أكّد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، د. صلاح عبد العاطي، على أنَّ تعطيل العملية الانتخابية أدى لتراجع النظام السياسي والمشروع الوطني برمته، إضافةً إلى تراجع دور السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وعدم المقدرة على مواجهة الاستيطان والتهجير والتهويد وجرائم القتل، وتوجّه قطاع غزّة نحو تفاهمات منفصلة عن الإطار الفلسطيني العام.
جاء ذلك اليوم الثلاثاء، خلال ندوة سياسية عبر تطبيق "كلوب هاوس Clubhous" والتي نظّمتها مفوضية الإعلامة بتيار الإصلاح بحركة فتح، وتابعتها وكالة "خبر"، بعنوان "تعطيل العملية الديمقراطية وأثرها على مستقبل النظام السياسي الفلسطيني"، بحضور د. عبد العاطي، والكاتب والمحلل السياسي د. أيمن الرقب، وأستاذ العلوم السياسية د. أيمن شاهين.
وأضاف عبد العاطي، خلال مداخلته بالندوة السياسية: "إنّ الواقع الفلسطيني قد يتجه إلى سيناريوهات لا يرجوها شعبنا، في ظل انسلاخ غزّة عن المشروع الوطني، وتوجهها نحو تفاهمات منفصلة عن المشروع الوطني".
ورأى أنَّ المخرج الوطني للحالة الراهنة هو فرض إرادة الناس وتشكيل تيار وطني عريض من السياسيين في إطار منظمة التحرير، لإصلاح المشهد السياسي الحالي والضغط نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني.
وتابع: "إنَّ تعامل الرئيس مع خصومه السياسيين بشكل إقصائي يتطلب تغيير ديمقراطي وتعزيز الشراكة بين الكل الوطني، لإصلاح الحالة الوطنية والنظام السياسي، من أجل العمل على رفض النموذج الديكتاتوري وإعطاء فرص للشباب، والتوافق على خارطة طريق تضمن إجراء الانتخابات العامة".
وأردف: "نحن في إطار تطور مكانة فلسطين لمستوى مراقب في منظمة الأمم المتحدة، ما يتطلب الاتفاق على إجراء الانتخابات بما يشمل الترتيب للمرحلة المقبلة، وهذا الأمر لن يتم إلا في إطار مجلس تأسيسي ينتخبه الشعب الفلسطيني بمشاركة الشباب والنساء لإعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس الشراكة".
وبالحديث عن شكل الانتخابات القادمة، قال عبد العاطي: "يجب على الفصائل الفلسطينية والسلطة وكافة مكونات شعبنا، تحديد شكل الانتخابات القادمة، وذلك بالذهاب نحو انتخابات برلمان دولة فلسطين أو انتخابات تُعيد ترتيب وبناء السلطة الفلسطينية وتحويلها لخدمة المشروع الوطني، وهو الأمر الذي يتطلب تعديلات في طبيعة النظام السياسي الفلسطيني".
وأكّد على أنَّ العالم يتجه الآن نحو قيادة الشباب للمشهد السياسي، لذلك من المهم تجديد الحركة السياسية الفلسطينية، ونبذ الانقسامات والاتفاق بين كل مكونات شعبنا الفلسطيني، مُشيراً إلى أنّه ليس من حق الرئيس تعطيل العملية الانتخابية، ومن المهم منع تمدد جماعات المصالح التي لا تسعى إلا لتنفيذ أجندات تخدم أهدافها الشخصية.
وأشار إلى أنّ المجتمع الفلسطيني فقد رشده وارتهن بدول الإقليم والمجتمع الدولي، مُبيّناً أنّ العالم منشغل الآن بقضايا أخرى، حيث ينشغل الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بالحرب ضد الصين وروسيا، وهو الأمر الذي أدى لتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وما يجري هو اهتمام جزئي في إطار وكالة الغوث فقط.
واستدرك عبد العاطي: "السيناريو الأفضل لإسرائيل هو بقاء السلطة الفلسطينية في وضعها الحالي كوكيل أمني لها في المنطقة"، مُردفاً: "الواقع الراهن يتجه نحو كيانية في غزّة بأقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي، وهو السيناريو المتوقع في ظل غياب الوحدة السياسية عن المشروع الوطني".
