إذا لم يكن قتل الشاب محمد شوكت سليمة الذي استشهد مساء الأمس برصاص الجنود الإسرائيليين في باب العمود بالقدس هو جريمة قتل كاملة الأركان، فما هي جريمة القتل!
لقد أصيب بالرصاص في ساقه وتم شل حركته ولم يعد يُشكل خطرا ً على أحد، فبأي منطق وقانون وشريعة يتم إطلاق النار عليه المرة تلو المرة وهو عاجز عن الرد الى أن تحقق الجنود من وفاته.
لا أجادل أو أناقش قيامه أو عدم قيامه بعملية الطعن، بل سأنطلق من فرضية أنه قام فعلا ً بالطعن فهل يحق للجندي الذي أطلق النار عليه وهو ملقى على الأرض دون حول أو قوة أن يُصدر عليه حُكما ً بالإعدام وينتزع منه حقه في الحياة؟
في أي دولة قانون، وإسرائيل تدعي أنها دولة قانون، يتم تقديم الجاني الى القضاء ليقول كلمته وليس لرجال الشرطة الذين من واجبهم تنفيذ القانون والسهر على قيام غيرهم بالالتزام باحترام القانون.
ما حدث أمس هو جريمة قتل بكل معنى الكلمة، وهو حلقة في مسلسل القتل بدم بارد الذي يمارس ضد أطفالنا وشبابنا الذي سقط خلاله المئات في السنوات الأخيرة حتى أن ثلاجات الموتى في المستشفيات الإسرائيلية ضاقت بهم. وهو جريمة يجب أن يعاقب عليها من قام بها ومن يقف من ورائه، ليس بخدمة اجتماعية لأشهر معدودة كما عودنا القضاء الإسرائيلي المنحاز، بل بأقصى عقوبة ينص عليها القانون، وعقوبة القتل التي تتوافق عليها القوانين الجزائية في جميع الدول المتحضرة التي تحترم حق الإنسان في الحياة تتراوح بين السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة والإعدام.
ويبقى سؤال آخر يجب أن نواجهه بشجاعة وأمانة ومسؤولية:
من الذي أرسل الشهيد محمد شوكت سليمة ليقوم بما قام به؟ وإن لم يكن هناك من أرسله فمن المسؤول عن عمله.
نحن نفقد بين الحين والآخر زهرات شبابنا وشاباتنا أطفالا ً في عمر الورود. ومع أن قتلهم يتم بدم بارد من قبل أفراد الشرطة وحرس الحدود والجيش الإسرائيلي إلا أنه لا يجوز أن نعفي أنفسنا من المسؤولية.
قد يقول قائل بأن المقاومة ضد الاحتلال هي حق مشروع لأي شعب يرزح تحت الاحتلال، وهذا كلام صحيح ، ولكن علينا أن ننبه الى أن المقاومة لا تكون بنزعة فردية خارج سياق العمل الوطني المنسق والمتناغم.
فالأعمال الفردية ليست سوى هدرا ً للدم ونزيفا ً لا طائل وراءه ولا فائدة منه. فكم سقط من الأطفال ذكورا ً واناثا وبالغين فما النتيجة التي حققها سقوطهم في مجمل رصيد الحساب الوطني الساعي لإنهاء الاحتلال؟ ألم تضع دماؤهم سدى؟
المسألة ليست كم نقتل من الإسرائيليين أو كم هم يقتلون منا. فأعمال القتل هذه لا تحقق لنا الاستقلال وإنهاء الاحتلال كما أن قيامهم بقتل أطفالنا وشبابنا لن يحقق لهم الأمن مهما قتلوا منا أو أوغلوا في قتل أطفالنا في وقت كان بإمكانهم اعتقالهم. فأعمال القتل التي يقومون بها لن تؤدي إلا الى تأجيج الرغبة بالثأر والانتقام لنظل نحن وهم ندور في حلقة مفرغة من القتل المتبادل.
ومع الإدانة المطلقة التي لا تحتمل النقاش لأعمال القتل الإسرائيلية ضد شبابنا فإني أتساءل: أين القيادة الفلسطينية التي تتحمل مسؤولية إدارة الصراع مع الاحتلال، ولا أقصد بالقيادة من يجلسون في رام الله وحدهم أو من يجلسون في غزة وحدهم، بل كل القادة والفصائل وكل المتشدقين المتحدثين باسم الشعب ومصيره. أين أنتم؟ أين برنامجكم الوطني للمقاومة؟ الى متى يُترك أطفالنا وشبابنا مثل الغنم بلا راع؟ ولماذا تهللون وتمجدون الأعمال الفردية غير المجدية لتغطوا على عجزكم القيادي !
ما هي استراتيجيتكم للتحرير، ولماذا لا تصارحوا الناس بالحقيقة. فإن كانت لديكم استراتيجية وخطة للمقاومة وانهاء الاحتلال فأعلنوها على الشعب وادعو الجميع ليندرج في اطارها ولا يخرج عنها قيد أنملة ولتتوقف كل الأعمال الفردية ، وإذا كنتم يئستم من النضال واستسلمتم لحياة البذخ وشهوات الحكم فأعلنوا ذلك على شعبكم واطلبوا من الجميع أن يركن “ربابته” ويحذو حذوكم. فلماذا تراق دماء هؤلاء الفتيان والفتيات سدى خارج نطاق برنامج وطني للمقاومة وعلى يد جنود إسرائيليين تجردوا من الحس الإنساني والأخلاقي وأصبحوا يتلذذون بقتل أبنائنا تماما كمن يمارس هواية القنص أمام لعبة الكترونية.
أعمال الطعن ومحاولات القتل التي يذهب دم أبنائنا بسببها هدرا يجب أن تتوقف، وعلى القيادة أن تتحمل مسؤوليتها بإعلان موقف واضح بشأن الآلية وكيفية إدارة الصراع أو إدارة الاستسلام. أما صمتها وغياب برنامجها الوطني فهو تقصير لا يجوز استمرار السكوت عليه.