احتدام صراع الطاقة في شرق المتوسط ضمن الحرب الباردة وتأثيراته في لبنان والمنطقة

حجم الخط

بقلم رياض قهوجي

 

وقعت الولايات المتحدة الشهر الفائت على اتفاق جديد مع اليونان زادت بموجبه عدد قواتها في قواعدها هناك، في وقت تزداد المطالب من جهات أميركية مدعومة باللوبي الإسرائيلي لنقل مركز قيادة الأسطول السادس من إسبانيا الى قاعدة سودا باي على جزيرة كريت اليونانية.

ازدياد الاهتمام الأميركي العسكري باليونان يعكس تصاعد المكانة الاستراتيجية لمنطقة شرق المتوسط التي تظهر فيها ثروات النفط والغاز جاذبة القوى العظمى سعياً الى حصة فيها. هذا في وقت تسعى قوى إقليمية مثل تركيا وإيران لفرض نفسها بشكل مباشر أو غير مباشر لاعباً أساسياً على هذه الساحة.  

تملك هذه المنطقة أهمية استراتيجية متمثلة في موقعها الجغرافي الذي يتوسط قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا ويطل على المدخل الشمالي لقناة السويس. ولقد ضاعفت اكتشافات الغاز فيها من أهميتها للقوى الإقليمية والعظمى على حد سواء. فبالنسبة الى القوى الغربية هذه المنطقة هي الخاصرة الجنوبية – الشرقية لحلف “الناتو”، وفي الوقت نفسه توفر اليوم فرصة لحل معضلة اتكالها على الغاز الروسي لتوفير حاجاتها، بخاصة في فصل الشتاء. ويتمثل هذا الاهتمام بمشاركة قوى أوروبية مثل فرنسا وايطاليا في تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم أيضاً كلاً من اليونان وقبرص ومصر والأردن وفلسطين وإسرائيل. 

تشكل مصر وإسرائيل حالياً الدول المنتجة الرئيسية في هذا المنتدى في حين أن شركتي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية هما الأكثر نشاطاً، وتعمل كل من قبرص واليونان على توسيع نشاطهما في التنقيب في مناطقهما الاقتصادية حيث يدور نزاع فيها مع تركيا التي وجدت نفسها معزولة وخارج هذا التحالف المهم. وتواجه تركيا مشكلة قانونية إذ إنها لم توقع على المعاهدة الدولية لقانون البحار وبالتالي فقدت قدرتها على مواجهة اتفاق بين دول الاتحاد الأوروبي على رسم حدود المناطق الاقتصادية في البحر المتوسط بحسب ما يعرف بـ”خريطة سيفيل” والذي لم ينصفها (بحسب وجهة نظر أنقرة وبعض الخبراء الدوليين).

وقامت تركيا بتوقيع اتفاقية مع حكومة الوفاق الليبية على ترسيم الحدود البحرية بينهما بشكل يقضم مساحة من المناطق الاقتصادية لليونان. الاتفاق مع ليبيا هو أول اتفاق يمنح تركيا سنداً قانونياً لتستخدمه في الأمم المتحدة كمحاولة لتوسيع منطقتها الاقتصادية ما يزيد من فرص امتلاكها حقول غاز.

بات موضوع ترسيم الحدود البحرية بين دول شرق المتوسط أمراً أساسياً لتمكين شركات النفط من متابعة عملها في أعمال التنقيب والانتاج. كما أن هذا الأمر سيقلل من احتماليات النزاع العسكري بين بعض هذه الدول، وتحديداً مع تركيا. فلقد ارتفعت خلال العامين الأخيرين حدة التوتر بين القوى البحرية لكل من تركيا، من جهة وكل من قبرص واليونان من جهة أخرى. وتقوم مصر وإسرائيل بمضاعفة قدراتهما البحرية لتعزيز قدراتهما على حماية منصات تنقيب الغاز البحرية. ويشكل انضمام كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الى منتدى غاز شرق المتوسط بصفة مراقب مؤشراً الى الأهمية التي يوليانها لدور هذا المنتدى مستقبلاً كمصدر رئيسي للغاز للقارة الأوروبية، الأمر الذي يقلق روسيا التي تحتكر اليوم سوق الغاز في أوروبا. 

