رغم قرارات مجلس الوزراء فيما يتعلق بالانتخابات المحلية وإجرائها على مرحلتين، المرحلة الأولى هذا العام في شهر كانون الأول القادم، والمرحلة الثانية في شهر آذار القادم، ورغم الضجة وردود الفعل التي أثارها هذا القرار في أوساط مؤسسات المجتمع المدني وهيئات حقوقية وأهلية وأخرى تعنى بالديمقراطية، بين الرفض أو التحفظ أو الانتقاد لإجراء الانتخابات المحلية على مرحلتين، رغم كل ذلك، فمن يسير في شوارع المدن أو يسأل حتى في التجمعات الصغيرة التي من المفترض أن تتم فيها الانتخابات في المرحلة الأولى، يجد وبوضوح أن هناك عدم مبالاة أو عدم اكتراث أو على الأقل عدم اهتمام بكل ذلك، وبالطبع، هناك أسباب متعددة لهذا التجاهل والإحباط وعدم الاكتراث، رغم أن الانتخابات بمجملها العام تصب في خضم العملية الديمقراطية والتغيير، التي ينادي ويتوق إليها الجميع.
ومن الأسباب الأساسية لهذا الإحباط وبالتالي عدم اللامبالاة، هو ما جرى خلال الأشهر القليلة الماضية في بلادنا، فيما يتعلق بالانتخابات التشريعية والتي كان من المفترض أن تتبعها الانتخابات الرئاسية خلال شهري أيار وتموز الماضيين، مع كل التحضيرات والتكتلات والجهود والتغطية الإعلامية التي تمت، ودون الخوض في التفاصيل أو المبررات أو ردود الفعل المختلفة لقرارات التأجيل أو الإلغاء، ألا أن ذلك قد ولد نوعا من الإحباط واليأس والغضب ومن ثم عدم اللامبالاة أو عدم الاكتراث الذي نلمسه هذه الأيام فيما يتعلق بالانتخاب المحلية، والذي من المتوقع أن يتواصل لفترة ما. ومن أسباب عدم اللامبالاة أو عدم الجدية في التعاطي مع الانتخابات المحلية، هو الطريقة المتوقع فيها إجراؤها، أي على مرحلتين، وبالأخص طريقة ترتيب المرحلتين، حيث من الواضح أن المرحلة الأهم تلك التي سوف تجري في المدن والتجمعات الكبيرة أو ذات الكثافة السكانية، وبالتالي فإن ما سوف يجري في المرحلة الأولى، أي في القرى والتجمعات الصغيرة، لا يهم الكثير من الناس، حيث في العادة لا تتم الانتخابات فيها فعليا، لأنه سوف يتم التوافق من خلال التكتلات أو العائلات أو الامتدادات المختلفة على تشكيلة المجلس المحلي وفي العادة بالتزكية، وبالتالي لا داعي الى التعب والجهد والضجة والتحضيرات المختلفة للانتخابات.
ومن الأسباب الأخرى، هو الوضع الداخلي المزري من حيث مواصلة وبل تعمق الانقسام، سواء بين السلطة و"حماس" أو بين الضفة وغزة، وبالتالي الرفض السريع بأن تتم الانتخابات في غزة، وهذا الوضع أصاب الناس بأقل مل يمكن وصفه بالامتعاض وبل الاشمئزاز من أوضاع وأحوال كهذه، لأنه كل ما طلت بارقة أمل بالانتهاء منه، وبالأخص بعد التوافق والإجماع والترحيب بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال الأشهر الماضية، من الواضح أن وضع الانقسام عاد ليتكرس ويزداد تفاقما وحدة، دون أي جهود من هذا الطرف أو من ذاك للتقدم في محاولة للتخلص من وضع يصيب الناس بالإحباط من أمور كثيرة لها علاقة بالتحرر والديمقراطية وغيرهما.
ومن الأسباب التي تشتت انتباه الناس عن قضايا الانتخابات وقضايا أخرى لها علاقة بالحقوق والمساواة وبالأخص لفئات تناضل وتسعى لها منذ فترة، مثل فئات النساء والشباب والطلاب والعمال وغيرها، هي الأوضاع السياسية المغلقة تماما والأوضاع الاقتصادية القاتمة والتخلخل الاجتماعي والثقافي الذي يرافق هذه الأوضاع، بحيث أصبح الهم الأساسي لفئات عريضة في مجتمعنا قضايا مثل العمل والبطالة والقروض وليس ذلك فقط ولكن ترقب الأخبار من هنا أو هناك حول وجود راتب أو لا وتوقيته، واصبح هذا يرتبط بتحريك عجلة الاقتصاد وسداد قروض البنك والإيفاء بالتزامات لا أول لها أو آخر، بعيدا عن الانتخابات وأمورها.