واعتبر أنّ فشل إجراء الانتخابات كان نتاج تدخلات الرئيس وضعف الحركة الوطنية وتراجع الاهتمامات الوطنية وفقدان الثقة بالأحزاب، لافتاً إلى أنَّ مصالح الناس ارتهنت بالسلطات في غزّة والضفة، وهو ما أدى لتحويلهم من ثوار إلى موظفين، وأيضاً تم إقصاء عدد منهم عن القرار، بالإضافة إلى قطع الرواتب لمجرد التعبير عن الرأي.
وبيّن عبد العاطي، أنَّ قطاعات الشباب لها مطالب من السلطة وحركة حماس لإحداث تغيير في الواقع السياسي الفلسطيني، مُشدّداً على ضرورة مواجهة الحالة الراهنة، في ظل شراء بعض قيادات فتح السلاح لبعضهم، وفق حديثه.
وأكمل حديثه: "ليس من حق أحد تعيين رئيس المحكمة الدستورية كبديل للرئيس محمود عباس في حال وفاته، لأنه لم يتم عرضه على المجلس التشريعي المعطل، وبالتالي الخيار هو التوافق أو الاقتتال".
كما أوضح أنَّ السيناريو الأفضل للخروج من الواقع الحالي، هو هو الضغط على الرئيس وإلزامه بالتراجع والاستقالة، والاتفاق على نقاط أساسية واستراتيجية نضالية، مُنوّهاً إلى أنَّ تطبيق ذلك يتطلب ظهيراً دولياً وشراكة وتنسيق بين الفصائل.
واستطرد: "مستوى النماذج التي تُقدمها الفصائل ضعيف، لكنَّ الحراك الفلسطيني قادم مهما كانت الظروف لإعادة وحدة الشعب الفلسطيني وترتيب البيت الداخلي".
أما عن ملف الهجرة، لفت عبد العاطي، إلى أنَّ الهجرة من الوطن مرفوضة لأنّها سعي ومطلب "إسرائيلي"، ومع ذلك لا يملك أحد طلب البقاء من الشباب بسبب الواقع الراهن، مُبيّناً أنَّ الهجرة متاحة للتعليم والعمل، لكن بشكل "مراكب الموت" فهي مرفوضة تماماً.
وختم عبد العاطي حديثه، بالقول: "يُمكن تأمين حياة أفضل للشباب داخل الوطن، بتشجيع المشاريع الصغيرة، وتقنين الهجرة بشكلها الحالي، حيث شاهد الجميع حجم الألم الذي يتعرض له المهاجرين الفلسطينيين"، داعياً السلطة إلى البحث عن توفير فرص عمل لهؤلاء الشباب، وهو الأمر الذي يُعيد المطلب الوطني بإجراء الانتخابات، وأيضاً وقف العقوبات المفروضة على قطاع غزّة، وإعفاء مشاريع الشباب من الضرائب لتشجيعهم على البقاء داخل الوطن.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، د. أيمن الرقب: "إنّ الحديث عن تعطيل العملية الديمقراطية، يُعيدنا إلى أسباب التعطيل قبل التطرق لآثاره"، مُشيراً إلى أنَّ الفصائل تتحمل مسؤولية تعطيل الانتخابات، خاصةً أنّها عقدت عدة لقاءات في أماكن مختلفة دون وضع حل لإجراء الانتخابات في القدس.
وتابع الرقب: "إنََ هدف الرئيس من تعطيل العملية الانتخابية، هو إبعاد قائمة المستقبل عن الانتخابات، في ظل معطيات أظهرت إمكانية حصول القائمة على 20 مقعد، وهو السبب الرئيس الذي دفعه نحو تأجيل الانتخابات، لكنّ في ذات السياق، فإنّ الفصائل لم تُعالج أسباب التأجيل".
وأضاف: "أزمة النظام السياسي الفلسطينية الراهنة تسبب بها الرئيس أبو مازن، وفي حال غيابه من غير المعروف من هو الذي سيقود الفترة الانتقالية بسبب تعطيل المجلس التشريعي بعد قرار حلّه"، مُؤكّداً على أنَّ تكليف رئيس المحكمة الدستورية بالفترة الانتقالية أمر غير قانوني أيضاً، كونه لم يحظى بثقة المجلس التشريعي.
