هذا حالنا … وذاك مخرجنا

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم : نبيل عمرو

 

اجتهد في وصف الحالة الفلسطينية الراهنة التي آمل أن تكون مؤقتة، بأنها اشبه بعربة تقف امام مفترق طرق مكتوب على كل طريق فيه ممنوع المرور.
الطرق الحتمية التي يتعين المرور منها أولها وربما أهمها هو طريق الوحدة الوطنية التي اصطلحنا على عنوان سطحي لها هو المصالحة.
الوضع على هذا الصعيد مركب ومكتظ بالحفر، ولا احب استخدام مصطلح الألغام، ومنذ بدايته بالانقلاب الذي قامت به حماس تحت المسمى المفضل لها “الحسم العسكري” والمعالجة الفلسطينية والشقيقة والصديقة تقوم على أساس دعوة جميع مكونات الطبقة السياسية الى جلسات ذات طابع عشائري، وملء الفضاء بمواعظ جذرها الإشارة الى مساوئ الانقسام ومزايا التخلص منه.
وما ان تعود القبائل الى مضاربها على ارض نفوذها حتى تتحول المساوئ الى مزايا يجري التشبث بها والمزايا الخطابية الى استحالات في التحقق، والنتيجة الواحدة لكل الجهود ان الانقسام استمر خمسة عشر سنة، اما قطار المصالحة الذي محطته الأساسية القاهرة، فقد ادمن ركابه على رحلة طواف تمر بالعديد من العواصم حيث الضيافات الباذخة والنهايات الكارثية.
وحين لا تتوصل محطة القاهرة الرئيسية الى حلول رغم كل ما لديها من أدوات تأثير فعلي، فلا مجال لتوقع نجاح في مكان آخر مع دعواتنا لنجاح جزائري نأمله دون التأكد منه.
الخطأ الشائع هو ان الانقسام له جذر واحد هو النزاع بين فتح وحماس على الشرعية والنفوذ المغلف بستارة سياسية بين اتجاه التسوية واتجاه المقاومة، غير ان الامر تطور عن ذلك كثيرا فالانقسام دب في جسم منظمة التحرير وفي جسم فتح وفي جسم السلطة ما ادخل حكاية الوحدة الوطنية بشموليتها الى سباق حواجز يقطع الانفاس، اثبت خلال خمسة عشر سنة ان الطريق مسدود.
وثاني الطرق المغلقة هو المسار السياسي الذي بنت السلطة في رام الله معظم مكونات فاعليتها عليه، ولا يجادلن أحد في ان ما نتج عن أوسلو والذي يعمل الان بصورة عكسية، منح إسرائيل قدرات إضافية على مزيد من التحكم في الحالة الفلسطينية امنيا واستيطانيا وماليا وحتى إداريا.
في ما مضى كان كل امر يتصل باوسلو مرتبطا بمسار سياسي فهم منه مثلا ان جدوى التنسيق الأمني والتحكم الإسرائيلي بالحركة في معظم الاتجاهات ما هو الا امر مؤقت سينتهي حين تنتهي فترته والتي كانت موثقة تحت عنوان الانتقالية، غير ان الذي حدث أخيرا والتجربة في منتصف الطريق هو الانقلاب الجذري على المسار من قبل إسرائيل فتلاشى الشق السياسي منه لتبقى مسارات الامر الواقع المضرة بمصالح الفلسطينيين الأساسية، التي ما تزال تعاني من الطريقة الإسرائيلية والأمريكية في التعاطي معها وهنا واجهت العربة الفلسطينية عبارة الطريق المسدود اذ لا تسوية لا في نهايتها ولا حتى في منتصفها ولا ما يشبه ما كان في بدايتها.
وثالث الطرق المغلقة تفعيل النظام السياسي الفلسطيني، الذي حكم وقاد بكفاءة معقولة بالقياس ما نحن فيه الان مرحلة الثورة، كان هذا النظام قائما على مؤسسات وحدوية فعالة محكومة بتقاليد وقوانين يصعب الخروج عليها ، ولقد عملت بقدر من الانتظام.
ورغم تعرضه لهزات واختلالات وانشقاقات الا انه اثبت قدرات مشهودة على معالجة كل ذلك والخروج بصيغ وحدوية من نماذجها الدالة وهذا على سبيل المثال لا الحصر المجالس الوطنية التي التأم واحد منها في عمان والآخر في الجزائر.
كانت قاعدة النظام السياسي ولنسمه نظام المنظمة هو الولاء الشعبي لها ولبرامجها ووحدانية قيادتها وتمثيلها، وحصر الاختلافات الاجتهادية بين الرافضين والقابلين تحت مظلة واحدة وكانت كلمة السر في استمرارية هذا النظام رغم كل ما قيل فيه وعنه مبدأ اعتنقه المتفقون والمختلفون، الرافضون والقابلون هو الحفاظ على المنظمة، وعدم السماح لاي عامل داخلي او خارجي بتبديدها كاطار سياسي وحدوي لا بديل عنه.
غير ان دمارا لحق بهذا النظام وكان في زمن السلطة واوسلو والانقسام، ودخلنا معادلة ان ما كان إيجابيا سمي بالقديم، والخطر الذي أدى اليه عدم ولادة الجديد، وهنا تكمن ازمة النظام السياسي الملتبس وحتى اللحظة لم تظهر مبادرة حاسمة للخروج من هذه الازمة، مع ان مبادرة لمعت ثم خبت حين اجمع القوم على الإنقاذ او الدخول في محاولة جدية من اجل ذلك باعتماد جماعي لمخرج الانتخابات المتسلسلة التشريعية والرئاسية والوطنية، وكانت النتيجة التي نراها الان تدهور في وضع المنظمة والسلطة معا والبدء من الصفر او ما دونه في معالجة الملفات.
الطرق المغلقة لا تفتح بالرهانات القديمة التي تعتمد على حيثيات لم تعد متوفرة الان… لم تعد الوحدة الوطنية التي هي الرافعة الأساسية لكل جهد قائمة الان او على الأقل بالقدر الذي كانت قائمة فيه قبل أوسلو، والاحتضان العربي تحول من التزام قومي الى مجرد ضيافات لاصلاح ذات البين بين المنقسمين الفلسطينيين، اما المدى الدولي الذي بلغنا ذروة اتساعه زمن منظمة التحرير وفي مرحلة التشجيع على المضي قدما في مسار أوسلو فقد تجمد عند مجرد تصويت رقمي لقرارات تذكر بحقوقنا لا اكثر ولا افعل.

