«بلد، وحده البحر»

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

أن تمضي يوماً في المتحف الفلسطيني في بيرزيت يعني أنك أمضيت يوماً نوعياً بكل المعايير، ويتنوع اليوم منذ ساعات الصباح، حيث تبدأ بقطف الزيتون هناك فتستعيد همتك يوم كنت متطوعاً في العمل التطوعي بداية السبعينيات، وتستعيد بعضاً من نشاطك، ويكون اليوم النوعي يوماً للعائلة بكل مكوناتها، الأطفال لهم مكان ولهم متسع في قطف الزيتون، وفي زاوية للرسم والفنون ليكونوا وحدهم، وموقع للجدات والعمات والخالات ليكون الكل شريكاً في قطف الزيتون، وتذهب صوب القنطرة لتتسلق درجها الحجري وتقف على سقفها، لتشاهد أمامك بيرزيت والمزرعة القبلية وأبو شخيدم.
إنه حقاً يوم للنشاط والتقارب الاجتماعي والتواصل الحي الإنساني والعمل التطوعي، وتطبيق معارف تعلمها الأطفال في المدرسة عن الزيتون وموسمه، وما يسمعونه عن اقتلاع الزيتون من قبل المستوطنين في الوقت الذي نحكي فيه قصة زيتونة عمرها يفوق مئتَي عام.
ويجتمع المتطوعون بكل فئاتهم في ساحة المتحف يتبادلون أطراف الحديث، يحكون عن تجربتهم، ومنهم من يذكّر آخر بأيام التطوع والعونة، ومنهم من يحكي حكاية أخرى ذات صلة، وطبعاً تناول الأطفال بعد هذا الجهد مقرمشات ومياهاً وعصائر، وتم التقاط الصور لإرسالها لبقية أفراد العائلة الذين لم يحضروا.
خطوات من الردهة الرئيسية للمتحف تذهب صوب معرض (بلد وحده البحر)، يحكي حكاية فلسطين أنها كانت حاضرة البحر في المتحف، حكاية العمال ونقاباتهم 1930 وهويات هؤلاء النقابين، وصور للعمل والعمال، وعلى الأرض وضعت لوحة وكأنها الفسيفساء، وإذا بها البيوت التي دمرت في النكبة 1948 وكيف أعاد البحر أجزاءها إلى الشاطئ وتم تجميعها لتظهر صورة التراث الفلسطيني، وأخرى تتعلق بما أخرجه البحر من مواد وسلع تؤشر على أن حركة التجارة كانت فاعلة مع حيفا ويافا والإسكندرية واللاذقية وبيروت.
وقفنا أمام محطات فلسطينية من تاريخ الساحل الفلسطيني حتى 1948 يحكي حكاية صعود عكا وصعود يافا، وكيف استطاع أهل فلسطين عكس تجليات وجودهم بحيث تجلت فلسطين كحاضرة مستقلة بتراثها.
سيجد الكل الفلسطيني مكاناً له في المتحف الفلسطيني، ويستطيع أن يضع زيارته على أجندته ويستقطب بالزيارة أفراد العائلة بفئاتهم العمرية كافة، ويحكي لهم الحكاية ويدع المعرض يحكي حكايتنا ضمن المحطات الفلسطينية المتعددة.

خارج النص:
الخروج عن المألوف بات شكلاً مرفوضاً من قبل الناس ولا يتفق عليه اثنان. في مسار المشي الذي أقامته بلدية رام الله في محيط حديقة البروة - متحف محمود درويش، الجميع يمارس رياضة المشي، والآخرون على الدراجات الهوائية، وهناك من يجلس على الدرجات. ساعات جميلة يمضيها الناس هناك لتغيير الجو وتنشيط البدن، فجأة يحضر متطفل إلى المكان بمركبته، فيجد أن تغييراً جذرياً قامت به بلدية رام الله لرفع درجة الأمان في المسار وعدم إزعاج المشاة بمنع دخول المركبات، فيشتاط غضباً ويعود إلى مدخل المسار الآخر ويزيح قطعة الحديد، وفجأة تحضر شاحنة جار ومجرور ويصر على إدخالها في المسار رغم حديث الناس معه ومحاولة ثنيه عن ذلك، إلا أنه من جماعة (بعمل اللي في راسي).
هذا المسار لم يتم إنشاؤه عنوة، بل هو مقام على أرض تمتلكها بلدية رام الله، وبناء على أولويات سكان المدينة ولاقى ترحاباً وإقبالاً وقبولاً، وأن يأتي البعض ليمارس سلوكاً غريباً ومستغرباً لا يجوز أن يمر هكذا.