرعة من دون تورّط الولايات المتحدة، وذلك في حال عدم وجود بديل آخر.