وأكمل: "أبو مازن لم يُعين نائب له وبالتالي في حال غيابه سنذهب نحو أزمة سياسية فلسطينية"، مُعتبراً أنّ المخرج منها هو إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني.
ورأى الرقب، أنّ قرار تأجيل الانتخابات لم يكن لعام أو عامين فحسب، بل إلى حين غياب الرئيس عباس عن الحياة السياسية"، مُبيّناً أنَّ تأجيل الانتخابات أحدث انتكاسة فلسطينية كبيرة، في ظل عزوف غزّة وبعض مناطق الضفة الغربية عن انتخابات البلدية.
وأردف: "يوجد سعي غير معلن لفصل قطاع غزّة عن الضفة والمشروع الوطني، لكن على الرغم من ذلك تُحاول غزة أنّ تبقى في دائرة الحدث، وهو ما ترجمته الأحداث الأخيرة بعد الاعتداء على حي الشيخ جراح واندلاع المواجهة العسكرية في قطاع غزّة في شهر مايو الماضي".
وعبَّر عن خشيته من التوجه إلى انقسام جغرافي ومؤسساتي أكثر من الحالي، في ظل تردي الواقع السياسي وانعدام الرؤية الوطنية، وهو الأمر الذي ألقى بظلالٍ كارثية على الحالة الفلسطينية، وأيضاً أدى لازدياد معدلات الهجرة.
وأوضح أنَّه من المهم أنّ يتم إجراء الانتخابات تحت سقف أوسلو مع إدخال التعديلات اللازمة، مُعتبراً أنّ سيطرة السلطة على منظمة التحرير يعود إلى أنّها تملك المال، لذلك فإنّ إصلاح البيت الفلسطيني يتطلب إجراء الانتخابات العامة في أسرع وقتٍ ممكن.
ونوّه إلى أنّ كل دول العالم حاولت إقناع الرئيس بإحداث تغيير سياسي وإجراء الانتخابات العامة لكنّ جميع التدخلات باءت بالفشل، مُضيفاً: "غزّة وقود النار لكنها لا تستطيع إحداث أيّ تغيير حقيقي، ويبقى المخرج الوحيد هو الديمقراطية والعودة للشعب".
كما بيّن أستاذ العلوم السياسية، د. أيمن شاهين، أنَّ تعطيل الانتخابات لم يجري على التشريعية والرئاسية فقط، بل إنَّ عملية التعطيل تشمل كل أشكال الانتخابات، بما فيها النقابات والجامعات التي لم تُجرى انتخابات مجالسها منذ عام 2007.
ونبَّه شاهين، إلى أنَّ العملية الديمقراطية متعطلة في النقابات أيضاً، حيث لم تشهد غالبيتها أيّ عملية ديمقراطية لإجراء انتخابات المجالس، مُؤكّداً على حق الطبيب والمحامي والمهندس والصحفي باختيار ممثليه في النقابات.
واعتبر أنّ تعطيل العملية الانتخابية لا يخدم إلا جماعة سياسية بعينها، مُستدركاً: "نحن رهينة نفوذ الرئيس أبو مازن والنظام السياسي الحالي، ما يتطلب حراكاً جدياً خارج إطار المستفيدين، ينتهي بتغيير الواقع الحالي من خلال الانتخابات العامة".
وأشار شاهين، إلى غياب العملية الديمقراطية عن كافة مناحي الحياة في غزّة "التشريعية، والمحلية، والنقابات، ومجالس الطلبة" وذلك منذ أحداث الانقسام وحتى يومنا هذا.
وأنهى شاهين حديثه، بالقول: "إنَّ الرهان على غزّة كبير، لكنها محاصرة ولا تستطيع التأثير على الحالة الراهنة"، مُضيفاً: "الحالة الفلسطينية تنتظر تدخلاً ربانياً لتغيير الواقع إلى الأفضل، ورغم ذلك فإنَّ الجسد الفلسطيني سيبقى حي وضاغط نحو إجراء الانتخابات".