الصهيونية الدينية في القيادة العليا للأمن "الإسرائيلي"

e821909e1683977de18f4edb7f4d0a2b
حجم الخط

ما إن تمّ الإعلان عن اختيار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ليوسي كوهين رئيساً للموساد، حتى انتبه كثيرون إلى أن ثلاثة من بين أربعة قادة الأجهزة الحربية الإسرائيلية صاروا من معتمري القبّعات الدينية، أو ممن ينتمون إلى تيارات الصهيونية الدينية.

ومعروف أن ما يسمى برئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) يورام كوهين كان حتى فترة قريبة رئيس الجهاز الأمني الأول الذي يعتمر القبّعة الدينية (كيبا)، التي تشير إلى التزامه الديني. وسرعان ما تم اختيار المفتش العام للشرطة الإسرائيلية من الوسط الديني، وهو الفريق روني الشيخ ليغدو أول معتمر لـ «الكيبا» يتولى رئاسة الشرطة. وأخيرا تم اختيار يوسي كوهين، وهو أيضا من خريجي مدرسة دينية، ليغدو هو الآخر أول رئيس للموساد من هذا التيار، وليدع رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت وحيداً كآخر ممثل للعلمانيين في القيادة الأمنية.

ومن المنطقي الافتراض أن هذا التغيير ليس حكراً على قيادة الأجهزة، بل إنه تعبير عما يدور في المجتمع الإسرائيلي عموماً، الذي ينتقل بوتائر متسارعة ليغدو أكثر تديناً من أي وقت مضى.

وينعكس هذا ليس فقط في حصة المتدينين في الأحزاب القائمة وإنما أيضاً في مكانة أحزابهم في الحلبة السياسية ذاتها. ولكن لا يقل أهمية عن ذلك أن هذا الانتقال وجد في الأصل ترجمته في انقلاب الصورة وابتعاد العلمانيين، خصوصاً الاشتراكيين من أبناء «الكيبوتسات» والتيارات العلمانية، عن موقع الصدارة والطلائعية في الجيش. وحل مكان هؤلاء أبناء المدرس الدينية والمستوطنات الأيديولوجية في الضفة الغربية، الذين صاروا يحتلون، وبشكل متزايد، مراتب عليا في الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى.

وأشار بن كسبيت، في «معاريف»، يوم تعيين كوهين إلى أنه لم يعد سوى آيزنكوت ممثلا للتيار العلماني، و «أنا أفترض أنه ستلقى حول ذلك جبال من الكلمات وستنشب الكثير من المشاجرات». وحاول كسبيت تبرير كلامه وتفسير ما جرى بالقول إن معتمري القبعات الدينية يصلون إلى المواقع العليا لأنهم موجودون هناك، «فهم يتجندون ويتطوعون، ويتقدمون، ويضحون ويندمجون. ويستحيل توجيه اتهامات لهم. من يريد أن يتواجد في مفترقات اتخاذ القرارات ينبغي أن يتواجد هناك. وهم يتواجدون هناك. حالياً أنا لا ألحظ فارقاً بين يورام كوهين، رئيسا للشاباك خلافا عن سلفه، ولا أسمع عن روني الشيخ سوى الكلمات الطيبة، ويوسي كوهين يستحق الفرصة لإثبات نفسه».

وأضاف كسبيت إن «على كل من يشعر بالخطر من هذا التواجد المتزايد للقبعات الدينية، المنسوجة في مواقع التأثير المركزية على حياتنا، يفعلون ذلك على مسؤوليتهم الشخصية. هكذا الحال في الديموقراطيات.

شعور الخطر هذا لا ضرورة له بالضبط كما صرخات التباكي من الجانب الثاني (خصوصاً في اليمين والصهيونية الدينية) لأن ليس لهم نفوذ في الإعلام. من شدة ما ليس لهم، فبعد قليل لن نجد إعلاما».

وفي كل حال فإن الأصوات ترتفع هنا وهناك تحذر من احتلال الصهيونية الدينية، ليس فقط للقيادات العليا في المؤسسات الأمنية وإنما كذلك للمستويات الأدنى. ويرى أحد المعلقين أن هؤلاء «صاروا يفهمون أنه ينبغي عليهم أن يعملوا، وليس فقط أن يتوكلوا على الله»، وصاروا يتطلعون إلى أن يظهر أول رئيس حكومة متدين في إسرائيل.

ويشير معلقون إلى أن قائمة المتدينين في مواقع النفوذ في الحكم في إسرائيل تطول، وهي تشمل المدير العام لديوان رئاسة الحكومة إيلي غرونر والمدير العام لقصر الرئيس هارئيل طوفي. وكان الجنرال يعقوب عاميدرور أول مستشار متدين للأمن القومي في إسرائيل في عهد بنيامين نتنياهو. وواضح أن تعيين متدينين في عهد نتنياهو ليس بالضرورة أنه يعبر عن رغبة، وإنما أمر يقتضيه الواقع لاعتبارات سياسية واجتماعية على حد سواء، فنتنياهو معني ببقائه على رأس المعسكر اليميني في إسرائيل، وهو ما يتطلب منه أحيانا مغازلتهم عبر تقريب شخصيات تنتمي إليهم.

ومعروف أنه عندما كان التيار العمالي في الحكم كان هناك موقف واضح من المتدينين في مؤسسات السلطة والجيش، وكانت هناك مراتب لا يمكن تخطيها. وليس صدفة أنه عندما نال أول متدين منصب قائد فرقة بدا وكأن السماء سقطت على الأرض في نظر الطلائعيين القدامى.

 لكن الوضع تغير في "إسرائيل" مع تنامي قوة ونفوذ المتدينين وأحزابهم في الحكم والسلطات العامة والمحلية ومؤسسات الأمن. وتقريباً تراجعت الحركات الشبابية العمالية التي كانت تتبع للأحزاب العمالية مثل «مباي» و «مبام» لتحتل اليوم حركات شبابية مثل «بني عكيفا» الدينية المكان الأبرز، حتى مقارنة بالحركات الشبابية التي كانت تتبع اليمين القومي مثل حركة «بيتار». فالقيم الدينية صارت بضاعة مطلوبة في المجتمع الإسرائيلي، ولذلك لم يعد غريباً أن ترى في رئاسة الأركان الإسرائيلية عدداً متزايداً من الجنرالات المتدينين.

والواقع أن النقاش الذي كان يدور حول خطر المتدينين على المجتمع والدولة أخلى مكانه لقبول متزايد لهم، رغم استمرار السجال هنا وهناك. وعلى سبيل المثال فإن مواقف سياسية يبديها ساسة متدينون انطلاقاً من مواقفهم الأيديولوجية تثير بين الحين والآخر جدلاً كبيراً. كما أن جنرالات متدينين أثاروا مراراً سجالات في الإعلام والمجتمع إثر مواقف أبدوها، كما في حرب غزة الأخيرة، انطلاقاً من أيديولوجيتهم الدينية.