معهد السياسة والاستراتيجية – التهديد الايراني : ما هي اوراق اسرائيل

D667F3DC-D82A-4A93-8FCC-C843AD2AEC87-e1589379805484.jpeg
حجم الخط

بقلم: خبراء المعهد برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاد

توجد اسرائيل في مفترق طرق استراتيجي في ضوء المفاوضات التي تراوح في المكان بين ايران والقوى العظمى، والحاجة الى وقف التقدم الايراني في المشروع النووي. في هذا الاطار يشكل التنسيق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة عنصرا حرجا للتأثير  على صياغة الاتفاق المستقبلي. تركيز جهد فاعل على التهديد الايراني يستوجب من اسرائيل ان تدير بشكل حذر خطواتها في الساحة الفلسطينية والشمالية، وان تبقي فيهما اساسا على هدوء نسبي كي تمنع المس بالفعل وبالاهتمام في الموضوع النووي. 

محادثات النووي خطوة الى الامام، خطوتان الى الوراء

لاقت جولة المحادثات التي انتهت في فيينا في اعقاب قرار الفريق الايراني العودة للتشاور مع طهران  انتقادا علنيا من المندوبين الاوروبيين والمسؤولين الامريكيين الذين شددوا على ان الزمن للوصول الى صفقة ينفد في ضوء التقدم الايراني السريع في البرنامج النووي. اظهرت المفاوضات تقدما ما بموافقة الطرفين على الاجندة ومسائل البحث في المفاوضات وكذا الاستعداد الايراني المبدئي لاستبدال كاميرات الوكالة الدولية في المصنع في مدينة كراج حيث تنتج عناصر لاجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. ازالت ايران الكاميرات من الموقع في حزيران الماضي بعد عملية تخريب تمت ونسبت لاسرائيل. ومع ذلك، فان منشأة تخزين احدى الكاميرات اختفت. ولا  تسمح للوكالة بالتأكد من  ان يكون المصنع استأنف اعماله ابتداء من حزيران. 

بقيت الفجوات بين الطرفين  عميقة وكبيرة، وواصلت القيادة الايرانية المطالبة برفع كل العقوبات والعودة الى الاتفاق الاصلي في 2015 مع تلقي ضمانات من واشنطن الا تخرج مرة اخرى من الاتفاق. وتترجم الولايات المتحدة واوروبا النهج الايراني كتعبير عن عدم الجدية والتسويف في ضوء الرفض للاعتراف بالتقدم المتحقق في جولة المحادثات السابقة. وصحيح حتى  الان، التقدير هو ان المحادثات ستستأنف مع نهاية العام (27 كانون الاول) ولكن الفهم هو ان القدرة على الجسر بين مواقف الطرفين متدنية في ضوء الفوارق الجوهرية والمبدئية. 

تمارس الولايات المتحدة ضغطا على ايران  للعودة الى الاتفاق النووي وتؤشر على وجود خيارات اخرى غير المسار الدبلوماسي. وفي هذا الاطار سرب موظفون كبار من وزارة الخارجية الامريكية بانه قبل نحو شهرين طلب الرئيس بايدن من مستشار الامن القومي جاك ساليبان مراجعة خطط البنتاغون لعمل عسكري في حالة فشل  الجهد الدبلوماسي. اضافة الى ذلك، في اطار زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي الى واشنطن مع نظيره الامريكي (كانون الاول 2021) نشر انه بحثت مخططات هجومية مشتركة على مواقع النووي الايراني في حالة فشل الجهد الدبلوماسي.

واضاف موظفون كبار بان واشنطن تفحص كيف يمكن تشديد العقوبات  على ايران. بشكل ملموس، فان وفدا امريكيا برئاسة مسؤولين من وزارة المالية الامريكية وصلوا الى اتحاد الامارات ليفحصوا اذا لم تكن  البنوك المحلية تخرق العقوبات على ايران. واوضحت وزارة المالية الامريكية بانها لن تتردد في فرض العقوبات على البنوك في اتحاد الامارات اذا تبين  انها تخرق العقوبات. وتستهدف هذه الخطوات  اطلاق رسالة تصميم لايران بان الزمن ينفد وان عليها أن تبدي استعدادا حقيقيا للتقدم في المفاوضات  في ضوء الاثمان المحتملة – الاقتصادية والعسكرية.

