الساعة هي الثالثة فجرا تقريبا. عمر اسعد كان في طريقه في سيارته من بيت صديقه في الطرف الغربي للقرية الى بيته في الطرف الشرقي. قبل بضع ساعات من ذلك انزل زوجته من السيارة الى البيت بعد أن قاما بالتسوق وشرب القهوة عند بعض الاصدقاء. تقريبا في العاشرة مساء ذهب الى بيت صديقه. منذ عودته من امريكا قبل 11 سنة اكثر من قضاء الوقت مع اصدقاء طفولته في القرية. يشربون القهوة ويلعبون الورق ويتحدثون طوال الليل، كل مساء في بيت أحد الاصدقاء. هكذا ايضا كان الامر في ليلة 12 كانون الثاني. في الساعة الثالثة فجرا عاد الى البيت بسيارته.
الشارع كان فارغ ومظلم، وفجأة لاحظ وجود عدد من الجنود وهم يقفون في زاوية الشارع قرب بقالة علي في وسط القرية. جلجلية هي قرية قصور. عدد من سكانها هاجروا قبل سنوات الى الولايات المتحدة وعندما استقروا هناك بنوا لانفسهم بيوت فاخرة في القرية. السير في شوارع القرية هو بناء على ذلك رائع، بيوت من الرخام، معظمها فارغة وتنتظر اصحابها عندما يأتون في زيارات عائلية في الصيف أو عندما سيتقاعدون. ايضا عمر وزوجته تهاني ارادا أن يشيخا معا في قريتهما بعد أن تركاها في 1970 الى امريكا. في البداية عاشا في شيكاغو وبعد 11 سنة انتقلا الى مليفكي، وهناك كانت لهم عدة بقالات وبيتهم بنوه هنا قبل 15 سنة، وانتقلا اليه قبل 11 سنة. بيتهم متواضع نسبيا مقارنة مع بيوت القرية. هنا سكنا وحدهما، هو ابن 80 وهي ابنة 78، وهما متزوجان منذ 58 سنة. بناتهم الخمسة والابنان والاحفاد بقوا في امريكا، وجميعهم مثل الوالدين لديهم الجنسية الامريكية.
اعتقال في ساحة الرخام
ايضا في الليلة السابقة اقتحمت سيارات عسكرية جلجلية في شرق قرية سنجل في محافظة رام الله، وهي قرية من القرى الثرية والهادئة جدا في الضفة الغربية. ربما بالتحديد لهذا السبب اقتحم جنود كتيبة نتساح يهودا هذه القرية الهادئة؛ من السهل التدرب هناك، والتنمر بدون سبب، واستعراض السيطرة والقوة أو مجرد خرق الروتين والملل.
يوجد للكتيبة الاصولية ذات الاسم المضحك هذا سجل غني من اعمال التنكيل بالفلسطينيين. هذه المرة قرروا التنكيل بأحد سكان جلجلية. لقد قرروا أن يعتقلوا بدون أي انذار كل من تجرأ على السير في الليل في القرية. الجنود قالوا إن هذا هو الامر الذي تلقوه، من غير الواضح ممن، ومشكوك فيه أن يكون هذا هو الوضع. حسب سكان القرية فان عشرات الجنود اقتحموا في تلك الليلة الباردة القرية، 5 – 7 جنود منهم وقفوا في الحاجز الطيار الذي اقاموه.
شاهد العيان رضا بكري (63 سنة)، الذي يعيش فوق المكان الذي وقف فيه الجنود، كان مستيقظ وقرأ في الشبكات الاجتماعية بأن الجيش اقتحم القرية. نظر من النافذة في الطابق الثاني وقال لباحث بتسيلم اياد حداد بأنه شاهد الجنود وهم يقفزون في وسط الشارع ويوقفون سيارة اسعد. وسرعان ما تطور تبادل الصراخ بين الجنود وبين المسن الذي كل ما اراده كان العودة الى بيته. بعد خمس دقائق فتح احد الجنود باب السيارة واخرج بالقوة السائق. الجنود قاموا بتكبيل يديه بالاصفاد البلاستيكية السوداء، التي وجدت فيما بعد في المكان الذي توفي فيه، وعصبوا عينيه واغلقوا فمه بقطعة قماش مخططة. حوالي 120 متر تفصل بين المكان الذي اعتقل فيه اسعد وبين المكان الذي اخذه أو جره اليه الجنود. هذه طريق ترابية توصل الى البيت الجديد الفاخر لمحمد اسعد، وهو احد ابناء عائلته الذي عاد هو ايضا مؤخرا من امريكا ويعيش الآن في رام الله الى أن يتم استكمال الفيلا الكبيرة والفاخرة التي تتكون من طابقين. في الليلة السابقة تجول الجنود قرب هذه الفيلا. وفي هذه الليلة اخذوا من اعتقلوهم الى الساحة الرخامية فيها. هناك قاموا برمي الاشخاص الذين اصطادوهم، خمسة اشخاص، على الارض في الخارج.
