أثار التحليق المكثف لطائرات الاحتلال "الإسرائيلي" بمختلف أنواعه في سماء غزّة خلال اليوميين الماضيين، وكثرة المناورات الإسرائيلية التي باتت شبه يومية، مخاوف وقلق الغزّيين من نذير مواجهة جديدة تُقرع طبولها في أيّ لحظة، لا سيما بعد الخسائر التي مُنيت بها "إسرائيل" في الحرب الأخيرة التي شنّتها على القطاع في مايو الماضي.
وكانت صحيفة"يديعوت احرونوت" العبرية، قد كشفت، عن توصية قدّمها المستوى العسكري للمستوى السياسي بعدم السماح بتعاظم قوة حماس والجهاد الإسلامي، ما يعني إمكانية تنفيذ عملية عسكرية حال توفر معلومات عن أماكن تصنيع الصواريخ والقذائف الصاروخية وحفر الأنفاق أو تصنيع الطائرات دون طيار.
ويأتي ذلك في وقتٍ يبذل به الوسيط المصري جهود حثيثة من أجل تحريك المياة الراكدة قي مباحثات إتمام صفقة تبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل" وتحقيق تهدئة طويلة بين الطرفين.
أسباب التحليق المكثف
قال الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي، عليان الهندي: "إنّ إسرائيل دولة قائمة على الحروب والقتل والدمار، لافتاً إلى أنّ التحليق المكثف لطائرات الاحتلال في سماء غزّة، و كثرة المناورات التي يُجريها الاحتلال تعود لعدة أسباب أبرزها تخوفه من ردود فعل الجانب السوري بسبب قصفه المكثف على دمشق.
وأضاف الهندي، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "ثانِ تلك الأسباب يتعلق بأنّ جزء من ميزانية الاحتلال يتم إنفاقها في إعداد ما يُسمى بالجبهة الداخلية"، مُشيراً إلى أنّ الاحتلال يُريد أيضاً إشعار خصومه بمدى جهوزيته واستعداده لأيّ حرب".
ورأى أنّه قد يكون هدف "إسرائيل" من تلك المناورات والتحليق المكثف في سماء غزّة، هو تهديد فصائل المفاومة بغزّة للضغط عليها لإحراز تقدم في إتمام صفقة تبادل أسرى جديدة، لاسيما أنّ هذا الملف يشهد حراكاً مُكثفاً في القاهرة".
من جانبه، قال المختص بالشأن الإسرائيلي، حاتم أبو زايدة: "إنّ سماء قطاع غزّة لا يشهد غياب كامل لطائرات الاحتلال لعدة أسباب منها أنّه يسعى دائماً لتجديد بنك أهدافه ولمراقبة ورصد تحركات المقاومة و كشف شبكة الاتصالات والأنفاق، لاسيما بعد نقص المعلومات الاستخبارتية التي مُني بها خلال معركة سيف القدس".
واعتقد أبو زايدة، أنّ يكون السبب الآخر للتحليق المكثف للطائرات هو سعي "إسرائيل" للحصول على أيّ خيط أو معلومة عن الجنود الإسرائيليين المفقودين في غزّة، من أجل تصفيتهم وطي ملف إتمام صفقة التبادل المرتقبة مع "حماس".
وتابع: "جيش الاحتلال بعد الحرب الأخيرة مع غزة بات يُجري مناورات عسكرية في كل مكان بشكل شبة يومي"، مُشيراً إلى أنّ "إسرائيل" تستعد خلال مناورتها لتوجيه ضربات موجعة للعمق "الإسرائيلي" خلال أيّ حرب مقبلة وتتجهز لضرب عدة أهداف على أكثر من جبهة في آن واحد.
ووفقاً لأبو زايدة، فإنّ التقديرات الأمنية "الإسرائيلية" تُشير إلى أنّ الجيش يستعد خلال الحرب المُقبلة لمعركة إقليمة على عدة جبهات.
صفقة الأسرى
وفيما يتعلق بمدى جدية الاحتلال لإتمام صفقة أسرى خلال هذه المرحلة، قال الهندي: "إنّ تدخل الوسيط المصري بهذا الملف يُعطيه جدية، بالإضافة إلى أنّ الزيارات المتبادلة إلى القاهرة من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تُوحي بوجود جدية لدى الاحتلال".
