هل يكون عام 2022 عام القضية الفلسطينية ؟

11.PNG
حجم الخط

بقلم:اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

 

تبادر إلى ذهني أن أكتب مقالاً أتناول فيه ما يسمى بحصاد عام 2021 وماذا تم خلال هذا العام من أحداث ونتائج تتعلق بالقضية الفلسطينية من مختلف جوانبها ، إلا أنني لم أستطع أن أضع يدي على أحداث هامة يمكن إستخلاص الدروس والعبر منها من أجل الوقوف عندها والبناء عليها مستقبلاً ، وفي رأيي أن ذلك يرجع إلى العوامل الرئيسية الأربعة التالية :

العامل الأول : أن وضعية القضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي لازالت تتراوح بين التراجع تارة والصعود إلى دائرة الضوء والإهتمام تارة أخرى إرتباطاً بطبيعة الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم .

العامل الثاني: أن القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس “أبو مازن” تتحرك في أقصى الحدود الممكنة سواء لترتيب البيت الفلسطينى من الداخل أو الدفع في إتجاه تنشيط عملية السلام، إلا أنه رغم هذه الجهود المبذولة لم يتغير واقع المعادلة الفلسطينية على الأرض لأسباب مختلفة .

العامل الثالث: أن إسرائيل لازالت تغلق كافة الأبواب أمام إمكانية تحريك عملية السلام، وتؤكد كافة المعطيات الماثلة أمامنا أن حكومة “نفتالي بينيت” لم تختلف عن حكومة “بنيامين ناتانياهو” بالنسبة للتعامل مع القضية الفلسطينية وبما يشير إلى وجود توافق واضح بين هاتين الحكومتين لإسقاط عملية السلام من أجندتيهما .

العامل الرابع : أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية لم تتحرك حتى الآن من أجل تنفيذ رؤيتها التي تتبناها فيما يتعلق بحل الدولتين .

وقد حاولت القيادة الفلسطينية بحكم مسئوليتها ودورها وقناعتها أن تتحرك مع كافة الأطراف المعنية بما في ذلك الجانب الإسرائيلى من أجل إستكشاف أية سبل يمكن أن تساهم فى إستئناف المفاوضات السياسية إلا أنها إصطدمت بتشدد الموقف الإسرائيلي وعدم وجود أي جديد فى الموقف الأمريكي سوى بعض المظاهر الإيجابية التي أدت إلى تنشيط العلاقات الفلسطينية الأمريكية مقارنة بالوضع السابق خلال إدارة الرئيس “ترمب” .

لازالت القيادة الفلسطينية حريصة على أن تتلمس أية فرصة ولو محدودة لدفع عملية السلام، ومن الأمور الجيدة وجود تنسيق متواصل وتوافق ثلاثي واضح فلسطيني مصري أردني بشأن الأسس العربية المقبولة للتسوية السياسية العادلة، إلا أن هذه التوجهات الإيجابية التي عبرت عنها هذه الأطراف الثلاثة لم تجد حتى الآن أية أصداء إيجابية من جانب الحكومة الإسرائيلية التي من المؤكد أنها لا ترغب في مثل هذا التنسيق وتعارض التحرك الجماعي العربىي أو الدولي خشية من أية ضغوط محتملة يمكن أن تمارس عليها .

وفي رأيي أن هناك ضرورة أن تواصل السلطة الفلسطينية سياستها الحالية في إمتلاك زمام المبادرة وطرق جميع الأبواب ومع كافة الأطراف بلا إستثناء حيث أن قطع أو وقف الإتصالات والتحركات لن تصب إلا في صالح إسرائيل فقط التي لا يهمها سوى إستمرار الوضع الفلسطيني القائم دون تغيير، بل إن هناك بعض القيادات داخل الحكومة الإسرائيلية التي لا ترغب في إجراء أية إتصالات مع القيادة الفلسطينية إنطلاقاً من تخوفها من أن مثل هذه الإتصالات سوف تعيد مظاهر الحياة إلى القضية الفلسطينية .

