إسرائيل تتحدث عن نفسها

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

بقلم: طلال عوكل

العام الأول لحكومة الرأسين الاستيطانية المتطرفة، شهد ذروة غير مسبوقة في التغول على الفلسطينيين، خصوصاً في الضفة الغربية والقدس، بشراً وأرضاً ومنازل ومؤسسات، وممتلكات زراعية وغير زراعية.
هو عام تصعيد ملحوظ من قبل المستوطنين المدججين بالأسلحة، محروسين، ومدعومين من قبل الجيش الإسرائيلي، والأجهزة الأمنية لدولة الاحتلال.
القدس شكلت هدفاً مركّزاً حيث تتعرض لحملات استيطانية مكثفة، كان آخرها مصادقة بلدية الاحتلال على بناء 3557 وحدة استيطانية، بالتوازي مع حملة منهاجية لهدم بيوت الفلسطينيين بذرائع مختلفة الأكثر منها بذريعة عدم وجود تراخيص للبناء، وكأن لدى البلدية استعداداً لمنح تراخيص بناء للفلسطينيين.
منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"، أعدت تقريراً في نهاية العام، يرصد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأرض الفلسطينية تضمن حقائق مرعبة وشهادات موثقة، ما جعل المنظمة تعتبر أن العام 2021 هو العام الأكثر فتكاً منذ العام 2014. إذا كان القياس يستند إلى نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ذلك العام، من حيث عدد الشهداء والجرحى، والدمار، فإن اعتبار العام 2021 الأكثر فتكاً، فإنه يستند إلى معطيات أساسها ما تعرضت له الضفة الغربية وبضمنها القدس، وانطلاقاً من الدور الذي تقوم به جماعات المستوطنين.
يقول التقرير إن قوات الاحتلال قتلت في الضفة 83 فلسطينياً بضمنهم سبعة عشر قاصراً، وخمس نساء، وفي يوم واحد استشهد ثلاثة عشر فلسطينياً على يد مستوطنين أو جنود رافقوا مستوطنين خلال اقتحامهم لأراضي قرى فلسطينية.
لا حاجة لمجلس حقوق الإنسان الأممي لأن يقوم بتحقيق عملياتي في إسرائيل، التي ترفض التعاون مع أي لجان تحقيق، إذ يكفي الاستناد إلى الحقائق التي تنشرها منظمات حقوقية إسرائيلية، وتنشرها الصحافة ولا تجد من السلطات الرسمية، ما ينفي وقوع تلك الانتهاكات.
تقرير "بتسيلم" يتحدث بتفاصيل وأرقام، حول دور المستوطنين، والأجهزة الاحتلالية، فيما يتعلق بالإعدامات الميدانية، والهجمات الاستيطانية القاتلة، وعدد البيوت التي تعرضت للهدم، وأعداد المواطنين المدنيين الذين استشهدوا من القاصرين والنساء وكبار السن.
"بتسيلم" حققت في 336 هجوماً شنه مستوطنون في العام 2021، مقارنة بـ 251 خلال العام 2020، ما يعكس سياسة رسمية منهاجية، تعطي للمستوطنين الصلاحية، لأن يشكلوا رأس الرمح في الصراع ضد الفلسطينيين.
بإمكان وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لابيد، أن يتهم الفلسطينيين بأنهم يشنون حملة دولية، لوصف إسرائيل بالدولة العنصرية، ولكن سيكون عليه أن يبتلع لسانه. حين يشير تقرير "بتسيلم" بوضوح إلى "أن نظام "الأبرتهايد" الإسرائيلي هو من يمنع الفلسطينيين منعاً شبه تام من البناء في مناطق واسعة من الضفة بما فيها القدس الشرقية.
هكذا تكون إسرائيل هي من تتحدث عن نفسها بالقانون وبالممارسة، على أنها دولة احتلال، ودولة "أبرتهايد"، بما ينقل الاتهام إلى مستوى الحقيقة الواقعية، التي لا يمكن دحضها فقط بالتصريحات والمخاوف، مستوى العنف الذي يرتكبه المجمّع الاستيطاني، يجعل يائير غولان عضو الكنيست ونائب وزير الاقتصاد عن حزب "ميرتس"، يصف المستوطنين في مستوطنة "حوميش" بأنهم "ليسوا من بني البشر".
تقدم صحيفة "هآرتس" شهادة أخرى، حين تؤكد أن الجيش الإسرائيلي دمر مئات الدونمات المزروعة بالقمح، من أجل تنفيذ مناورات وتدريبات عسكرية في منطقة الأغوار، وسمم الحقول الزراعية في قطاع غزة.
وتضيف "هآرتس"، إنه كل بضعة أسابيع يأتي الجيش ويدمر خيام الفلسطينيين ويصادر التراكتورات والسيارات، ويدمر الألواح الشمسية وخزانات المياه في منطقة الأغوار.
على الأرجح أن لابيد لديه معلومات حول ما تواجهه إسرائيل خلال العام الجديد الجاري، حين يتوقع أن تتعرض إسرائيل على المستوى الدولي، لاتهامات بأن دولته تتبنى وتمارس سياسة "الأبرتهايد" القبيحة.
لابيد على معرفة بالأزمة الدبلوماسية التي نشبت في وزارته بين نائبته، رئيسة الدائرة الأوروبية في الوزارة عاليزا بن نون، ووفد دبلوماسي أوروبي يمثل ست عشرة دولة، بسبب احتجاجهم على عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
الاجتماع انفجر وانتهى بأزمة كبرى، بسبب الحدة التي اتسمت بها المسؤولة الإسرائيلية والتي رفضت الاحتجاج ووصفته بالمهين.
واضح أن دولة الاحتلال في سباق مع الزمن لفرض سياساتها التوسعية في الضفة والقدس، والتي تقوم على نسف كل إمكانية لتحقيق سلام يقوم على أساس رؤية الدولتين.
إسرائيل قريباً ستجد نفسها أمام ما أشار إليه بوضوح في "واشنطن بوست" الأميركية المحلل البارز مايراف زونسزين، من أنه سيرتب على إسرائيل أن تختار بين الانسحاب من الأراضي المحتلة، أو منح الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها حقوق مواطنة كاملة.
الكاتب الأميركي معروف، بأنه مختص في موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في مجموعة الأزمات الدولية.
في الواقع فإن دولة الاحتلال تتجه بسرعة قياسية، نحو خلق المزيد من الوقائع على الأرض، لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتتحول إلى مجتمع مدجّج بالسلاح، فوق ما هو معروف عن إسرائيل كدولة جيش وأجهزة أمنية، ودولة إرهاب رسمي، ينفذ سياسة تمييز عنصري.
بالإضافة إلى ما يملكه الجيش والأجهزة الأمنية، من إمكانيات تسليحية ضخمة ونوعية، فإن التسلح المجتمعي لا يتوقف على الجماعات الاستيطانية، وإنما يشمل المجتمع في إسرائيل. في العام المنصرم قدم 19375 إسرائيليا طلبات ترخيص سلاح، مقارنة بـ 8814 في العام 2020 ما يعني ـ حسب الصحافة الإسرائيلية ومعطيات وزارة الأمن الداخلي ـ زيادة بنسبة 120%، الذريعة هي لمواجهة الاحتجاجات في المجتمع العربي في المدن المختلطة أثناء العدوان على غزة والقدس في أيار المنصرم.
غير أن الحقيقة هي تنامي المخاوف الرسمية من تصدعات الجبهة الداخلية، التي ستظهر خلال أي مواجهات قادمة.