لا أريد ميناء،، أريد سارة... بقلم د. محمد بكر البوجي
قبل أكثر من ثلاثين عاما ناقشت رسالة الماجستير، ثم عدت الى الوطن ومعي شنط الكتب، وعلى معبر رفح رأى الحارس الإسرائيلي هذه الشنط وقال لي : وكف هون ، وذهب ، ثم عاد ومعه شابة مجندة لا تحمل سلاحا غير الجميع ، شابة ممشوقة سمراء ، هكذا خلق الله ! وقالت : وين مخمد ؟ قلت : انا هنا ، فقالت : شو هادا ؟ قلت : كتب، وحملت كتاب رسالتي الماجستير وقلت لها : أنا حصلت على درجة الماستر ، فقالت : أنت قرأت كل هذا عشان تعمل هادي ؟ ورفعت كتاب رسالتي بيدها ، شوه هاي صغيرة ، فابتسمت لها ، فقالت : انت هذا كبير وأشارت الى رأسها ، ثم أشارت الي بالدخول معها، فأردت مساعدة العمال الشيالين في رفع الشنط ، فقالت باستهجان : لالا أستاذ ، تعال، فمشيت خلفها، وأنا انظر إليها في مشيتها، نظرة الخائف الولهان، ثم طلبت هي من الشيالين رفع الشنط الى الطاولة – في العادة هذا عمل المسافر – وبدأت في التفتيش كتابا.. كتابا بهدوء ونعومة راقية، وكأنها تتعامل مع طفل رضيع ، فأدرت نفسي وشتمت نصف أمها بهمس مسموع لروعة أدائها، فسمع زميلها الجندي المسلح كلامي ، فابتسم وذهب اليها وأبلغها بما سمع، فنظرت الي وابتسمت، وبعد أكثر من ساعة انتهت من تفتيش الكتب، وقالت لي : أستاذ مخمد مع السلامة، انت كويس ، وكنت أتوقع شيئا آخرا .
دخلت بيتي في مخيم الشاطئ وزغردت أمي ، وحضرت نساء الحي يباركن لأمي ، ألتفتت أمي إلي وسألتني : ياما : أنت ادبي ولا علمي !!! فضحكت . وفي المسجد بعد صلاة العصر ، جاء الشباب وصافحوني ، وسألوني : شو يعني ماجستير ؟؟!! الآن أتذكر أحدهم وهو يشتمني في غرفة التحقيق: أنت دكتور حماااار ، خلي أفكارك إلك بس !!! فتذكرت سارة المجندة ، أين انت يا سارة ؟!هل غدر بك الزمن كما يفعل بي الآن ؟ سارة بأخلاقك وتسامحك ، أريد رؤيتك .. لا أريد ميناء ..