يعارض الموقف الاسرائيلي القناة الدبلوماسية التي يعتبرها كـ “ابتزاز نووي” ايراني، ويدعو واشنطن لتشديد العقوبات والاستعداد لممارسة الخيار العسكري. كما ان القدس تخشى من اتفاق انتقالي يتحقق في فيينا وفي اطاره تجمد اجزاء من البرنامج النووي مقابل تجنيد جزء من العقوبات. ومع أن المسؤولين الامريكيين نفوا هذا الاقتراح، ولكن في آلية قد تنشأ، فان التخوف الاسرائيلي هو أن يعود الاقتراح الى طاولة المفاوضات. الى جانب ذلك، يكرر المسؤولون الاسرائيليون الرسالة بان اسرائيل تستعد لعملية عسكرية مستقلة عند الحاجة، وان اسرائيل لن تقبل واقعا من  النووي الايراني.

كررت الولايات المتحدة التزامها بامن دولة اسرائيل، ولكن نهجها من المشروع النووي الايراني يختلف في اساسه عن نهج اسرائيل. فقد اشار مستشار الامن القومي الامريكي جاك ساليبان الى أن واشنطن قلقة من تقدم ايران السريع في المشروع النووي، بل واعرب مسؤول امريكي عن تخوف الادارة من زمن انطلاق سريع نسبيا لايران نحو السلاح النووي. فهل ما ينشره الامريكيون عن “خيارات اخرى” تستهدف ارضاء اسرائيل وحمل ايران على قبول حلول وسط في المفاوضات ولكنها لا تعبر عن استعداد امريكي لممارسة القوة العسكرية خوفا من الانجرار الى معركة اخرى في الشرق الاوسط؟

الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط

يتركز الاهتمام العالمي على الازمة في اوكرانيا والتي تفحص تصميم وقدرة الردع للولايات المتحدة والناتو في مواجهة خطوات عدوانية من جانب روسيا. للازمة في اوكرانيا تأثيرات على النظام العالمي، وعلى بث القوة العظمى الامريكية في الشرق الاوسط. نجاح الاستراتيجية الروسية في اوكرانيا سيؤثر على سلوك اللاعبين في الشرق الاوسط، بما في ذلك ايران. 

ان سياسة الادارة الامريكية في الشرق الاوسط هي تحديد اهداف متواضعة قابلة للتحقق، في ظل استخدام ادوات دبلوماسية والامتناع عن  ادوات عسكرية من شأنها ان تجر واشنطن الى معركة اخرى في الشرق الاوسط. هذه السياسة تضعف الردع والنفوذ الامريكي، وتثير التساؤلات في العالم العربي عن قوة السند الاستراتيجي  في ضوء التحدي الايراني وتؤدي ببعض اللاعبين السُنة الى تعزيز العلاقات الثنائية مع طهران. 

اضافة الى ذلك، فان غياب استراتيجية اقليمية امريكية شاملة، وسياسة التجلد تجاه الاعمال الايرانية المباشرة ضد المصالح والاهداف الامريكية، يضعف مكانة الولايات المتحدة ويستوجب من دول المنطقة اعادة تصميم سياستها الاقليمية حيال ايران. في هذا الاطار، فان هجوم الميليشيات الايرانية على  القاعدة الامريكية في طنف (تشرين الاول 2021)، الى جانب محاولة الاغتيال لرئيس وزراء العراق (تشرين الثاني 2021)، تجسد الاستعداد الايراني لاخذ المخاطر في ضوء الفهم بان الولايات المتحدة لا تسعى لان تنجر الى تصعيد اقليمي. 

المسألة الفلسطينية: احتكاك متصاعد مع واشنطن؟

توجد المسألة الفلسطينية في رأس جدول الاعمال الاسرائيلي في الاسابيع الاخيرة بسبب تعاظم معين لـ “ارهاب الافراد”، الكشف عن شبكة الارهاب لحماس في الضفة الى جانب التقدم في التسوية في قطاع غزة. 

في هذا الاطار، يوجد تخوف من تصعيد واسع في اعقاب ميل عمليات “الافراد” المتصاعد في الفترة الاخيرة في  القدس وفي الضفة، وضعف السلطة الفلسطينية في فرض النظام والحوكمة. فمحاولات حماس المتكررة لاشعال الضفة حتى الان لا تنجح، رغم التأييد الواسع الذي تحظى به الحركة  من الجمهور الفلسطيني، لكن سياقات بناء القوة لدى المنظمة في الساحة مستمرة، مثلما يمكن أن نرى في الكشف عن شبكة الارهاب الكبيرة  التي مولها وادارها صالح العاروري في تشرين الثاني الماضي. 

