في إطار الصراع الذي تشهده تشهد الجامعات البريطانية بين الداعمين للقضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني من جهة، وبين اللوبي الإسرائيلي “الذي يحاول اعتبار كل دعم لفلسطين وانتقاد الاحتلال معاداة للسامية” من جهة أخرى، طرد طلاب مناصرون للقضية الفلسطينية يوم الثلاثاء الماضي التاسع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، سفيرة إسرائيل في بريطانيا تسيفي هوتوفلي، من كلية الاقتصاد في لندن، احتجاجا على حضورها ندوة حوارية في الجامعة، وهي محاطة بحراس نقلوها إلى سيارة لإبعادها عن حرم الجامعة، وسط تعالي أصوات المتظاهرين الذين حملوا علم فلسطين وهم يرددون عبارات “عار عليك”، في حين سألها أحدهم عما إذا كانت قد خجلت من نفسها.
السفيرة الإسرائيلية في لندن، هي وزيرة سابقة للاستيطان، ولديها مواقف عنصرية تجاه الفلسطينيين، ولا تعترف بحل الدولتين، وقد أحدث تعيينها انقساما داخل الجالية اليهودية في بريطانيا بالنظر لمواقفها المتطرفة.
وقد جاء هذا الحدث الهام تعبيرا عن ارتفاع مظاهر التعاطف مع القضية الفلسطينية في المملكة المتحدة، وذلك رغم كل الجهود التي يقوم بها اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا.
أما الجامعة فقد أكدت أن السفيرة حضرت وألقت كلمتها لأكثر من ساعة، وأنها كانت على علم بوجود ”تهديدات بالعنف خرجت في مواقع التواصل الاجتماعي، في إشارة لتغريدة واحدة لحساب مجهول تم إنشاؤه قبل يوم، وفيه دعوة لرشق سيارة السفيرة بالحجارة، قبل أن يتم حذف الحساب.
لكن الجامعة لم تذكر في بيانها أنها تلقت طلبا موقّعا من 500 طالب من مختلف الجامعات في لندن، يطالبون فيه بعدم استضافة السفيرة التي سبق أن شغلت منصب وزيرة المستوطنات بالحكومة الإسرائيلية، ويقول الطلبة إن الحكومة البريطانية تعتبر الاستيطان غير قانوني، وبالتالي فالتعامل مع من يشرعن الاستيطان أمر غير قانوني.
وتعكس واقعة جامعة لندن للاقتصاد، الجو المشحون الذي تعيشه الجامعات البريطانية بصفة عامة، بين أنصار القضية الفلسطينية ومؤيدي الاحتلال الإسرائيلي، في ظل جدل أكاديمي واسع حول تعريف “معاداة السامية” داخل الحرم الجامعي، وهي تهمة إسرائيل لمناهضيها حول العالم.
وردا على هذه الواقعة وصف وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد سفيرة بلاده بأنها قوية ولن تدع أي عصابة من البلطجية العنيفين والمعادين للسامية تخيفها، على حد وصفه. وأضاف في تغريدة على تويتر أن النضال ضد نزع الشرعية عن إسرائيل ومعاداة السامية هو جزء من كفاحنا من أجل القصة الإسرائيلية وسفراؤنا هم في طليعة هذا النضال.
ارتفعت مؤخرا مظاهر التعاطف والتأييد للقضية الفلسطينية في المملكة المتحدة، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أقر كل من حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي اعتماد مواقف مؤيدة للحق الفلسطيني وتدين الاحتلال وجرائمه بحق الفلسطينيين، وذلك خلال أشغال مؤتمر الحزبين السنوي الذي يعتبر الموعد الأهم لكل حزب في بريطانيا، وعلقت حملة التضامن مع فلسطين على صفحتها في تويتر بأن هذا البيان ”تاريخي”، لأنه يعتبر أن “إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري (الأبارتايد)”.
في المقابل، لم تخف مجموعة “أصدقاء إسرائيل” داخل حزب العمال غضبها من هذا البيان، وقالت إن الشق المتعلق بالملف الفلسطيني “تمت صياغته بشكل غاضب جدا ويعبر عن وجهة نظر واحدة ولا يبحث عن إقرار السلام”.
يواجه الطلبة المدافعون عن القضية الفلسطينية كثيرا من المضايقات داخل جامعاتهم، ففي كل مرة يشارك فيها ممثلون لدولة الاحتلال، يقوم الطلبة بفعاليات مختلفة للاعتراض، ويحضر هذه الفعاليات المئات منهم، إلا أن الجامعات تقوم بالتضييق على قادة هذه الأنشطة، ويتم إصدار قرارات في حقهم قد تصل حد الطرد نهائيا من الجامعات.
ويؤكد الناشطون الفلسطينيون من الطلبة والأكاديميين إن القطاع الطلابي داخل الجامعات البريطانية له دور كبير في الدفاع عن فلسطين من خلال التعريف بالقضية لأن لديهم الإمكانيات الأكاديمية والعلمية للرد على رواية الاحتلال عبر الحقائق التاريخية، وانتقل نضال الطلبة حاليا إلى الضغط على الجامعات من أجل سحب استثماراتها من الشركات التي تدعم الاحتلال والاستيطان، وهذه معركة تحتاج كثيرا من الجهد والنفس الطويل.
إن واقعة طرد السفيرة الإسرائيلية من جامعة لندن للاقتصاد تعبر عن رفض الاحتلال للأراضي الفلسطينية وسياساته العدوانية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني، كما تعبر عن تنامي الدعم والتأييد للقضية الفلسطينية، وللحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة في الاستقلال وتقرير المصير، وينبغي تطوير حركة التضامن في الجامعات وفي كافة المؤسسات والتجمعات والأوساط الشعبية، حتى تصبح أكثر تأثيرا وفعالية واتساعا في المملكة المتحدة وغيرها من دول العالم.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي