نستطيع إستخلاص بعض الأمور الهامة من معلومات رشحت في أكثر من مقال لأكثر من كاتب إسرائيلي معروف بقربه من بعض ضباط هيئة الأركان الإسرائيلية .
فالمقالات التي يكتبها هؤلاء، تتأثر تأثراً كبيراً بالأجواء العامة التي تحيط بهذا الضابط الكبير أو ذاك ممن يعتبرهم هؤلاء الصحفيين قادة من المهم جداً تتبع حركتهم وأخبارهم وأفكارهم.
وفي الأسابيع الأخيرة ، ظهر بوضوح أن عدداً من ضباط هيئة الأركان الإسرائيلية يشعر بقلق شديد من إنخراط بينيت المتدرج في مغامرات عسكرية في بعض دول الشرق الأوسط دون أن تحسب بشكل جيد نتائج مثل هذه المغامرات أو المترتب عليها في حال إنكشاف أمر ضلوع إسرائيل فيها.
ويشير أحد هؤلاء الكتاب الى مثل من تلك المغامرات وهو ما تفعله إسرائيل الآن من خلال لجنة مشتركة مغربية إسرائيلية تحت عنوان تدريب ضباط شباب مغاربة على فنون القتال وعلى الطيران المسير وإستخدامه في العمل العسكري.
وتتم هذه العملية في مكانين وليس في مكان واحد فقد أرسلت إسرائيل مجموعة من الخبراء والمدربين لتدريب بعض الضباط الشباب المغاربة على الطيران المسير وكيفية إستخدامه في إصطياد أهداف محددة وكيفية إدارة معركة تستخدم فيها مثل هذه الطائرات كطائرات قاصفة لأهداف محددة ( وقد تكون العملية الإجرامية التي ذهب ضحيتها ثلاثة مواطنين جزائريين لا ندري من هم وقد يكونوا مدنين مهمين، قد تكون إحدى هذه المغامرات الإسرائيلية التي تمت في حقل تدريب الضباط المغاربة على إصطياد أهداف محددة بالطائرات المسيرة).
ويفيد كاتب آخر، بأن هذا القلق يزداد تدريجياً وبشكل عميق نتيجة لملاحظات أساسية رفعت لهيئة الأركان من لجنة من لجان التفتيش حول جاهزية الجنود الإسرائيليين لخوض معارك طويلة الأمد أو لخوض معارك برية.
فقد أشار هذا التقرير الى هبوط غير مسبوق في الجاهزية وهبوط غير مسبوق مستوى الرغبة والإندفاع لدى الجنود الإسرائيليين أو إندفاعهم نحو العمل العسكري أو الرغبة في التفرغ للعمل العسكري أو الرغبة في الإنخراط في أي معركة برية قد تصيبهم كجنود.
ويشير التقرير الى أن الجنود هؤلاء يفضلون الإعتماد على الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا بدلاً من زجهم هم ميدان المعركة.
ومما يزيد من قلق هؤلاء الضباط في هيئة الأركان قسم من هذا التقرير يشير بوضوح الى هبوط المعنويات لدى الجنود والى إزدياد كبير جداً في عدد الجنود والضباط الذين يزورون عيادات الأطباء النفسيين وخبراء معالجة الأمراض النفسية.
وحسب بعض الكتاب الإسرائيليين فإن تعاطي المخدرات أصبح شائعاً في معسكرات التدريب ومعسكرات الجيش في كل مكان وأن هذه المواد تشترى في الأسواق وبشكل واضح وأن هنالك عصابات وشبكات واسعة جداً من المافيا الإسرائيلية توزع مثل هذه المواد وتبيعها في الأسواق وبوسائل متعددة وتصل الى يد الجنود الذين يقضون معظم أوقاتهم في المعسكرات يتناولون مثل هذه المواد المخدرة أو الحبوب المخدرة.
