يا لوجع هذا الغياب مات حسن البطل

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

بقلم: عبد المجيد سويلم

يا لوجع القلب، مات حسن...
كنّا نعرف أن جسمه لن يتحمّل طويلاً، لكننا «قرّرنا» أن نراهن على صدفة أو معجزة...
مات حسن وأنا بعيد عنه، لن أراه مسجّىً، ولن يقول لي ولا كلمة واحدة قبل لحظة الانزلاق الأخيرة.
لن يبتسم قبل الابتعاد الأخير، ولن يسخر منّا في لحظات الفراق الأخيرة.
قي آخر عشر سنوات على الأقل كنتُ أراه يومياً، وأُلازمه طالما كنتُ في رام الله، وعندما سافر خالد درويش، وعندما كان يسافر غسّان عبد الله كنتُ أقوم بدور الثلاثة، ويقوم أحمد بدور الأربعة عند الحاجة، وأحياناً بدونها.
مات الفارس المتمرّس، مات المقاتل الشرس دفاعاً عن الوطنية الفلسطينية.
مات صاحب الأرقام القياسية في كتابة العمود اليومي في الصحافة الوطنية.
انتقل مع الثورة، وسافر إلى حيث «فلسطين الثورة»،  ومن قبرص وتونس وبيروت تابع مسيرة الصحافة الوطنية، ومهنة الكتابة الملتزمة إلى أن «عاد» إلى رام الله ليواصل مساره في «الأيام»، حتى تحوّل عموده اليومي [أطراف النهار] إلى أحد أهمّ معالمها، وحتى تحوّلت كتابة حسن إلى مدرسةٍ متكاملة، وإلى أسلوبية خاصة أدهشت كل قارئٍ وقارئة، وأدهشت كل كاتب  وكاتبة، وفرضت نفسها في الحياة الأدبية والثقافية والإعلامية بكل اقتدار وزهوٍّ ورونقٍ متميز.
رحلة حسن البطل رحلة بطولية، موجعة وشرسة. من طيرة حيفا إلى دمشق، من دمشق إلى بيروت، ومن بيروت إلى تونس وقبرص ومنها إلى تونس لتحطّ خيوله في رام الله.
عاد حسن صباح الأمس، من رام الله إلى الطيرة، وأظنّه قد مرّ بقبرص وتونس وبيروت ودمشق، وربما بغداد، أيضاً، قبل أن تتهادى أجنحة روحه على تلك «الطيرة» التي عشقها عن بعد، وهام بها عندما شاهدها بعد عودته «المجازية» إليها وكان قد مرّ من الزمن أكثر من نصف قرن.
يا لهول مأساة الفلسطيني... نصف قرن ليرى حسن البطل بلدته التي عاش فيها ثلاث سنوات ليس أكثر.
حسن البطل كان يمتلك مرونةً فكرية وثقافية وسياسية مدهشة، وكان يراهن في قرارة نفسه على الفشل الحتمي للمشروع الصهيوني، لكن حسن البطل، المسالم والوديع، كان شرساً بقدر ما تعلّق الأمر بالوطنية الفلسطينية، وكان متشدّداً إلى أبعد حدود التشدّد إذا كان الأمر يمسّ الهوية الوطنية، وكان حاسماً وجازماً في الوقوف المتوثّب والمتأهّب إذا ما حاول أحد أن يتطاول على فلسطين.
كان حسن «عصبوياً» لفلسطين، وطالما عبّر عن هذه العصبوية بالقول [خيّا أنا مع الوطنية الفلسطينية عندما تصيب وعندما تخطئ، ومعها عندما تتوهّج وعندما تخبو، ودائماً معها لأنها هي الأمل والملاذ والرّهان].
ومن المفارقات التي أعتبرها خاصة وشجاعة اختلاف حسن البطل مع أدونيس حول تقييم «الثورة الإيرانية» حينما قامت، ذكر حسن أن أدونيس كان مبهوراً بالثورة في أيامها الأولى، في حين أن العين الفلسطينية كما رأى بها حسن البطل لم تكن ترى ما رآه أدونيس، بل ان حسن لم يتردد بالقول إن هذه «الثورة» ربما تكون أخطر علينا بأكثر مما تظن...
حسن الذي أرّخ ليوميات الانتفاضة الوطنية الكبرى من قبرص وواكب أدق تفاصيل تلك الانتفاضة العملاقة مات في يوم ذكرى هذه الانتفاضة.
غياب حسن البطل كان منتظراً في ضوء التقارير الطبية التي كنّا على معرفةٍ تامّة بها، لكن هذا الغياب سيظلّ خسارةً كبيرةً للصحافة الفلسطينية لأن حسن كاتب موسوعي، ومثقف عضوي من طراز خاص، وصحافي يتقن كتابة المكثف، العميق، المتنوّع، الملوّن، السلس الصعب والوعر، والصعب السلس المتهادي والبسيط.
وبقدر ما كان حسن صديقاً يعيش حياة الوحدة الصعبة أحياناً، فقد منّ عليه القدر بأصدقاء كُثر أحبّوه واحتضنوه وسهروا على متابعة كل ما كان يحتاج إليه.
عليّ أن أُسجّل بإعجاب واحترام شديد وقفة أحمد داوود مع حسن في الأشهر الأخيرة، فقد كانت هذه الوقفة فوق مستوى الوفاء وفوق كل تقدير.
أما الأخ (أبو مهند)، جاره الذي تفانى في خدمته ومساعدته فليس لديّ من الكلمات ما تكفي من مشاعر التقدير والامتنان والعرفان.
كان حسن محظوظاً بالأصدقاء، وكان عظيم الحظّ بكل ما في هذا العالم من شهامة وإسناد.
لم أتمكّن يا حسن من إنجاز ما اتفقنا عليه من مقابلات أجريها معك، ولكنني أعدك أن أفعل حتى من دونها.