ان كل الطرق التي كانت قديما سالكة صارت الان مغلقة واذا كان هذا هو ما يميز الحاضر الذي نعيش فالسؤال الدائم والملح هو ما العمل؟
بداية فإن الطريق الوحيد الذي اذا انفتح سيفتح باقي الطرق المغلقة وقوامه الذهاب بجدية الى التراتبية التالية …
أولا اعتراف القوى السياسية بمسؤوليتها المشتركة عن الازمة الخطيرة التي وصل اليها الوضع الفلسطيني باجماله، وهذا يتطلب التخلي عن لعبة القاء كرة النار كل في حجر الاخر.
ثانيا.. التوقف عن البحث عن الوحدة في العواصم بعد فشل دام خمسة عشر سنة دون تغيير لا في الصيغة ولا في الخطاب ولا في النتائج.
ثالثا.. العودة الى خيار الانتخابات العامة الذي بمقتضاه يكون الشعب هو صاحب المسؤولية الأولى عن حاله كيفما اتجهت الأمور، ويكون المجلس المنتخب هو المرجعية الشرعية الأساسية للشأن الداخلي المؤثر بقوة في كل الشؤون السياسية، وكذلك
الرئيس المنتخب للسلطة والبرلمان الشامل الذي هو المجلس الوطني، هذا ليس خياليا ولا مثاليا ولا مستحيل التحقق بل هو الممكن الوحيد الذي ادير الظهر له وها نحن نعاني ما نعاني جراء ذلك.
الخلاصة .. المخرج الفلسطيني هو الاضمن والاقوى والممكن اما الابتعاد عنه في رحلات عبثية سياحية الى كل عواصم الكون فهو لن يؤدي الا الى مزيد في التوغل في الازمة الشاملة والابتعاد عن الحلول الجدية والفعالة لها.