نساء فلسطينيات لـ"خبر": فن التطريز عشق متوارث ولن تنجح إسرائيل في سرقته

فن التطريز الفلسطيني
حجم الخط

غزة - خاص وكالة خبر - مي أبو حسنين

"هذا ليس حب، بل عشق، ولو كان عندي أولاد وبنات، فلن يكونوا أغلى من التطريز الفلسطيني بالنسبة لي، فقد تعلمت هذا التراث من والدتي التي تنحدر من قرية برير عندما كنت في العاشرة من عمري"، بهذه الكلمات وصفت الحاجة أم خميس حسان "58" عاماً، علاقتها مع التطريز الذي احترفته مُنذ 40 عاماً.

عشق فن التطريز

وقالت الحاجة أم خميس بفخر في حديثها لوكالة "خبر": "إنَّ رزق التطريز قليل، لكّن فيه بركه، والمثل الفلسطيني يقول (رزق الإبرة أضيق من خرمها)؛ ورغم ذلك أراه أكبر وأوسع، لأنّه امتصاص لكل تعب الجسد والأعصاب والنظر، وبالتالي الناتج المادي يكون في بركة".

وأضافت: "على مدار سنوات عملي أنتجت الكثير من الأثواب الفلسطينية، ربما لدى مركز واحد أتعامل معه وصل عدد القطع إلى عشر آلاف ثوب، ويستغرق الثوب الواحد 6 أشهر من العمل المستمر"، لافتة ً إلى اختلاف الأثواب في ألوانها حسب المناطق.

وتابعت: "شعرت بضيق شديد، عندما رأيت حفل ملكات جمال العالم الذي أقيم في دولة الاحتلال الإسرائيلي، يرتدين الثوب الفلسطيني، فالحدث لم يمر بالنسبة لي مرور الكرام".

وتتمني الحاجة أم خميس، التفات الجهات الرسمية إلى النساء العاملات في مجال التطريز؛ خاصةً في قطاع غزة الذي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتجذر أزمة الكهرباء، الأمر الذي يُفاقم معانتهن، من خلال إعطائهن مكافأت مالية، تُساهم في انتشار فن التطريز بين الفتيات.

إهمال المدارس الحكومية لفن التطريز

بينما ترى إيناس سكيك (35) عامًا، صاحبة مشروع لتعليم الفتيات فن التطريز في مدينة غزّة، أنَّ فن التطريز لا يقتصر على الأثواب الفلسطينية، وإنّما مجاله واسع، حيث يتم تطعيم الكثير من الأشياء بالتطريز الفلسطيني؛ للحفاظ على الهوية والتراث.

وأكملت سكيك في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "بعد الحرب الأخيرة على غزّة، ازداد إقبال فتيات غزة على تعلم فن التطريز بشكلٍ كبير"، مُشيرةً إلى وجود حصص مدرسية مُخصصة لتعلم فن التطريز لدى الجيل الحالي، رغم الاهتمام السابق به في مدارس الحكومة التي درست بها.

ولفتت إلى الإقبال الفلسطيني الكبير في الشتات وكذلك العرب على شراء المطرزات الفلسطينية، الأمر الذي يُساهم في تنشيط هذه المهنة واستفادة النساء العاملات في المجال الذين تُقدر أعدادهن لديها 50 سيدة.

وأكّدت على عدم نجاح الاحتلال في سرقة التراث الذي تجده جزء من هوية الفلسطينيات، مُبيّنةً أنّه تراث تتناقله الحفيدات عن الجدات جيلاً بعد جيل، وأنّها تعلمت فن التطريز من جدتها التي كانت حريصة على إهداء زوارها قطعاً قيمة من فن التطريز الفلسطيني.

ليس المحاولة الأولي للسرقة

سعاد الأعرج، معلمة اللغة العربية المتقاعدة، (64) عامًا، قالت: "إنّها ليست المحاولة الأولي التي تُحاول فيها إسرائيل، سرقة التراث الفلسطيني، فقد كانت هناك محاولات سابقة في العام 1967، من خلال شراء أثواب لسيدات فلسطينيات، مُستغلةً سوء الوضع الاقتصادي للاجئين في المخيمات".

وأردفت في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "هذه الأثواب التي كانت تتم عملية تحايل على السيدات لشرائها، يتم الاحتفاظ بها، ونقلها لدولة الاحتلال، في محاولة للقول إنها تعود لسيدات من دولة الاحتلال"، مُستغلين قيمة وتاريخ هذه الأثواب التي تؤكد أصالة تاريخ وثقافة الشعب الفلسطيني.

أصل الحكاية

وقد أثارت صور، لملكة جمال الفلبين، شاركتها عبر حسابها على موقع تويتر، وهي ترتدي الثوب الفلسطيني وتقوم بإعداد أكلة "ورق العنب" إلى جانب ملكات جمال كينيا وأوكرانيا، غضب النشطاء الفلسطينيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك أثناء التحضير لملكة جمال الكون التي أُقيمت في مدينة إيلات المحتلة في الـ13 من ديسمبر الماضي.

وقد اعتبر الفلسطينيون، سماح الجهة المنظمة لملكة جمال العالم بلبس الثوب الفلسطيني "سرقة ثقافية" ينبغي محاسبة "إسرائيل" عليها كما تُحاسب على جرائمها بحق المدنيين الفلسطينيين؛ خاصةً أنّه جزء أصيل من هوية وثقافة الفلسطينيين الذين يستخدموه في حياتهم اليومية.

وفي الـ16 من ديسمبر الماضي، أدرج اليونسكو، فن التطريز والممارسات والمهارات والعادات المرتبطة به، ضمن قوائم 43 عنصرًا جديداً لديها، وقال بيان اليونسكو: "يتألف زي النساء الريفيات في فلسطين من ثوب طويل وسروال وسترة وغطاء رأس ووشاح".

وأضاف بيان اليونسكو: "ويُطرز كل ثوب حاملاً طيفًا من الرموز على غرار الطيور والأشجار والورود، ويتمثل التطريز في حياكة الصوف أو الكتان أو القطن بخيوط من الحرير، ويُجسد اختيار الألوان والتصاميم هوية المنطقة التي تعيش فيها النساء بالإضافة إلى حالتهن الاجتماعية ووضعهن الاقتصادي".

واستدرك البيان: "يُمثل التطريز ممارسة اجتماعية مشتركة بين الأجيال تجمع النساء كي يتعاون فيما بينهن للمساعدة في توفير دخل إضافي لأسرهن، وتتوارث الفتيات هذه الممارسة عن أمهاتهن، ويمكن اكتساب مهارات التطريز من خلال الدورات التدريبية". التي هُجر منها شعبنا قسرًا خلال حرب 1948.