هآرتس : كم هو سهل الاعلان عن جمعية بأنها منظمة ارهابية

19DAEA00-3AE3-4540-83EB-51705B5F7A0F-e1603204265356 (1).jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم  آدم شنعار 

 

اعلان وزير الدفاع، بني غانتس، بأن ست منظمات لحقوق الانسان تعمل في الضفة الغربية هي منظمات ارهابية هو اعلان مخجل. هذه منظمات حقوق انسان راسخة ومقدرة وتحارب الاحتلال (بعضها ينتقد السلطة الفلسطينية ايضا). والاعلان بأنها منظمات ارهابية هو محاولة لاسكات أي انتقاد لاسرائيل ونشاطات القمع اليومي في المناطق.

هناك وجه يتم التحدث عنه بدرجة اقل، يمس عملية الاعلان نفسها. في بيان وسائل الاعلام كتب أن المنظمات تعمل من قبل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني”، من اجل “دعم نشاطاتها والدفع قدما بأهدافها” وأنه “يسيطر عليها كبار اعضاء الجبهة الشعبية” وتوظف نشطاء “بمن فيهم نشطاء كانوا مشاركين في عمليات ارهابية”. وكتب ايضا أن هذه المنظمات تشمل مصدر تمويل للجبهة الشعبية. وضمن امور اخرى، بفضل الاموال التي حصلت عليها المنظمات  من الدول الاوروبية.

هذه الاتهامات خطيرة، لكن لا يمكن معرفة العلاقة بينها وبين الواقع. لأن عملية الاعلان نفسها تناقض المعرفة الاساسية للاجراء القانوني السليم، الذي يمكن أن يميز دولة ديمقراطية. اعلان وزير الدفاع جاء استنادا الى قانون محاربة الارهاب من العام 2016. هذا القانون جاء ليحل محل قانون الطواريء المتشدد الذي مصدره سلطة الانتداب البريطاني. وقد عارض رؤساء اليشوف اليهودي هذا التشريع بشدة في حينه. ولكن بدلا من استبدال الانظمة البريطانية بنظام يناسب الديمقراطية التي تدافع عن حقوق الانسان فان قانون مكافحة الارهاب استنسخ الروح الانتدابية الى داخل تشريع حديث. 

الاعلان عن منظمة بأنها منظمة ارهابية يجرم من يعملون فيها ويعرضهم لعقوبات شديدة، وبالطبع يمس بالحريات الاساسية في تشكيل الاتحادات، ويمس بحرية التعبير والحركة. ولكن تداعيات الاعلان اوسع بكثير. فحتى اشخاص ومنظمات ليسوا “منظمة ارهابية”، لكن توجد لهم علاقات معها، يمكن أن يجدوا انفسهم كمن يرتكبون مخالفات جنائية، سواء بتهمة المساعدة أو تهمة التأييد والتماهي. لذلك، بالضبط بسبب التداعيات الواسعة والخطيرة يجب التأكد من أن عملية الاعلان تتم بشفافية وتسمح للمنظمة بالدفاع عن نفسها امام هذه الاتهامات. بالطبع هذا الواجب يزداد على خلفية السياق. فدولة اسرائيل تسيطر على هذه المناطق منذ اكثر من خمسين سنة، الوضع الذي تتعامل فيه مع الفلسطينيين بصورة بديهية كرعايا وليس كبشر لهم حقوق.

إن فحص القانون يظهر أن من قاموا بصياغته قد سعوا الى الباسه عباءة الادارة السليمة. ولكن قراءة بنوده تظهر العكس. دائما تقريبا المنظمة تعرف فيما بعد أنهم اعلنوا بأنها منظمة ارهابية. وباستثناء حالات قليلة التي يمكن تجاوزها، لا يوجد للمنظمة أي طريقة للاثبات مسبقا بأنها ليست منظمة ارهابية. وعلى الاكثر يتم اعطاءها فرصة للادعاء لاحقا بأنه يجب الغاء الاعلان، لكن هذه العملية تتم امام وزير الدفاع الذي هو المعلن من البداية. احتمالية موافقته على تغيير قراره الذي تم وضعه هي صفر تقريبا.

