نشرت مجلة «فورين بوليسي» مؤخراً مقالاً ملفتاً تحت عنوان «كيف ينتهي الاحتلال الرقمي الإسرائيلي»، للكاتبين إيمرسون بروكينغ وإليزا كامبل. ويلقي المقال ضوءاً على شكل آخر من أشكال القمع التي يخضع لها الفلسطينيون.
فبالإضافة إلى الاحتلال والنفي والقتل والتنكيل في العالم الحقيقي، يتعرض الفلسطينيون للقمع والطرد والإسكات في العالم الافتراضي أيضاً حيث تمنعهم شركات الإنترنت من سرد قصتهم على تطبيقات التواصل الاجتماعي.
يصف المقال واقع القمع متعدد الطبقات الذي يتعرض له الفلسطينيون في العالم الحقيقي، فيقول: «يعيش 4.8 مليون من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة في واقعين متزامنين ومختلفين… في العالم المادي، يعيش الفلسطينيون أسرى محاصرين في غزة، أو محاطين في الضفة الغربية بنقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية.
وهم يخضعون إما لحكم حماس… أو السلطة الفلسطينية، التي حكمت- غير منتخبة- لمدة 12 عامًا والتي تديم قبضتها على السلطة من خلال تخويف النشطاء الديمقراطيين. وفي كلتا الحالتين، يخضع الفلسطينيون في نهاية المطاف للمساءلة أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية التي تحرم المتهمين من الوصول إلى مستشار قانوني أثناء الاستجواب، وحيث تبلغ نسبة إدانتهم ما يقرب من 100 في المائة».
في هذا الواقع المادي القاتم، ينبغي أن يكون فضاء الإنترنت مساحة للحرية خالية من نقاط التفتيش العسكرية والأسيجة وأبراج المراقبة.
وهناك ينبغي أن يتواصل الفلسطينيون معاً وأن يُخبروا العالم بجانبهم المغيّب من السّرد. وكما يشير الكاتبان، فإن هؤلاء الفلسطينيين هم مواطنون في دولة اعترفت بها 138 في الأمم المتحدة كعضو مراقب.
وينبغي أن «تمثل فلسطين الرقمية الثانية هذه وفاء بوعد الإنترنت المتفائل -والمنسي إلى حد كبير- بإعطاء صوت لمن لا صوت لهم وإلقاء الضوء على أحلك أركان العالم».
ولم يذكر الكاتبان أيضاً شطب فلسطين تماماً من الخرائط التي تعتمدها شركات الإنترنت لوطن الفلسطينيين وتاريخهم وكأنهم غير موجودين.
حسب الكاتبين، تلتقي ثلاث قوى على تهديد الفلسطينيين وكتم أصواتهم. «الأولى جهاز الشرطة والمراقبة الموسع لدولة إسرائيل، الذي يتم استخدامه لتتبع وترهيب وسجن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بسبب ما يقولونه على الإنترنت.
والثانية شبكة من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية لاستهداف التعبير المؤيد للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم. والقوة الثالثة -والأكثر إثارة للدهشة- هي شركات وسائل التواصل الاجتماعي الأميركية، التي كشفت عن استعداد لإسكات الأصوات الفلسطينية إذا كان ذلك يعني تجنب الجدل السياسي والضغط المحتمل من الحكومة الإسرائيلية».
يُضاف إلى هذه القوى الثلاث قوى أخرى، مثل أجهزة الرقابة المحلية القمعية للسلطات الفلسطينية التي تخنق التعبير المختلف وتتحكم في الرواية؛ والحصار المضروب على أصوات الفلسطينيين ومؤيديهم في الشتات أيضاً.
وفي الحقيقة، أينما كنتَ في هذا الكوكب، وسواء كنت فلسطينياً أو نصيراً للفلسطينيين، وعبرت عن انتقاد للكيان الصهيوني وممارساته العنصرية في الفضاء الإلكتروني، فسوف يستهدفك أصحاب منصات التواصل الاجتماعي بإزالة المحتوى، أو حذف حسابك أو تقييده.
بل إن بعض الدول الغربية يمكن تجرّمك على أساس مشاركاتك بتهمة «معاداة السامية».
يحاول الفلسطينيون وأنصارهم التحايل على خوارزميات تطبيقات التواصل التي تتعقب مشاركاتهم أحياناً بتقطيع الكلمات، على طريقة: «ال. صه، يوني» أو «ال، إس. را. ئيلي»، لكن الجيش الإلكتروني البشري للكيان ومؤيديه يُبلغ عن هذه المشاركات ويطلب حجبها باعتبار أنها «محتوى حساس»، أو «خطير»، أو «عنيف» أو حتى «إرهابي». وتستجيب الشركات المتواطئة بوضوح ضد الفلسطينيين بلا تردد.
ويذكر تقرير نشره موقع «معهد الشرق الأوسط» أن منظمة «حملة» في الأراضي المحتلة وثقت في فترة 13 يوماً فقط بين 6 و19 أيار (مايو) من هذا العام نحو 500 انتهاك للحقوق الرقمية للفلسطينيين الذين استهدفتهم منصات التواصل بإزالة المحتوى، وإيقاف الحسابات وتقييدها أو إلغائها. وقد تزامنت هذه الإجراءات مع أزمة حي الشيخ جراح ومحاولة الفلسطينيين إيصال ما يحدث هناك إلى العالم.
وبالإضافة إلى هذه «الاعتقالات الرقمية»، يشير التقرير إلى القمع الذي يتعرض له الفلسطينيون في العالم الحقيقي على أساس ملفاتهم الرقمية. ويرصد التقرير «2000 حالة اعتقال (من هذا النوع) حدثت في العام 2020، منها 20 على الأقل نفذتها السلطة الفلسطينية نفسها وأخرى نفذتها قوات الأمن الإسرائيلية، مما يكشف عن المأزق المزدوج الذي يجد الفلسطينيون أنفسهم فيه». عن “الغد الاردنية”