تومي حسون، طالب موسيقى وجندي سابق في بيت الرئيس، هاجمه شبان يهود وضربوه بشدة في المحطة المركزية في القدس قبل نحو ثلاثة اسابيع. راضي حسيسي، محارب في لواء جولاني، أصيب إصابة بالغة في عينه، بعد أن هاجمه شبان يهود في نادي في كيبوتس ياغور. الشابان المصابان من دالية الكرمل تعرضا للضرب لأنهما تحدثا بالعربية.
في كلتا الحالتين، ووفقا لنمط محدد تكرر على الشاكلة ذاتها في حوادث مشابهة في الماضي، تداعى الدروز وطلبوا استعادة شرفهم. أعادوا إلى الذاكرة خدمتهم في الجيش وإخلاصهم للدولة، وعبروا عن خيبة املهم من خرق «ميثاق الدم». ردت الصحافة على ذلك، وجاء رد السياسيين اليهود بالاقرار بالذنب وطلبوا السماح من الطائفة.
هذه ليست المرة الاولى التي يُعتدى فيها على الشبان الدروز من قبل يهود او يُمنعون من دخول النوادي، لكن التقارب الزمني بين الحدثين ابرز الظاهرة ولفت الانتباه من قبل الجمهور ووسائل الاعلام.
على الدوام تتلقى الطائفة الدرزية الصفعات المدوية من المجتمع أو المؤسسة اليهودية (يقودهم قانون القومية) التي تقول لهم إنه من وجهة نظر الدولة اليهودية يبقى الدروز «عرباً»، دون الاكتراث لتضحياتهم بأنفسهم من أجلها. لا أحد يتعلم من الدرس؛ لا الدروز ولا قادة الدولة.
آن الآوان لاستيعاب الواقع، بأن الدولة اليهودية لا تستطيع ان تحتفظ داخلها بمن هم ليسوا يهودا، حتى لو أطلقوا عليهم اسم الدروز، حتى لو كانوا يخدمون في الجيش (بعض المسلمين والعرب المسيحيين يخدمون باختيارهم)، حتى لو تنازلوا عن اجزاء من هويتهم لصالح التماهي مع المجتمع الاسرائيلي، حتى لو كان لهم اسماء يهودية. لأن هذه الدولة يهودية أولاً وديمقراطية بعد ذلك، ولن يغير من هذه الحقيقة كل الديماغوجيين الذين يدعون انه لا فرق بين الاثنين. والسؤال هنا، ما هو المتوقع في العلاقات بين الدروز والدولة على ضوء هذه الوقائع؟
مع بداية سنوات الالفين، وخلال الدراسة التي اجريتها ضمن اطار مشروع لنيل درجة الدكتوراه على هوية الدروز في اسرائيل، التقيت مع شبان من الطائفة، عبروا عن خيبة الأمل والإحباط الكبيرين من علاقة الدولة بهم. والاحساس العام الذي تشارك فيه الجميع أظهر بأن الدولة خانتهم وتراجعت عن ضماناتها غير المكتوبة لدمجهم في الحضن الاسرائيلي كمكافأة لهم على تخليهم عن عروبتهم، والتجند للجيش.
وعلى مر السنين، يتضخم الشعور بالإحباط وخيبة الامل اكثر فأكثر، فالدولة، وبشكل متناقض – تدفع الشبان مجددا نحو هويتهم العربية، تدفعهم باتجاه الخارج.
أما ابناء عمومتهم العرب في الطرف الاخر، فلا يستقبلونهم بأذرع مفتوحة، لنرى على سبيل المثال تركيبة «القائمة العربية الموحدة»، النتيجة هي أزمة هوية وشعور بالانفصال.
يجب التذكير بأن العلاقة التمييزية للدولة إزاء الدروز لم تأت بالصدفة. لا يمكن عزوها لإهمال موظف هنا أو هناك، وهي ليست متعلقة بهذه الحكومة أو غيرها.
انها جزء من بناء المنظومة، نابع من تعريف الدولة لذاتها، ولذلك ليس متوقعا أن يحدث عليها تغير جوهري. الدولة اليهودية سوف تهتم اولا باليهود وبمصالح اليهود، وبعد ذلك تلتفت للآخرين – دون الاكتراث بمقدار الولاء الذي يظهرونه.
سابقا، عندما عملت على رسالة الدكتوراه تولد لدي الشعور بأنه يوما ما سوف ينهار «ميثاق الدم» بين الدروز واليهود ـ والاحباط المتراكم لدى الشبان سينفجر ويؤدي إلى انتفاضة. أخشى أن شعوري هذا بات أكثر قرباً في إمكانية تحققه مما كان في الماضي.
كون الشابين المضروبين في القدس وكيبوتس ياغور خدما في الجيش حولت القضية في أعين الاعلام والجمهور إلى «حكاية جنسية»، غير أنني ارى ان هذا الامر هو الاقل اهمية من الناحية الجوهرية. فالشبان ضربوا لأنهم تحدثوا بالعربية، وهذه الواقعة تعكس وترمز إلى كامل النزاع في المنطقة، هذه هي نتيجة الرواية الاسرائيلية التي كتبت عبر السنوات بوساطة قادتها، ووفقا لها العرب كل العرب هم اعداء للدولة ووجودهم فيه ضرر لها، ما العجب إذا اعتبر الكلام بالعربية تهديدا، فهذه لغة العدو!
فقط، إذا غيرت قيادة اسرائيل هذه الرواية حول العرب، بدلا من الاكتفاء بتجاهل هذه الاعمال الاجرامية كلما حدثت، يمكن ان يحدث تغيير في هذا الوضع. لكن طالما ان الدولة تعِّرف نفسها بأنها يهودية – وهذا أمر لا يمكن تغييره في المدى المنظور – فلن يكون هنا مساواة كاملة، ولكن، حتى في هذه الحالة يتوجب علينا ان نطالب بعلاقة اكثر عدلا وأكثر مساواة للمواطنين العرب، ومن ضمنهم الدروز. الدولة حتى مع كونها مُعَّرفة كيهودية، يجب عليا ان تعيد صياغة ميثاق آخر، ميثاق عادل، يرتب علاقتها مع المواطنين العرب. عليها ان تكف عن زرع الخصومات بينهم واتباع سياسة فرق تسد. عليها ان تتوقف عن رؤيتهم كأعداء والتعامل معهم كمواطنين.
يتوجب على الدروز من جهتهم، كسائر العرب، المطالبة بحقوقهم كمواطنين، والكف عن التعلق بالخدمة العسكرية لتحقيق هذا الهدف.
عن «هآرتس»