من المهم أن تشهد المرحلة المقبلة تحركات نشطة موازية من جانب السلطة الفلسطينية بهدف ترتيب البيت الفلسطينى وذلك في الإطار الثلاثي التالي :

الإطار الأول : إستئناف جهود المصالحة وهنا يبدو من الضروري أن تشهد الأسابيع القادمة تنشيطاً لهذه الجهود، ولازالت مصر على إستعداد تام لرعاية هذه المفاوضات وبذل كل الجهد من أجل تنفيذ الإتفاقات المتعلقة بهذا الشأن والتي تم التوقيع عليها إبتداءاً من مايو 2011 ، وفي تقديري أن السلطة الفلسطينية مطالبة بأن تبادر وتدفع في إتجاه إنهاء الإنقسام بأقصى قدر مستطاع وبكل المرونة الممكنة مهما كانت المعوقات وتترك النتائج والحكم للتاريخ وللشعب الفلسطينى ، وأنا على يقين أن القيادة الفلسطينية لن تدخر وسعاً فى أن تسعى إلى إستئناف إجتماعات المصالحة قريباً وهو ما يفرض على حركة حماس في المقابل أن تكون حريصة أيضاً من الناحية العملية على إنجاز المصالحة .

الإطار الثاني: إعادة التأكيد على إستعداد السلطة لإجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية والمجلس الوطني بشرط أن تشمل مدينة القدس إنتخاباً وترشيحاً طبقاً للإتفاق الذي تم بين الفصائل الفلسطينية خلال إجتماعات القاهرة في مارس 2021 .

الإطار الثالث : تنشيط الحوار بين السلطة الفلسطينية وكافة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بشأن التوافق على رؤية موحدة لمتطلبات المرحلة المقبلة على أن تتواءم هذه الرؤية مع الإلتزامات الفلسطينية على المستوى الدولي .

وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي فمن الواضح أن أولويات الحكومة الحالية تتركز في إتجاهين أساسين، الإتجاه الأول: هو الإستعداد العلني للمواجهة العسكرية مع إيران في حالة عدم توصل مفاوضات الولايات المتحدة معها إلى إتفاق مرضي لإسرائيل يحول دون إمتلاك طهران السلاح النووى مستقبلاً، أما الإتجاه الثاني فيتمثل في منح مزيد من التنشيط لإتفاقات التطبيع الإسرائيلي العربي الذي إنتقل بالفعل من المرحلة الإستثنائية إلى المرحلة الطبيعية أو العادية وهي إتفاقات من المؤكد أنها تتوائم مع مصالح الأطراف الموقعة عليها فقط وهذا من حقهم ولكنها لن ترتب أية نتائج إيجابية لصالح القضية الفلسطينية .

وفي نفس الوقت لم تكتف الحكومة الإسرائيلية بأن تتجاهل عملية السلام بل إتجهت إلى تنفيذ سياسة إستيطانية ممنهجة ومكثفة في كل من الضفة الغربية والقدس وحتى في هضبة الجولان حفاظاً على الحكومة من الإنهيار، كما حرصت هذه الحكومة أيضاً على إنتهاج سياسة متشددة وعنيفة تجاه المواطنين الفلسطينيين في بعض مدن الضفة وخاصة في القدس ونابلس وجنين ( إعتقالات – إغتيالات – هدم منازل ) دون أن تكترث بردود الفعل المتوقعة ولن أكون مبالغاً إذا قلت أنها لم تستفد من دروس الماضى .

ولاشك أن السياسات الإسرائيلية بصفة عامة لازالت تغلق كل الآفاق الممكنة أمام الشعب الفلسطينى الصامد في أن تكون له دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة مثل أى شعب فى العالم، ومن ثم يفقد الفلسطينيون الأمل في أي مستقبل وبما يدفعهم إلى البحث عن أية وسائل أياً كانت طبيعتها فردية أو جماعية تحقق لهم هذا الهدف وهو ما تقابله إسرائيل بمزيد من العنف وهكذا تستمر الأمور تدور في حلقة مفرغة .

وهنا لابد أن أحذر وأشير إلى إمكانية أن يتدهور الموقف الأمني في الضفة الغربية حيث أن الأحداث الأخيرة في القدس وفي الضفة يمكن أن تحمل في طياتها بوادر إنتفاضة ثالثة لن تكون في صالح أحد ولكنها سوف تكون إنفجاراً إضطرارياً تتحمل إسرائيل فقط المسئولية الكاملة عنها .