كان هناك ظلام وشاهد عيان لم يعرف اذا كان اسعد قد ذهب بقوته الذاتية أو أن الجنود جروه بالقوة. يداه كانت مكبلة وراء ظهره، واسعد كان له كرش وهو ثقيل الحركة. ابناء عائلته قالوا في هذا الاسبوع بأنهم وجدوا حذاءه في السيارة. من هنا، هو اضطر الى المشي على رجل واحدة بدون حذاء على الارض الرطبة والباردة. وقالوا ايضا إن الجنود قاموا باجراء تفتيش جسدي له، لذلك بقي فقط بملابسه الداخلية. ايضا الكوفية الحمراء التي يرتديها قاموا برفعها عن رأسه وعثر عليها مرمية في زاوية الساحة. هكذا اضطر الى السير في طريقه الاخيرة نحو حتفه. وادخل عبر البوابة الحجرية الى ساحة البيت الكبيرة التي يوجد قرميد احمر على سطحها واعمدة حجرية كبيرة تنتصب في مدخلها.
الجنود قاموا برميه على الارض على بطنه ويديه مقيدة وعيونه معصوبة وفمه مغلق، مثلما يرمون كيس. حسب تحقيق حداد فانه لفظ انفاسه خلال بضع دقائق، ربما حتى في اللحظة التي رمي فيها على الارض. يجب التذكير بأنه شخص عمره 80 سنة وفي ليلة باردة، خائف ومهان وغاضب، تم رميه على الارض في الجهة اليسرى في الساحة قرب اكياس الرمل المستخدمة في البناء والتي ما زالت توجد فيها. “لماذا على الاقل لم يحضروا له كرسي؟”، سيسألون في هذا الاسبوع في المحكمة.
في هذه الاثناء اقتربت من حاجز الجنود الذي يقع في اول الشارع سيارة تجارية جلس فيها اثنان من بائعي الخضراوات كانا في طريقهما الى سوق الجملة في بيتا. الساعة هي الثالثة والنصف تقريبا. ممدوح عبد الرحمن (52 سنة) من قرية عارورة المجاورة جلس قرب السائق. هذا الاسبوع جاء معنا الى ساحة البيت التي رمي فيها اسعد، وبعده ايضا هو وصديقه، كي يستعيد اللحظات الاخيرة للشخص المسن. الجنود قاموا باعتقالهما ايضا في الشارع وامروهما بالسفر في السيارة نحو الفيلا. هناك تم اجبارهما على النزول من السيارة وتسليم المفاتيح وبطاقات الهوية لآسريهم والجلوس على الارض في الساحة. عبد الرحمن قال إنه جلس على رجليه بسبب أن الارض كانت ابرد من أن يتحملها، ومثل لنا كيف جلس. هم أمروا الشخصين الجديدين اللذين تم اصطيادهما بالجلوس على مسافة عدة امتار احدهما عن الآخر. لم يتم تكبيلهما، لكن جندي وجه بندقيته نحوهما. الجنود امروهما ايضا بتوجيه نظرهم نحو الارض وعدم التحدث. هما لم يتمكنا من رؤية أي شيء. في الطريق، وهما في السيارة، حاول عبد الرحمن القول للجنود بأنه مريض، لكن هذا بالطبع لم يهمهم وقاموا بدفعه. وطلبوا منه أن يسكت. في الساحة التي تحولت الى منشأة اعتقال تجمع الكثير من الجنود. بعد بضع دقائق احضر الى المكان اثنان من السكان، ايضا هما من بائعي الخضار الذين كانوا في طريقهم الى سوق بيتا. ايضا امروهم بالجلوس على الارض وخفض نظرهم، وكان يفصل بين المعتقل والآخر بضعة امتار كي لا يتمردوا. احد الجنود احضر في هذه الاثناء سيارة اسعد التي بقيت على الحاجز الى مدخل الفيلا.
اربعة أحياء وميت
هكذا جلس على الارض الباردة اربعة معتقلين احياء وميت واحد. نظراتهم موجهة نحن الارض. كانوا نعسانين ومتجمدين. عبد الرحمن نام. الاربعة لم يعرفوا أن احد ما القي هناك امامهم. اسعد كما يبدو كان ميت. عبد الرحمن قال إنه في لحظة معينة شعر أنه يلمس شيء، لكن لم يخطر بباله أن هذه جثة انسان. لقد اعتقد أن هذا هو احد اكياس الرمل للبناء المنتشرة في الساحة. بعد فترة قصيرة جلس جنديان قرب المكان الذي جلس فيه عبد الرحمن. بعد ذلك سيتبين أنهم جاءوا لفك القيود عن ايدي الاسرى. هم كما يبدو فهموا أنه ميت لذلك ارادوا الابتعاد عن المكان بسرعة وطمس الدلائل خلفهم.
المتحدث بلسان الجيش قال في هذا الاسبوع كالعادة بأنه تم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية. ومن النيابة العسكرية التي تمثل الجنود ورد بأن “هم قاموا بنشاطات عملياتية كان هدفها احباط الارهاب. الفلسطيني تم احتجازه بصورة قانونية طوال النشاطات طبقا للاجراءات، ازاء سلوكه الذي عرض للخطر الجنود والقوة، وقد تم اطلاق سراحه عند انتهاء النشاطات ووضعه كان سليم ولم يكن بحاجة الى تدخل طبي. ظروف موته غير مرتبطة بسلوك القوة العسكرية”. ولكن نتائج تشريح جثته التي نشرت أمس قررت أنه توفي بنوبة قلبية تعرض لها نتيجة “عنف خارجي”.
اولاد اسعد لم يتمكنوا من الوصول للمشاركة في الجنازة لأنه ليس لديهم بطاقات هوية فلسطينية، لذلك يجب عليهم الحصول على تأشيرة دخول من اسرائيل، التي يصعب الحصول عليها. الارملة والاخ يبكيان، والاخ يقول: “كلنا سنموت، لكن لماذا بهذه الطريقة؟”.