بالتوازي وبشكل متناقض، فان جهود التسوية بين حماس واسرائيل في قطاع غزة تتقدم في ضوء  سياسة التسهيلات الواسعة التي تقوم بها اسرائيل والتي تعبر عن نفسها بادخال البضائع الى القطاع من معبر كرم سالم، زيادة عدد العمال الى 10 الاف، نقل المنح من قطر بما في ذلك ترتيب مسألة دفع رواتب الموظفين في صفقة دائرية مع مصر وغيرها. وهكذا، رغم سياسة تعزيز السلطة الفلسطينية التي اعلن عنها وزير الدفاع، فان  خطوات اسرائيل تعزز عمليا مكانة حماس في قطاع غزة وتمنحها الفرصة لان تعيد بناء نفسها بل وان تعظم قوتها العسكرية استعدادا للمعركة التالية.

ان زيارة نائبة وزير الخارجية، فكتوريا نولند الى اسرائيل والى السلطة الفلسطينية جسدت الفجوات القائمة بين الادارة الامريكية وحكومة اسرائيل بالنسبة للمسألة الفلسطينية. فقد شددت نولند على ان الولايات المتحدة مصممة على أن تفتح القنصلية الامريكيية للفلسطينيين في القدس وان الامر يوجد في رأس سلم اولويات الادارة في ضوء الرغبة في العودة الى سياسة الوضع الراهن التقليدية. في اللقاء الذي عقدته مع ابو مازن وفي سلسلة مقابلات صحفية شددت على رغبة الادارة في استئناف العلاقات مع السلطة، الوزن الذي تعطيه واشنطن لمسألة المستوطنات والتأييد لحل الدولتين. 

ان عدم التوافق بين القيادتين حول المسألة الفلسطينية من شأنه ان يؤدي الى ازمة في العلاقات، في ضوء التزام الادارة الاصيل، وسياسة الحكومة الاسرائيلية التي لا تنسجم مع سياسة واشنطن. اضافة الى ذلك فان وصول نولند الى  المنطقة وتصريحاتها كفيلة بان تؤشر الى  أن واشنطن انهت مرحلة الحذر والانتظار التي ميزتها حتى اقرار الميزانية في اسرائيل، وان من الان فصاعدا ستبدي نهجا متصلبا اكثر في الموضوع الفلسطيني، ولا سيما بالنسبة لاستمرار البناء في الضفة. موضوع القنصلية الامريكية التي  اوضحت نولند بشأنه بان الادارة ملتزمة بفتحها من جديد من شأنه هو ايضا أن يصبح حجر عثرة بين القدس وواشنطن، ويحتمل منذ المدى الزمني القريب. 

التوصيات:

  • يجب تعزيز التنسيق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة لغرض تثبيت التأثير الاسرائيلي على المفاوضات في فيينا، تأكيد التزام واشنطن ببناء القوة الاسرائيلية، وتطوير رد شامل (عسكري واقتصادي) لتشديد الضغط على ايران في سيناريو يفشل فيه الجهد الدبلوماسي.
  • على اسرائيل أن تمتنع عن نشر الخلافات التي تظهر في الحوار الاستراتيجي الجاري مع كبار رجالات الادارة الامريكية وان تقلص قدر الامكان الخطاب العلني في موضوع المعركة ضد النووي الايراني من جانب  المسؤولين في القدس. فالتسريبات تضعضع الثقة الامريكية وتمس بالموقف الاسرائيلي وبقدرة تأثيره على  سياق اتخاذ القرارات في واشنطن.  
  • على اسرائيل ان تسعى للتوقيع على اتفاق نووي جديد وفاعل يعطي جوابا لكل الجوانب المتعلقة بوقف التقدم في النووي وتمديد زمن الاختراق له. هذا الاتفاق سيعطي جوابا لاحتياجات اسرائيل الامنية واحتياجات الساحة الاقليمية والدولية، في ضوء  الاثار الخطيرة وبعيدة المدى لايران نووية على المنطقة وعلى العالم. 
  • بالتوازي، على اسرائيل أن تستثمر في بناء قوة متسارع لغرض  تطوير جواب عسكري مصداق  على تحدي المشروع النووي الايراني.  فتعزيز الاهلية والجاهزية العملياتية سيعزز الردع الاسرائيلي، ويثبت قدرة مستقلة بعيدة المدى ليوم الامر. 
  • “عيون على الرصاصة” – المسألة الفلسطينية  تستوجب استراتيجية شاملة في ظل مراعاة الموقف الامريكي والامتناع عن الاحتكاك الزائد في ضوء الحاجة الى تركيز الجهود على ايران. أزمة في العلاقات من شأنها ان تتطور بسبب المسألة الفلسطينية فتمس بالتنسيق الاستراتيجي وبعلاقات الثقة بين الدولتين ولهذه ايضا آثار على المفاوضات مع ايران.