وأكمل الهندي: "كلما تم التوصل لاتفاق لإتمام صفقة تبادل تتراجع "إسرائيل" عنه في اللحظات الأخيرة، لأنها تعلم أنّ الثمن الذي ستدفعه غالي مقابل إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين"، مُشيراً إلى أنّ الزيارات المتبادلة في القاهرة تدل على أنّ هناك تقدم في المباحثات ولكنها لم تصل لحل جذري للفجوات العالقة بين الطرفين.
واعتقد أنّ هناك سبب آخر يمنع حكومة الاحتلال من دفع ثمن باهظ لإتمام صفقة تبادل جديدة، وهو أنّ "إسرائيل" تعتقد أنّ جزء من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس قتلى والجزء الآخر هم ليسوا من العرق الأبيض اليهودي.
ورأى أنّه من المبكر الحديث عن تحقيق نتائج ملموسة في مباحثات صفقة تبادل جديدة، نظراً لتعنت الاحتلال وربطه ملف إعمار ما تم تدميره في الحرب بملف الأسرى.
فيما وافق أبو زايدة، سابقه الرأي بأنَّ "إسرائيل" غير مستعدة في هذه المرحلة وترفض بشدة دفع أيّ ثمن مقابل إطلاق سراح الجنود "الإسرائيليين"، مُنوّهاً إلى أنّ الاحتلال مُصر على عدم تكرار ما حدث في صفقة شاليط.
وبيّن أبو زايدة، أنّ الاحتلال متخوف من إبرام صفقة جديدة، نظراً لخشيته من أنّ يؤدي ذلك لانعكاسات خطيرة على الإئتلاف الحكومي الجديد ويقود به في نهاية المطاف للتفكك.
ملف التهدئة
ورجَّح الهندي، أنّ يسعى الاحتلال خلال الفترة المقبلة إلى الحفاظ على التهدئة مع غزّة ما لم يحدث أمر طارئ يدفع نحو اندلاع مواجهة جديدة، مُبيّناً أنّ الاحتلال اتخذ قراراً استراتيجياً بفصل الضفة عن غزّة، وأحد أهدافه من التهدئة هو استمرار حالة الانقسام الفلسطيني.
كما وافق أبو زايدة، سابقه الرأي، بأنّ خيار التصعيد مُستبعد في هذه المرحلة، وأنَّ الاحتلال يسعى لتجنب اندلاع أيّ مواجهة مع غزّة لأطول فترة ممكنة عبرتقديم تسهيلات اقتصادية والدفع بالوسيط المصري للتدخل لنزع أيّ أسباب قد تؤدي لمواجهة قريبة مع القطاع.
وبحسب أبو زايدة، فإنّ السبب الذي يدفع "إسرائيل" لتجنب أيّ مواجهة مع غزّة علمها بأنّ المقاومة تملك من الأدوات ما يردعها في التفكير في شنّ أي حرب جديدة على القطاع، وخوفها من أنّ تمتد المواجهة لعدة جبهات.
حكومة بينيت
وبالحديث عن الصعوبات التي تُواجه حكومة بينيت، أكّد الهندي، على أنّ حكومة بينيت لا يوجد في طريقها أيّ صعوبات، ومستقرة فقد حصلت على الأغلبية بالتصويت، ويدعمها العرب، لافتاً إلى أنّ القائمة العربية المشتركة على استعداد لدعم هذه الحكومة في حال تمكن حزب نتنياهو من تجنيد عدد كافي من الأعضاء لإسقاطها.
وأوضح الهندي، أنّ غالبية الحكومات في "إسرائيل" بعد تشكيلها تبقى مستقرة لمدة سنة ومن ثم تبدأ مشاكلها بالظهور.
فيما رأى أبو زايدة، أنّ حكومة بينيت مستقرة، ولكن في ذات الوقت مازال هناك صعوبات في طريقها قد تؤدي إلى إسقاطها، ومن بينها قطاع غزة والإدارة الأمريكية، لاسيما مع وجود خصم ومراوغ كحزب "الليكود" بقيادة نتنياهو.