وفي نفس الوقت لم يكن الموقف الأمريكي متوائماً مع الآمال التي عُقدت عليه بشأن التحرك لدفع عملية السلام حيث لم يبذل أي جهد ملحوظ فى هذا الشأن، ولم تتحرك واشنطن بشكلٍ جدى إلا في أعقاب الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة في ايار/ مايو 2021 وكثفت جهودها من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار برعاية ووساطة مصرية ناجحة، وفي رأيي أن تجاهل إدارة الرئيس “جو بايدن” أو إسقاطها صفقة القرن يمثل أحد أهم إيجابيات هذه الإدارة إلا أن هذا الموقف ليس كافياً على الإطلاق حيث أن المطلوب أمريكياً أن ينتقل مبدأ حل الدولتين من الجانب النظري إلى الجانب العملي قدر المستطاع، ويظل السؤال المطروح متى تتحرك واشنطن ؟ وماذا يمكن أن يدفعها للتحرك ؟ وماذا تنتظر ؟ .

وبالرغم من عدم وجود تغيير دراماتيكي في الموقف الأمريكي إلا أننى لازلت أعقد الأمل في أن تبدأ واشنطن التحرك في أعقاب التوصل إلى إتفاق نووي جديد مع إيران، وإذا كانت الولايات المتحدة راغبة في إحراز تقدم في عملية السلام فلابد لها أن تستثمر علاقاتها الجيدة مع إسرائيل ومصر والأطراف المعنية الأخرى، كما يجب عليها أن تستثمر مرونة وإعتدال القيادة الفلسطينية الحالية من أجل دفع عملية السلام، وآمل أن تسارع واشنطن في وضع آلية للتحرك في هذا المجال تحسباً من أن تصل الأوضاع في الضفة الغربية إلى حالة من التوتر أو الإنفجار غير المحسوب لا يمكن لأية جهة السيطرة عليه .

ومع تقديرنا الكامل لكافة التحركات التى تقوم بها بعض الدول الأوروبية والمنظمات الدولية لدفع القضية الفلسطينية، إلا أن هذه التحركات تظل أسيرة للبيانات والقرارات والمبادئ الجيدة التي يتم التأكيد عليها خلال إجتماعاتهم ولكن دون أن تتحول إلى واقع يمنح الفلسطينيين بعض حقوقهم فيما عدا دعم الجانب المعنوي الذي لم يعد يضيف جديداً ، وهنا لا يمكن أن ألقي المسئولية على الجانب الأوروبي أو الأممي نظراً لأن الموقف الإسرائيلي المتشدد يقف بالمرصاد وبقوة أمام أي تحرك جاد لصالح الفلسطينيين .

وبالرغم من كافة المعوقات والصعوبات المرتبطة بالقضية الفلسطينية إلا أنني لن أفقد الأمل في أن نرى الدولة الفلسطينية في يومٍ ما حقيقة واقعة وعلى إسرائيل، ومن هنا أطالب بأن يكون عام 2022 هو عام القضية الفلسطينية ، وأن يتم بذل الجهد العربي والفلسطيني أولاً ثم الجهد الدولي من أجل تحقيق هذا الهدف والتركيز على إستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قبل إنتهاء الربع الأول من العام الحالى بآليات ليس من الصعب التوافق عليها .

وفي النهاية سوف تستمر قناعتي التي لن تهتز أبداً وبدون أية مبالغة بأن مصر بقيادة السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسي تعد أقدر دولة في العالم أجمع مؤهلة لقيادة هذا الجهد الكبير بالتنسيق مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي يمكن أن تساعد بفاعلية في تحقيق هذا الهدف وخاصة ( الأردن عربياً والولايات المتحدة دولياً ) ودعونا نسير في هذا التوجه ونرى طبيعة النتائج التي سوف يسفر عنها ذلك الجهد ومن المؤكد أننا لن نخسر شيئاً مادمنا نسعى إلى تحقيق آمال شعب يستحق أن يتحرر من آخر إحتلال في العالم .