اسرائيل اليوم : الشرق الأوسط بين الهيمنة الإيرانية وانعدام الفهم الأميركي

دان-شيفتن.jpg
حجم الخط

بقلم: دان شيفتن

 

 



في اليمن، البعيد عن العين والقلب، تدور رحى حرب وحشية، ستكون لسياقاتها ونتائجها آثار إقليمية تستوجب اهتماماً إستراتيجياً. فقد قدمت إيران لفروعها التمويل، الإرشاد بمساعدة "حزب الله"، وأدوات إستراتيجية تخرج نتائجها الموضوعية عن حدود اليمن: تحقيق الهيمنة الإيرانية، بسبب هشاشة الدول العربية، ومساهمة حاسمة في انهيار الدول التي تفعّل فيها إيران فروعها. إضافة إلى أن الضرر التاريخي على استقرار المنطقة يفاقم انعدام الفهم الأميركي وسخافة سياسات واشنطن في الشرق الأوسط المشكلة. كل هذا يجب أن يقلق إسرائيل.
الهيمنة لا تعني بالطبع تنصيب حكام إيرانيين في عواصم المنطقة، أو فروع تـأتمر بالإمرة المطلقة للأئمة في طهران. لنصر الله اعتبارات واضطرارات لبنانية صرفة، وليس في كل حالة سيعمل حسب تعليمات الحرس الثوري وحسب الجدول الزمني المرغوب فيه من إيران. ومع أن إيران تفضل أن تبث في هذه اللحظة علاقات محسنة مع السعودية ومع الإمارات، هاجم الحوثيون في الأيام الأخيرة بالصواريخ أبو ظبي، ومسّوا بالمطار وبناقلات نفطها وسيطروا على سفينة تحمل علمها. هذا هو رد الحوثيين على مساهمة الإمارات، بوساطة 50 ألف مقاتل من الميليشيا التي تمولها، لإفشال جهودهم للسيطرة على المحافظات الغنية بالنفط في اليمن.
الهيمنة الإيرانية مضمونة عملياً، حين يكون "حزب الله"، الحوثيون، والميليشيات الإيرانية في العراق وسورية يضربون، يردعون، ويستهلكون المقدرات، ويحرجون أعداء إيران: الولايات المتحدة، إسرائيل، السعودية، الإمارات، والبحرين. هذه الفروع تضر بأعدائها على نطاق إستراتيجي عظيم، باستثمار إيراني زهيد نسبياً، في ظل خسائر من المتزمتين الأفغان، الباكستانيين، وغيرهم التي لا تأبه بهم إيران، وبقدرة نفي مريحة. ففرض نمط هيمنة كهذا، كلفته هامشية ومنفعته هائلة، في دول أساس أخرى في المنطقة سيؤثر بقدر بعيد المدى على ميزان القوى، ويطرح خطراً وجودياً على إسرائيل، ويخرب مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويعرض أوروبا لأخطار شديدة.
يتسارع انهيار الدول العربية بسبب التدخل الإيراني، بما في ذلك في حالات وقعت في سياقات أخرى. فرغم التوترات التاريخية، من المشكوك فيه أن ينهار لبنان دون الدور السلبي لـ"حزب الله". وفي أعقاب الضائقة القاسية للحرب الأهلية في السبعينيات أيضاً كان من أعاد بناءه يملؤهم الأمل، ويبدو الآن أن هذا تبدد. لقد شهد اليمن حروباً أهلية لكن مستوى المعاناة والخراب هذه المرة استثنائي.
في ضوء التدخل العميق للقوى العظمى الأجنبية، من المشكوك فيه أن يكون انهيار الحكم في الشمال سينهي الحرب بتسوية مستقرة بين الحوثيين والانفصاليين. أما في العراق فيدور الحديث ليس فقط عن سعي الميليشيات الإيرانية لإلغاء نتائج الانتخابات من خلال محاولة اغتيال رئيس الوزراء المنتخب، بل أيضاً انقسام الميليشيات في مسألة طاعة الحرس الثوري. في سورية يضاف إلى تحدي إعادة بناء الدولة خطر المواجهة الهدامة مع إسرائيل بسبب التدخل الإيراني.
وفوق كل هذه تحوم السخافة الهزيلة للولايات المتحدة، التي تحاول مصالحة أعدائها على حساب حلفائها الإقليميين في مغازلاتها المثيرة للشفقة لإيران، بشطب الحوثيين من قائمة الإرهاب، وبوقف المساعدة الهجومية للسعودية وبتسليمها بهجمة الميليشيات الإيرانية على قاعدة أميركية، رداً على هجوم إسرائيلي. إذا لم تصحُ في اللحظة الأخيرة بتعزيز مكثف لقوات "الناتو" في شرق أوروبا حيال التهديدات الوقحة لروسيا، فستدفع بالشرق الأوسط (وحيال الصين) لفقدان الردع الأميركي في أعقاب بؤسها في أوكرانيا.
المشكلة هي أن كل هذه الأمور تنبع من رفض أميركي، "أوروبي" في جذوره، لفهم التحدي الشرق أوسطي، خشية أن يضطروا للعمل ضده. من هنا تجاهل خطر الهيمنة الإيرانية والتآمر على حلفائهم – الإسرائيليين، السعوديين، الإماراتيين وغيرهم - ممن يحاولون التصدي لتقدمها الزاحف. في واشنطن ينشغلون بتضليل ذاتي بأن استئناف اتفاق 2015 سيوقف التحول النووي، بينما سيسمح عملياً بتمويلها بمئات مليارات الدولارات الناشئة عن رفع العقوبات.

عن "إسرائيل اليوم"