ولسنا هنا في مجال إستعراض كامل لهذا التقرير ولكن هنالك بند سنشير له الآن ثم ننتقل الى تحليل ذلك وهذا البند يتعلق بظهور واضح لعقد نفسية تدفع الإنسان للجريمة وحب الجريمة لدى عدد من الجنود الإسرائيليين والضباط الإسرائيليين.
ويقول إن ظهور ذلك على السطح دليل على ضعف الرقابة وغياب التشدد في ضبط الجنود في المعسكرات أو في الميدان ، مما أتاح لهؤلاء المرضى نفسياً بأن يمارسوا حسب مرضهم الجرائم ليسعدوا أنفسهم بقتل الفلسطينيين أو قتل أي إنسان آخر ويؤكد التقرير أن ظاهرة القتل هي إستخدام المافيا الإسرائيلية لهؤلاء في قتل عدد كبير من أبناء فلسطيني ال 48 بإشتراك مع مافيات عربية إبتزازاً للمال وإرهاباً للفلسطينيين في مناطق ال 48 وذلك حسب قول بعض الكتاب يتم بإغماض عيني الذين شاركوا من عرب ال 48 مع الائتلاف الحكومي في إيصاله للحكم.
من كل هذا، نستطيع أن نستخلص أن وضع الجيش الإسرائيلي ليس ذلك الوضع المثالي الذي يتغنى به الضباط الإسرائيليين ، سواء من تغنى به سابقاً أو يتغنى به الأن ، إن وضع الجيش الإسرائيلي على الأقل وفي أدنى الحدود ليس وضعاً سليماً لأي جيش يتهيىء للقتال أو يخطط للقتال أو ينخرط في عمليات قتالية خارج حدوده او داخلها.
ويقول أحد الخبراء أنه حتى لو إستندت إسرائيل في حربها او عملياتها على التكنولوجيا العالية وعلى الطيران المسير وعلى الصواريخ وعلى الطيران وعلى حرب السايبر فإن ذلك لن يعفي الجيش من دور لابد من القيام به ، خاصة في ظل تنامي المقاومة الشعبية الفلسطينية في كل مكان من الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
ففي قطاع غزة تتنامى قوى المقاومة رغم الحصار الإسرائيلي ، ولا شك أن جاهزية المقاومة للتصدي لأي هجوم إسرائيلي هي جاهزية عالية ، لا بل يقول أحد الخبراء الإسرائيليين ، قد تحصل أمور جديدة هذه المرة في حال هجوم إسرائيل على غزة ، إذ لن يكتفي مقاتلو غزة بالدفاع عنها بل يتخطون الحدود خارج القطاع للدفاع عن القطاع.
اما في الضفة الغربية، فرغم انتهاج إسرائيل سياسة واضحة تحت عنوان الإعتقال اليومي لعشرات الفلسطينيين وبشكل دوري وفي كل قرية وبلدة وحي ومخيم رغم انتهاجها هذا ، لم تستطيع أن تكبح جماح ثورة الشعب الفلسطيني وحركة احتجاجه في كل مكان.
ويقول أحد الخبراء الإسرائيليين ، إن قدرة إسرائيل على كبح هذه الحركة النامية في الضفة الغربية ونجاحها في ذلك لا يعود فقط للإعتقالات الواسعة والتنسيق مع السلطة الفلسطينية وأمنها وأجهزة مخابراتها ، بل يعود الى عدم وحدة الحركة هذه في كل مكان وباستمرار في كل زمان، ويضيف في حال توحد هذه الحركة وإنطلاقها في كل مكان جغرافي وكل زمان ، فإن ذلك سيصبح من أصعب على إسرائيل جيشاً وأمناً وحكومة أن تضبطه أو أن تتحكم به.
وتعكس هذه الحالة المثيرة للقلق نفسها على قدرة الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ وعودها لبعض الحكومات العربية التي طبعت العلاقة معها ووعدتها إسرائيل بحمايتها والمساهمة في ترتيب أمن الحكومات والأنظمة التي طبعت العلاقة معها.