ولكن سيدعي المدعي بأنه اذا كانت المنظمة حقا ليست منظمة ارهابية فانه يمكنها الاعتراض على الاعلان لدى وزير الدفاع وأن تواجه المادة المجرمة. ولكن ذلك خاطيء. فقانون مكافحة الارهاب يسمح حقا باجراء جلسة استماع (لاحقا) للمنظمة الارهابية. ولكن أي علاقة بين ذلك وبين جلسة استماع حقيقية هي أمر صدفي كليا.  لأن قرار وزير الدفاع سيرتكز دائما على مادة استخبارية سرية. وحسب القانون فان المنظمة غير مسموح لها الاطلاع على المادة السرية.

نفس الشيء ينطبق على توصيات “اللجنة الاستشارية”، وهي الهيئة التي تم تشكيلها حسب القانون لتقديم الاستشارة لوزير الدفاع في عمله. صحيح أن هذه تتشكل من قانونيين ليسا من اعضاء منظومة الدفاع، لكن لا يتم العرض على المنظمة المادة التي تقرر أنها سرية. على أي حال، هذه ليست لجنة مستقلة حيث يتم تعيينها من قبل شخصية سياسية، وزير العدل. على الاكثر يعرض امام المنظمة ملخص المادة السرية، لكن تجربة طويلة في الاعتقال الاداري، التي تستند هي ايضا على مادة سرية، تعلمنا أنه لا يوجد في هذا الملخص أي شيء حقيقي.

هنا نعم، كما يقول القانون، يوجد للمنظمة فرصة للدفاع عن نفسها. صحيح أنه لم يتم ابلاغها بما هي متهمة فيه، ولم يتم التوضيح لها ما هي طبيعة الاتهامات ولم يسمح لها بالاطلاع على مادة البينات والاطلاع على الرأي المقدم ضدها، لكن الطريق مفتوحة امامها لبدء كل هذه الامور في اطار الاجراءات العادلة التي انشأناها.

ربما سيضيف المدعي ويقول: “ايضا حتى لو كان قرار وزير الدفاع خاطيء، فبالتأكيد المحكمة العليا يمكن أن تقول رأيها بهذا الشأن. هكذا يمكن الالتماس لدى المحكمة العليا، لكن الخلاص لن يأتي من هناك. السرية التي احاطت العملية الادارية فقط ستنقل مكانها الى محكمة العدل العليا. الدولة ستشرح باحترام أن المادة كثيرة جدا، لكن مفروض عليها السرية، والمحكمة ستطلب من المنظمة أن تأخذ اذنها للاطلاع على المادة، بالطبع بحضور جانب واحد. اذا رفضت المنظمة فسيتم رفض الالتماس. لأنه يمكن للدولة الادعاء بأنها عملت كما يجب. واذا وافقت فعندها ستخرج المنظمة والمحامون من قاعة المحكمة وسيبقى هناك القضاة وممثلو الدولة فقط. ومثلما يحدث دائما في الاعتقالات الادارية، تقتنع المحكمة بالمادة التي تم عرضها امامها، بالطبع دون أن تعطى المنظمة أي فرصة للدفاع عن نفسها. 

قرار وزير الدفاع يتم عرضه على الجمهور الاسرائيلي كقرار متزن وراسخ، لكن الحقيقة بعيدة عن ذلك. ومثلما اشار القاضي موشيه لنداو قبل سنوات كثيرة فان “ادعاءات الجانب المقابل يمكن دحضها فقط عندما تكون معروفة؛ مع “أبو الهول” لا يمكن الجدال”. بالنسبة للفلسطينيين، اسرائيل هي “أبو الهول”. لا يمكن التحدث معها ولا يمكن جدالها. “أبو الهول” لا يراك من مسافة متر.