- ظلت معضلة غزّة قائمة كأحد الملفّات الشائكة أمام الحكومة الإسرائيلية ، التي وجدت نفسها في وضع معقّد بسبب تركيبتها “الهشّة”، واعتمدت نهجاً متشددا ، الا ان الخشية من اندلاع مواجهة عسكرية، دفعا نحو رؤية “تقليص الصراع” التي تقوم على تقليل الاحتكاك والتوتّر الميداني، مقابل تحسين الوضع الاقتصادي ، لتجنب التوجه الى جولة قتالية جديدة.
- “خطة لبيد” تستعرض البدائل عن محدودية خياراتها في التعامل مع قطاع غزة والتي تنحصر ما بين احتلال القطاع أو استمرار جولات القتال.
- تصعيد الاحتلال في الضفة الغربية يؤكد رغبة الحكومة الاسرائيلية في اضعاف السلطة الفلسطينية الى الحد الذي تصبح فيه غير قادرة على تلبية الطموحات الوطنية، بما يتناسب مع مخططات الحكومة الاسرائيلية لرسم ملامح مستقبل الكيانية الفلسطينية وتطوير “الانقسام” الى “الانفصال”، لاستكمال مشروع التهويد والاستيطان في الضفة والقدس.
- يسعى بينيت، إلى تثبيت معادلة جديدة أمام حركة حماس من شأنها أن تزيد هامش المناورة الإسرائيلية وتحقق مكاسب على الصعيد السياسي الإسرائيلي الداخلي، تبقى الائتلاف الحكومي الحالي متماسكا، خاصة في ظل التهديدات التي تواجهه في حال وضع إحدى القضايا الإقليمية أو السياسية أو الأمنية- العسكرية على سلم أولوياته، حيث سيكون قريبا من الانهيار، بالإضافة إلى التباين الحاد في الأجندات السياسية لأعضاء الائتلاف.
- صفقة تبادل الأسرى قد تكون العقبة الرئيسة أمام تمرير خطة لبيد، ولذلك لم تربط رؤية لابيد الموضوع الاقتصادي بملف تبادل الأسرى.
- اتجاهات داخل حركة حماس تفضل التعامل بإيجابية مع خطة لبيد، والاتفاق على هدنة طويلة المدى، انتظارا لمرحلة ما بعد الرئيس عباس، وتعتبر أن التسهيلات المقترحة ستساعدها لتعزيز سيطرتها على قطاع غزة وتجاوز الحصار، وتحييد سيناريو الحرب. الا ان الحركة لا تستطع توقيع اتفاق نهائي، ولذلك تتبنى الحركة تكتيك “المستوى المنخفض” من الاحتكاك ، دون مستوى المعركة.
- سياسة الحكومة الاسرائيلية الحالية مع قطاع غزة قد لا تختلف جوهريا ، في المدى المنظور، عن تلك التي اتبعها نتنياهو، وسيكون المتاح التوصل الى اتفاق تهدئة “قصير الأمد”، لأن الاتفاق “طويل المدى” سيكون غير ممكن قبل الاتفاق على دور حركة حماس سياسياً ، في اطار سيناريو انفصال كيان فلسطيني في قطاع غزة، تحت سيطرة إسرائيل.
- وستتراوح استراتيجية الحكومة الاسرائيلية على المدى المتوسط ما بين خيار المواجهة العسكرية الشاملة وخيار “التسهيلات مقابل الهدوء” :
1 – سيناريو التهدئة وتقليص الصراع :
- يتوافق هذا السيناريو مع توجهات اسرائيلية لتقليص الصراع، خاصة وان الاسرائيليين اشترطوا أن يشمل أيّ اتفاق تهدئة ضرورة تهدئة الأوضاع في الضفة الغربية. وهذا يعني ان اسرائيل تريد تقليص الاحتكاكات وتخفيض مستوى التوتر في الضفة الغربية وقطاع غزة لتمرير مخططاتها التي تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني ، من خلال ضمان استمرار مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية ، وتعزيز الانقسام الفلسطيني وتحويله الى انفصال بين جناحي الوطن ، مقابل “التهدئة” والتسهيلات الاقتصادية.
- ويتعارض هذا السيناريو مع احتمالات رفض فصائل المقاومة العرض الاسرائيلي “التهدئة مقابل تخفيف الحصار”، في ظل استمرار تهويد القدس، وتكثيف الاستيطان، الإجراءات القمعية ضد الأسرى، وطرد المقدسيين وهدم المنازل، والاعتقالات والاعتداءات على الأقصى، خاصة في ظل الشرط الاسرائيلي بربط الاتفاق بضرورة وقف المقاومة في الضفة. اضافة الى عدم توفر الأموال اللازمة لإعادة الاعمار في ظل التهدئة القابلة للانهيار وعدم وجود عملية سياسية او اتفاق تهدئة طويل الأمد.