والمثل الأكبر الواضح على ذلك هو ما يجري في اليمن فقد تمكن المناضلون اليمنيون وبكل شجاعة وجرأة وإقدام وإصرار، تمكنوا من تحرير معظم أراضي اليمن في الشمال وسيزحفون لتحرير الجنوب وصولاً لباب المندب قريباً ، إلا أن هذه النتيجة التي تعكس هزيمة كبيرة لقوات السعودية وحلفاء السعودية والمرتزقة وحتى الذين باعوا وطنهم من اليمنيين وسار بركاب ذهب السعودية.
والمثل الواضح على هذا هو ما يجري في اليمن، فقد تمكن المناضلون اليمنيون والمقاومة اليمنية والجيش واللجان الشعبية من تحرير مأرب كمحافظة بأكملها باستثناء مآرب المدينة وذلك حرصاً على عدم وقوع إصابات كبيرة في وسط المدنيين، لكن المفاوضات مع القبائل تجري بسرعة وسوف يصل الإتفاق يتم بموجبه تحرير مآرب المدينة وبذلك تحرير مآرب المحافظة بشكل كامل.
والسؤال الذي يطرح من قبل بعض الكتاب الإسرائيليين هو:
هل تستطيع إسرائيل أن تنفذ تهديداتها بضرب إيران وحدها؟
إذا كانت جاهزية الجيش بهذه الحالة، وإذا كان وضع الجنود بهذه النفسية ، وإذا كان أنهيارهم المعنوي يؤدي الى ظهور المجرمين البطاشين الذي يقتلون الأطفال ويستلذون بذلك، إذا كانت هذه هي الحالة، فكيف يمكن لإسرائيل أن تهدد إيران أو تضرب إيران؟.
إسرائيل تحاول من خلال بعض العمليات التي تريد بها أن تستفز إيران لترد إيران رداً غير محسوب يؤدي بمطالبة إسرائيل للولايات المتحدة بأن تتدخل حسب وعودها بحماية إسرائيل واعتبار أمن إسرائيل أمن الولايات المتحدة.
هذه هي اللعبة الوحيدة التي بقيت بيد بينيت ، وبيد هيئة الأركان وبيد كوخافي، إذ أن إسرائيل لا تملك القدرة على تنفيذ تهديداتها لإيران ولا تملك القدرة على شن حروب على كل فصائل محور المقاومة وفشلت في اليمن وفشلت في سوريا، وفشلت في العراق، وستفشل في كل مكان، إن هي لم تسند من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن إدارة بايدن ليست بوارد شن الحروب ولا تريد أن تشن الحروب وما قالته الإدارة الأمريكية أنه في حال عدم التوصل لإتفاق للعودة للإتفاق النووي، فإن هنالك خيارات آخرى، وأنا أعتقد هذا الكلام قيل، ليس لأن هنالك خيارات آخرى سوف تتبناها الإدارة الأمريكية بل فقط لإرضاء الحكومة الإسرائيلية وإرضاء بينيت، ولكن الإدارة الأمريكية تعلم تماماً، أن شن حرب على إيران أو توجيه ضربات لها سوف يعني أن تنال الولايات المتحدة ما تستحقه لقاء أو مقابل هذا الهجوم، فقواعدها منتشرة في الخليج وقواعدها منتشرة في كل مكان وفي هذه الأيام، حرب السايبر لا حدود لها، وكذلك فإن في كل موقع من مواقع الشرق الأوسط قوى تقف كمقاومة للمخططات الإمبريالية الصهيونية وستقف الى جانب إيران وبذلك تكون الولايات المتحدة قد حفرت حفرة لتقبر نفسها فيها.
من هنا نعتقد أن الإدارة الأمريكية ليست بصدد أي خيار أخر سوى خيار التفاوض.