لقد رسخت موسكو وجودها في شرق المتوسط عبر القاعدة البحرية في طرطوس والمدعومة اليوم بقاعدة حميميم الجوية وبوجود لقوات خاصة وبرية تساعد النظام السوري على استعادة السيطرة على الأراضي السورية وحمايتها. كما أنها تعمل على التوقيع على اتفاقيات مع النظام السوري للتنقيب عن النفط والغاز في الأراضي السورية وفي منطقتها الاقتصادية. وكانت أنابيب الغاز المصري وصلت الى وسط الأراضي السورية عبر الأردن. لكن هذه الأنابيب لم تصل الى تركيا ومنها الى أوروبا كما كان متوقعاً، واليوم لم يعد مؤكداً حدوث ذلك مع المتغيرات الجيوسياسية وعودة الحرب الباردة بين أميركا وروسيا ومعها الصين.

سيطرة روسيا العسكرية على الأراضي والنظام في سوريا ستمكن موسكو من التحكم بأي غاز متجه الى أوروبا عبر الأراضي السورية. وبالتالي، وجود أنابيب غاز من مصر أو إسرائيل أو حتى قبرص مستقبلاً باتجاه أوروبا بحراً عبر قبرص واليونان ضمن تحالف منتدى غاز شرق المتوسط سيشكل حلاً أكثر منطقية لأوروبا. طبعاً لا يناسب هذا الخيار تركيا وسوريا وروسيا. لكن إعادة النظر بعضوية تركيا في المنتدى قد تكون واردة في حال تمكنت أنقرة من الوصول الى اتفاق مع اليونان وقبرص على ترسيم الحدود البحرية بينها. 

تسعى إيران لأن يكون لها دور وحصة في غاز شرق المتوسط عبر حليفها “حزب الله” الذي يسيطر على الحكم في لبنان حالياً. ويتجلى ذلك بالدور الأساسي الذي يلعبه الثنائي الشيعي في لبنان في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. بالرغم من أن الحديث عن التواصل بأي شكل مع إسرائيل يعتبر من المحرمات لدى “حزب الله”، فإنه يتعامل مع موضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بشكل براغماتي واضح. كما أن أميركا التي تعتبر “حزب الله” تنظيماً إرهابياً لا تمانع الخوض في مفاوضات مع الحكومة اللبنانية وهي مدركة سيطرة “حزب الله” على قرارها. طبعاً الدور الفرنسي الذي يدفع بهذا الاتجاه واضح. لكن كيف ستكون الأمور بعد الوصول الى اتفاق مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية؟ هل سيطلب لبنان الانضمام الى منتدى شرق المتوسط للغاز أو يدفعه “حزب الله” باتجاه إيران وروسيا؟ تجدر الإشارة الى أن وزارة الطاقة التي هي من حصة “حزب الله” وحليفه “التيار الوطني الحر” تمنح روسيا جزءاً من عقود التنقيب وتخزين النفط والغاز في لبنان. طبعاً شركتا “توتال” و”إيني” موجودتان حتى الساعة على الساحة اللبنانية. 

الصراع على غاز شرق المتوسط قد يزداد حدة مع الوقت، بخاصة اذا ما ارتفعت حدة الحرب الباردة بين أميركا وأوروبا، من جهة، وروسيا من جهة أخرى. وسيكون لنقل مركز قيادة الأسطول السادس الأميركي الى جزيرة كريت اليونانية، اذا ما حدث، وقع مهم. كما أن دور كل من إيران وتركيا في هذا الإطار سيكون مؤثراً في ما اذا كانت ستشتد النزاعات أو تشهد المنطقة توافقاً وبالتالي ازدهاراً اقتصادياً نتيجة المدخول الكبير الذي ستوفره حقول الغاز والنفط لدول المنطقة. وفي حين تسعى دول هذه المنطقة الى تأمين مصالحها ستكون هناك علامة استفهام كبيرة حول لبنان، اذ إن القوى الحاكمة فيه تتعامل مع ملفي النفط والغاز ضمن إطار المحاصصة والمصالح الشخصية والفئوية، وليس طبقاً لما تمليه المصلحة الوطنية. وستكون مصالح إيران عاملاً مؤثراً في المسار الذي ستتخذه الحكومة اللبنانية. كما أن مسألة ترسيم الحدود البحرية مع سوريا ستشكل موضوعاً حساساً، بخاصة مع استمرار الحكومة اللبنانية في تجاهل الموضوع وبدء الشركات الروسية التنقيب عن الغاز هناك ضمن اتفاق مع النظام السوري.

فالساحة اللبنانية باتت ضمن منطقة الصراع على الطاقة في شرق المتوسط وهذا قد يعطي الصراع في لبنان منحى جديداً يتخطى طابعه التقليدي في صراع الطوائف والمذاهب والايديولوجيا.