2 – سيناريو المواجهة العسكرية :
- هناك شكوك حول امكانية موافقة المقاومة الفلسطينية على مخططات الحكومة الإسرائيلية لتمرير “التهدئة الانسانية” في قطاع غزة ، وستتزايد الأصوات في إسرائيل التي تدعو لعدوان عسكري ضد قطاع غزة لإحداث تغيير جوهري. وستمارس اسرائيل ضغوط داخلية ودولية لوضع قيود على نشاطات المقاومة في قطاع غزة ، بحجة التوصّل إلى هدنة طويلة الأمد، مقابل تحسين الاوضاع الانسانية للسكان في القطاع، وهو ما سيزيد من الضغوط الداخلية في اسرائيل للتوجه إلى جولة عسكرية جديدة في قطاع غزة، لتقليص هوامش المناورة امام حماس في مفاوضات المرحلة المقبلة، الأمر الذي يستوجب إعداداً سياسياً ودبلوماسياً لمثل هذه الحرب موجه إلى الرأي العام الرسمي والشعبي على مستوى العالم، باعتبار أنّ إسرائيل وفقاً لهذه الخطة قامت بكل ما يمكن لتلافي هذه الحرب، وفي حال اندلاع هذه الحرب فهو خيار اضطراري بعدما قدمت إسرائيل كل الجهود لمنعها.
- يتعارض هذا السيناريو مع المصلحة الاستراتيجية الاسرائيلية في بقاء الانقسام الفلسطيني، الا انه يتعزز في ظل البعد الاقليمي والمخططات الايرانية التي ستعرقل بالتأكيد كافة المحاولات الساعية للتوصل الى اتفاقيات التهدئة التي سيكون من شأنها سحب احد اهم اوراق القوة التي تمتلكها ايران في اطار تحركاتها في المنطقة. وتمتلك الحركة من النفوذ والامكانيات التي تجعلها مؤثرة بالفعل في هذا الاتجاه ، وهذا ما اكده رئيس الحرس الثوري الايراني في تصريحاته عن الجيوش التي تمتلكها ايران في المنطقة.
- خلاصة القول : الغموض الذي يكتنف خطة لبيد يندرج في اطار “الخداع الاستراتيجي” ، فالحكومة الاسرائيلية الحالية تبدو ملتزمة بالثوابت والمحددات التي تعاملت بها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة مع الملف الفلسطيني بصورة عامة ، وقطاع غزة بصورة خاصة، فـ”تقليص الصراع” أو “ادارة الصراع” ستبقى عناوين واضحة للاستراتيجية الاسرائيلية باتجاه الفلسطينيين. ومن شأن ترابط الملفات والسيناريوهات ، أن يجعل من المستبعد حدوث اختراق ، وسيكون أقصى ما يمكن أن يتم على المدى المباشر تسهيلات وتخفيف للحصار مقابل التهدئة. فالخطة التي عرضها يائير لبيد تستهدف قطع الطريق على مشروع الدولة الفلسطينية، خاصة في ظل استمرار السيطرة الاسرائيلية على المياه الإقليمية والمجال الجوي والحدود، ولم تتطرق الى موضوع “السيادة الفلسطينية”. وهو ما يعني انهاء كافة المرجعيات القانونية والسياسية التي تعترف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وتتجاوز قرارات الشرعية الدولية كالحق باقامة دولة فلسطينية وفق القرار 181، وحق العودة وفق القرار 194، وحق تقرير المصير حسب قرارات متعددة للجمعية العامة، بالإضافة إلى قرار 242 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
- توصية : مفتاح افشال المخطط الانفصالي يتطلب ضرورة الذهاب الى تغيير قواعد الاشتباك مع الاحتلال، واصدار قرار إعلان “دولة فلسطين تحت الاحتلال” وتغيير كل المسميات الرسمية الى “دولة فلسطين”، وتوجيه رسائل الى الأمم المتحدة والرباعية الدولية، إن منظمة التحرير الفلسطينية قررت تعليق الاعتراف بإسرائيل الى حين اعترافها بفلسطين، وبلورة رؤية شاملة واستراتيجية وطنية موحدة تحدد الأهداف وأشكال النضال، وتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على التعامل مع المجتمع الدولي، واجراء الانتخابات.