رؤية إسرائيلية: "بداية النهاية" أم "تقليص الصراع"!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

بقلم: هاني حبيب

تتداول الأوساط السياسيّة والبحثية الفلسطينيّة الخطط والمشاريع والخيارات المتعلقة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والتي تدحرجت من خيار الدولة الفلسطينية الديمقراطية الواحدة مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية والثورة المسلحة حتى اتفاق أوسلو، والذي كان فاصلاً زمنياً وسياسياً بين هذا الخيار وخيار حل الدولتين باعتباره الأكثر واقعية من خلال دعم الشرعية الدولية لهذا الخيار، وعاد قبل عدّة سنوات تجديد خيار الدولة الواحدة، وإن بفهم مختلف نسبياً وأكثر عمقاً إلى جدول أعمال الأبحاث السياسية باعتباره نقيضاً للتجزئة والتشتت والذي من شأنه أن يقوض ركائز الفصل العنصري كونه الحل الأمثل لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
وإضافة إلى أنّ كافة هذه الحلول لم تعد من الممكن من الناحية الواقعية ترجمتها على الأرض، فإن رفض إسرائيل المطلق لها، يجعل من هذه الخيارات وكأنها حوار مع الذات وذلك نتيجة لميزان القوى القائم على الصعد السياسية والعسكرية، ولعل المرور سريعاً على رؤية إسرائيل لخيارتها لحل هذا الصراع الذي تطلق عليه «نزاعاً» يفرض علينا كفلسطينيين دراسة هذه الخيارات بعمقٍ كافٍ.
إنّ تدحرج الخيارات الفلسطينيّة ارتباطاً بالتطورات السياسيّة ومتغيرات خريطة ميزان القوى، كان مشابهاً أيضاً لتدحرج الخيارات الإسرائيليّة لسبل التوصل إلى حل الصراع ارتباطاً بجملة من هذه المتغيرات، في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن كافة الخيارات الإسرائيلية، كانت ولا تزال تهدف إلى استمرار الاحتلال ونزع الشرعية عن النضال الوطني الفلسطيني وإسدال الستار على القضية الفلسطينية بشكلٍ نهائي، وهذا يمكن استخلاصه من دراسة نشرتها مجلة «عدكون استراتيجي» الصادرة مؤخراً عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي للباحث دان شفتين بعنوان «نهاية الصراع العربي – الإسرائيلي» مُشيراً إلى أنّ معاهدة السلام مع مصر العام 1979 كانت نهاية البداية لهذا الصراع، أما، الآن، حسب الباحث، فقد وصل الأمر إلى «بداية النهاية»، معللاً ذلك بنجاح إسرائيل بكسر الجبهة العربية الموحدة المعادية لها بعد أن اقتنعت العديد من الدول العربية بأن إسرائيل القوية هي شرط ضروري لبقائها، وأن الصراع ليس مع إسرائيل بل مع إيران وتركيا، لذلك توجب على هذه الدول التحالف مع إسرائيل لمواجهة هؤلاء الأعداء حسب زعمه.
أمّا نقطة الفصل الحقيقي بين نهاية البداية وبداية النهاية فترتبط بنظر الباحث إلى نتائج الربيع العربي، مستخلصاً أن التوقعات الكبيرة اصطدمت بالواقع المؤلم من حيث تعزيز النظم الاستبدادية والحروب الأهلية والأزمات السياسية والاقتصادية وتعميم حالة اليأس وتصدير الأزمات بين النظم العربية المختلفة فيما بينها، ومن ثم بروز قوى إقليمية تحاول بكل جهد السيطرة على العالم العربي المفكك مثل إيران وتركيا، ومع أن معظم الدول العربية التي باتت تشعر بهذا الخطر، كانت تعتمد على الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبها في المواجهة مع هذا الخطر، إلا أن هناك ثلاثة عوامل تشغل أميركا عن القيام بهذا الدور، أولها أن الشرق الأوسط لم يعد كما كان في السابق تهديداً مباشراً لمصالحها، وثانياً، أن التركيز على المنافسة مع الصين يجعل أميركا تولي اهتماها أكبر نحو شرق آسيا، وثالث هذه العوامل يتعلق بفشل التدخل العسكري الأميركي في كلٍ من العراق وأفغانستان، والخلاصة، إن البديل الوحيد إذاً، لهذه الأنظمة لكي تتوفر لها الحماية هو إسرائيل فقط.
وإذا كانت هذه رؤية باحث يرى أن كافة الخيارات السابقة لم تعد على الطاولة، لأن فصلاً جديداً قد بدأ وهو فصل النهاية والذي يمكن تلخيصه من وجهة نظره باستسلام عربي سيساعد على تفكيك النضال الوطني الفلسطيني، فإن هناك أيضاً من يقترب من هذه الرؤية من قبل الأوساط الرسمية الإسرائيلية، ونقصد هنا تبني رئيس الحكومة الإسرائيلية لخيار «تقليص الصراع» في الوسط بين الحل – والحسم لهذا الصراع وهو النقيض المطلق لحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية والسبيل إلى ذلك استخدام كافة الأدوات في ظل ميزان القوى لصالح إسرائيل من تعزيز وتوسيع الاستيطان وإحداث تغيرات دراماتيكية وحقائق على الأرض في وقتٍ تطرح فيه بدائل توفّر تغيرات اقتصادية إنسانية تغري الفلسطينيين مادياً وبحيث يتعزز التشابك بينهم وبين الدولة العبرية لصالح هذه الأخيرة دون أي قدرة من قبلهم على فك الارتباط معها، ومن شأن هذه الحلول الاقتصادية التي يدعمها وزير الخارجية لابيد بالتوافق مع رئيس حكومته، أن يَشعر الفلسطينيون بوهم العيش بحرية في المناطق التي خصصتها إسرائيل لهم وتحت سيطرتها.  
والملاحظة هنا أن هذه الخيارات تتجنب الحديث عن ردود الفعل الفلسطينية المحتملة على هذه الخيارات، وكأنها بذلك تتجاهل النضال الوطني الفلسطيني لمجابهة هذه المخططات وقدرة الثورة الفلسطينية على تعديل ميزان القوى بحيث تستطيع مجابهة هذه المؤامرة وتضع نهاية لمخطط «نهاية الصراع».