هآرتس – الرئيس التونسي اخترع ديمقراطية بكلمتين :”لكم رأيكم ولنا قرارنا”

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل 

 

​كيف يمكن وصف الديمقراطية بكلمتين؟ النظام في تونس نجح في فعل ذلك: “لكم رأيكم ولنا قرارنا”. هذا هو الشعار المدهش لوصف جوهر العقد بين الرئيس والشعب. والآن التفسير. تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي خرجت من ثورة “الربيع العربي” التي حدثت فيها قبل 11 سنة، وهي تحمل ديمقراطية حقيقية في أيديها. الدولة صاغت دستور وشكلت برلمان وخاضت عدة جولات انتخابات حرة وشفافة واحزاب لها اجندات متعادية، دينية وعلمانية، نجحت في تأسيس ائتلاف وأديرت صراعات قوة حسب الدستور، مثلما هو دارج في كل الدول الديمقراطية.

​لكن في 25 تموز الماضي قرر الرئيس قيس سعيد بأن الحكومة والبرلمان تقيد قوته وصلاحياته. بقرار اعتباطي اعلن عن وضع طواريء، وتولى بنفسه صلاحيات غير محدودة، حل البرلمان واقال رئيس الحكومة والحكومة وايضا مد يده الى جهاز القضاء. المجتمع الدولي ادان ذلك، رؤساء دول حاولوا الحديث معه، والشارع هاج وماج. آلاف خرجوا للتظاهر وتصادموا مع قوات الامن الموالية للرئيس، وسائل الاعلام حللت فشل الديمقراطية بمفاهيم اليأس والاحباط. مئات الحسابات في الشبكات الاجتماعية طالبت بعزل سعيد. وشعارات في الشوارع وضعت اشارة “اكس” على رأسه. الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، اللاجيء في باريس، اعلن أن سعيد يهدم الدولة وطلب من الجيش انهاء حكمه.

​سعيد (63 سنة) هو الزعيم الاخير الذي كان يمكن توقع أن يخرق الدستور وقواعد الديمقراطية. قبل دخوله الى السياسة كان استاذ للقانون الدستوري في جامعة سوسا وجامعة قرطاج، وكان مستشار في منظمات حقوق انسان وساعد في صياغة دستور تونس، الذي وضع في 2014، وهو متزوج من قاضية. عندما رشح نفسه للرئاسة في 2019 حصل على اغلبية اكثر من 72 في المئة، معظمهم من الجيل الشاب. ولكن عندما بدأت في كانون الثاني الماضي مظاهرات ضد الحكومة بسبب سلوك وحشي من قبل الشرطة، وفشل مكافحة الكورونا والصعوبات الاقتصادية المزمنة، قرر سعيد بأنه قد حان الوقت لتطبيق طريقة النظام المفضلة لديه.

​هذه الطريقة يمكن، نظريا، أن تدمج بين نظام تمثيلي برلماني وبين ديمقراطية مباشرة، التي معناها ضبابي. حسب سعيد، عدد من ممثلي المحافظات سيتم انتخابهم من المستوى المحلي وليس القطري، ومن هناك يصلون الى البرلمان ويتواجدون الى جانب الممثلين الذين سينتخبون من المستوى القطري. هذه الطريقة، كما يقول سعيد، ستتجاوز سيطرة الاحزاب التقليدية، وستدخل المزيد من السكان في العملية السياسية وتمثل بصورة افضل الجمهور. الهدف الحقيقي بالطبع هو تحرير الرئيس من املاءات الاحزاب، وكي يبني لنفسه فضاء عمل يمكنه من اخذ صلاحيات تنفيذ اوسع.

​إن طلب تغيير طريقة النظام وتنفيذ اصلاحات دستورية واقتصادية سمعت في تونس منذ بضع سنوات. جزء من الجمهور، بالاساس نقابة العمال الكبيرة ومنظمة الصناعيين والتجار والمزارعين والتي اعضاءها يشكلون مئات الآلاف، أيدت في البداية سعيد. ايضا عندما تبين حجم سيطرته على مؤسسات الدولة لم يطلبوا منه سوى اجراء حوار وطني من اجل الحصول على موافقة جماهيرية. سعيد استمع واعلن بأنه قرر اجراء استفتاء على الاصلاحات التي يخطط لها، في 25 تموز 2022، بالضبط بعد سنة على ما يسمى في تونس ثورة، واجراء انتخابات قبل نهاية السنة. ولكن لخطة العمل الهاوية هذه ادخل سعيد مقبض، وهذا من شأنه أن يساعده في تطبيق طموحاته وايضا أن يضعها على ركائز الشرعية الجماهيرية.

​قبل الاستفتاء قال بأنه سيجري حوار وطني عبر الانترنت، فيه يمكن للمواطنين ابداء رأيهم بشأن الاصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة في الدولة. من اجل ذلك فتح موقع انترنت خاص باسم “البوابة الالكترونية للاستشارات الوطنية”، أو باختصار “الاستشارة الالكترونية”. كل مواطن يمكنه الدخول الى الموقع بعد اعطاء رقم بطاقة هويته والحصول على رقم سري للدخول من مدير الموقع. الموقع فتح على مصراعيه في 15 كانون الثاني وسيعمل حتى شهر آذار، وهو يمكن من اجراء نقاش في ستة مواضيع رئيسية: انتخابات، اقتصاد، تطوير ورقمنة، تعليم وثقافة، مستوى الحياة وشؤون مجتمعية. حسب بيانات الموقع فانه حتى الآن سجل اكثر من 90 ألف مشارك، 70 ألف رجال و20 ألف امرأة.

​الحكومة تعهدت بأن لا تكون هناك أي وسيلة لتشخيص تفاصيل المشاركين، وحتى أنها جندت خبراء سايبر لضمان خصوصية المشاركين. ولكن حتى الآن يبدو أنه لا لا يوجد عدد كبير جدا يصدقون هذا التعهد. السؤال الجوهري هو كيف سيتم التعامل مع الافكار والاقتراحات والطلبات التي سيتم تلقيها في الموقع. كيف يمكن للجمهور معرفة كم عدد المؤيدين لكل فكرة ومن سيتحكم بتحليل البيانات. هناك خوف وشك من أن تستخدم هذه القناة كأداة تلاعبية لسعيد. لأنه اذا كان ينوي اجراء استفتاء فلماذا عليه اجراء حوار وطني. هذا الخوف يجد له تأييد من الشعار المرافق للموقع والحوار كله. بالطبع ربما أن شعار “لكم رأيكم، لنا قرارنا” هو تعبير عن نية الرئيس تبني وتطبيق رأي الجمهور وكأنه أمر. ولكن يوجد ايضا تفسيرات منتشرة اخرى، أي: رأيكم شيء، وقرارنا شيء آخر. سلوك الرئيس حتى الآن يعزز بالتحديد هذا التفسير.